Monday 7 July 2025
كتاب الرأي

سعيد التمسماني: المغرب وأمريكا اللاتينية.. دبلوماسية ملكية هادئة تُرسّخ الشراكات وتُعزز شرعية الحكم الذاتي

سعيد التمسماني: المغرب وأمريكا اللاتينية.. دبلوماسية ملكية هادئة تُرسّخ الشراكات وتُعزز شرعية الحكم الذاتي سعيد التمسماني
في عالم يتغيّر على إيقاع التكتلات والتحولات الجيوسياسية، لا يتوقف المغرب عن إعادة تشكيل خريطته الدبلوماسية بخطى واثقة، مستندًا إلى دبلوماسية ملكية رصينة واستباقية، جعلت من المملكة فاعلًا دوليًا يحظى بالاحترام والثقة في مختلف الساحات، ومنها الفضاء اللاتيني الذي تحوّل تدريجيًا من موقع الحياد إلى دائرة الشراكة والدعم الملموس.
 
هذا التمدد المغربي في أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى لم يكن نتيجة حراك ظرفي أو ردّ فعل آنٍ، بل ثمرة رؤية استراتيجية يقودها جلالة الملك محمد السادس، تقوم على تنويع الشراكات، وتعزيز العلاقات جنوب-جنوب، وبناء تحالفات ذكية، تجعل من قضية الصحراء المغربية جزءًا من مشروع تنموي وسيادي متكامل، لا مجرد ملف دبلوماسي.
 
وقد غيّر المغرب قواعد الاشتباك التقليدية في هذه المنطقة عبر دبلوماسية هادئة ومتعددة المسارات، تجمع بين العمل الرسمي المكثّف، والحضور البرلماني والحزبي الفعّال، والتفاعل الاقتصادي والثقافي المستدام. هذه المقاربة التراكمية أنتجت نتائج ملموسة: دعم سياسي متصاعد، واعترافات رسمية بمبادرة الحكم الذاتي، وتحول نوعي في مواقف عدد من دول المنطقة.
 
أحدث هذه الإنجازات ما عبّرت عنه الإكوادور خلال الزيارة الرسمية لوزيرة خارجيتها إلى الرباط، حيث أكدت بوضوح أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الواقعي لتسوية النزاع، مجددة دعمها لجهود المغرب ضمن إطار الأمم المتحدة. هذا الموقف يأتي ليُتوّج قرار كيتو في أكتوبر 2024 بسحب اعترافها بالكيان الوهمي وقطع صلاتها به، في انسجام مع التحول الإقليمي المتزايد لصالح الرؤية المغربية.
 
في السياق ذاته، واصلت غواتيمالا تأكيد دعمها القوي للمغرب، من خلال افتتاح قنصليتها بمدينة الداخلة، وتعزيز تعاونها مع الرباط في قضايا الأمن والتنمية والطاقة، في تعبير واضح عن انتقال هذه العلاقات إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية.
 
ولا تقتصر هذه النجاحات على الأبعاد الرسمية فقط، بل يعزّزها حضور دبلوماسي برلماني متفاعل، حيث نسج نواب مغاربة روابط قوية مع نظرائهم في عدد من البرلمانات اللاتينية، تُرجمت إلى بيانات دعم مشترك، واتفاقيات تعاون مؤسساتي. كما لعبت الدبلوماسية الحزبية دورًا رياديًا في اختراق الجبهات الأيديولوجية التقليدية، وتغيير الصورة النمطية التي علقت طويلًا بقضية الصحراء.
 
لقد مهّدت الدبلوماسية الملكية لهذا الحضور المتوازن، حين وجّهت بوصلة السياسة الخارجية نحو الجنوب، وحررتها من أسر الثنائيات الكلاسيكية، ودفعتها إلى فضاءات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وبهذا المعنى، فإن ما يحققه المغرب اليوم في أمريكا اللاتينية هو ثمرة مباشرة لهذا التوجيه السيادي البعيد النظر.
 
ولأن المغرب لا يكتفي بتحصيل التأييد السياسي، فهو يرسّخ نفسه كشريك تنموي موثوق، من خلال مشاريع استثمارية، وتعاون أكاديمي، وبرامج في الزراعة والطاقة والتكنولوجيا. هكذا يتحوّل المقترح المغربي للحكم الذاتي من مجرد مبادرة سياسية، إلى رافعة شراكات متعددة المستويات.
 
في النهاية، لا يمكن قراءة اختراق المغرب للفضاء اللاتيني إلا كترجمة ملموسة لمعادلة مغربية ناجحة: سيادة مبنية على الإصلاح، ودبلوماسية ملكية قائمة على المبادرة، وشراكات قائمة على الثقة. لقد كسب المغرب شرعية ميدانية حقيقية لمبادرته، وانتقل من الدفاع إلى التأثير، ومن التوضيح إلى الإقناع، ومن انتظار المواقف إلى صناعتها.
وهذا – في جوهره – هو المعنى العميق لنجاح استراتيجي… يُصنع بهدوء، ويُفرض بثقة. 

سعيد التمسماني، محلل سياسي