Monday 7 July 2025
كتاب الرأي

سعيد الكحل: أما آن لخطر الإرهاب أن ينتهي؟

سعيد الكحل: أما آن لخطر الإرهاب أن ينتهي؟ سعيد الكحل
تخوض الأجهزة الأمنية المغربية، بكل حزم وكفاءة وجاهزية، حربها ضد التنظيمات الإرهابية وشبكات الاستقطاب والتجنيد التي تستهدف فئة الشباب على وجه الخصوص لما تتميز به من قلة الخبرة واندفاع وسهولة السيطرة عليها نفسيا. كما تلجأ تلك التنظيمات إلى استغلال الهشاشة النفسية التي يعاني منها بعض الشباب في ممارسة الوصاية على تفكيره والتحكم في سلوكه وتحديد اختياراته. ولعل حالات الانتحار في صفوف الإرهابيين المعتقلين تكشف عن مدى استغلال التنظيمات الإرهابية للحالة النفسية للمستهدفين بالاستقطاب والتجنيد. ولا يسلم من هذا من كان له مستوى تعليمي بسيط أو جامعي. ذلك أن الوضع الاجتماعي المريح والمستوى التعليمي العالي لا يحصنان ضحايا الاستقطاب من السقوط في شباك التنظيمات الإرهابية. وتوجد أمثلة عديدة عن التحاق ميسورين وأطباء ومهندسين، من الجنسين، بالتنظيمات الإرهابية. ومن هؤلاء: زهرة الرحيوي، الملقبة بأم سعد زوجة طيار مغربي، أمل السراح زوجة طيار مغربي، أمينة لمسفر مهندسة، وإيمان بنسعيد طبيبة أسنان. ضحى أبو ثابت، طبيبة درست في فرنسا، هشام الدكالي، وهو مهندس، حاول تفجير حافلة للسياح بمكناس سنة 2007.
 
جهود أمنية في مواجهة مخططات إرهابية.
المفروض أن النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة الأمنية في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية وإفشال مخططاتها الإجرامية، أن تسهم مباشرة في وضع حد لتفريخ الخلايا الإرهابية وإنهاء، أو على الأقل التقليل من خطر الإرهاب إلى الحدود الدنيا. إلا أن نجاح المقاربة الأمنية الاستباقية يقابله إصرار التنظيمات الإرهابية على استقطاب وتجنيد مزيد من المتطرفين لتنفيذ مشاريعهم الدموية. فالمغرب، بما يتوفر فيه من هامش مهم لحرية التعبير، وبُعده عن أمراض الطائفية والمذهبية ومخاطرها على وحدة النسيج المجتمعي، من شأنه أن يجعله في مأمن من التطرف والإرهاب. إلا أن الواقع غير هذا. ولعل وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية تعكس مدى التفاوت الموجود بين النجاح الأمني الذي صار نموذجا يحظى باهتمام وتقدير كثير من دول العالم، خصوصا في ظل جهود الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وبين صعوبة تجفيف منابع الإرهاب الفكرية والتنظيمية التي تغذيها القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية عبر التحريض على "الجهاد" والكراهية وإشاعة فقه التكفير والقتل.
 
لا ينكر أحد أن نسبة تفكيك الخلايا الإرهابية تعرف انخفاضا نسبيا (4 خلايا من يناير 25 إلى 2 يوليوز 2025، 8 بين خلايا وذئاب منفردة سنة 2024، 14 بين خلية وذئاب منفردة سنة 2023، أما سنة 2022 فقد تم تفكيك 7 خلايا إرهابية وذئب منفرد). لكن الملاحظ هو أن الخلايا الإرهابية التي يتم تفكيكها، في السنوات الأخيرة تشكل خطورة أكبر من حيث نوعية المخططات والأدوات والأهداف. إذ باتت مخططات الإرهابيين تستهدف الأرواح والاقتصاد والبيئة بخلاف ما كانت عليه من قبل (تفجيرات 16 ماي استهدفت الأرواح والسياحة، وكذلك تفجير مقهى أركانة). فخلية حد السوالم مثلا التي تم تفكيكها يوم 26 يناير 2025 خططت لتنفيذ مجازر دموية عبر صناعة وتفجير العبوات الناسفة لترويع المواطنين وإرباك الأجهزة الأمنية. وبالقياس إلى المواد والسوائل التي تدخل في صناعة المتفجرات، تأكد أن مخطط تلك الخلية الإرهابية كبير وخطير على مستوى الأهداف والوسائل والآثار الأمنية والاقتصادية. أما أخطر الخلايا التي تم تفكيكها بعد خلية أمغالا، فضمت 12 متطرفا من تسع مدن تم تجنيدهم من طرف "تنظيم داعش" لتنفيذ مخططات إرهابية شديدة الخطورة لا ينحصر مداها في الزمان والمكان. إذ لم تكتف هذه الخلية الإرهابية بتصنيع العبوات الناسفة، بل انخرطت في تنفيذ مخطط داعش لزعزعة استقرار البلاد عبر إدخال مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأسلحة (كلاشنكوف، بنادق نارية، مسدسات من مختلف الأنواع، كميات كبيرة من الذخيرة). واستنادا إلى بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، فإن مخطط هذه الخلية يقوم على "استهداف عناصر القوة العمومية عن طريق استدراجهم واختطافهم وتعريضهم للتصفية الجسدية والتمثيل بالجثث، وكذا استهداف منشآت اقتصادية وأمنية حساسة ومصالح أجنبية بالمغرب، فضلا عن ارتكاب أفعال إرهابية تمس بالمجال البيئي عن طريق إضرام الحرائق عمدا". فلأول مرة يشمل المخطط الإرهابي أهدافا أمنية واقتصادية وبيئية ومصالح أجنبية. أي استهداف العصب الأمني والاقتصادي للدولة لزعزعة ثقة المواطنين في الأجهزة الأمنية، عبر ترويعهم بمشاهد التفجيرات والحرائق والاغتيالات.
 
كانت الأجهزة الأمنية وستظل بالمرصاد للعناصر الإرهابية ومخططاتهم الدموية. ولهذا السبب تتقاطع أصوات الخوانجية والخونة والعملاء والانفصاليين مستهدفة العيون الساهرة على أمن الوطن وسلامة المواطنين. قلوب هؤلاء شتى لكن يجمعهم العداء للنظام وللدولة والعمالة للقوى الأجنبية وخدمة أجنداتها رغم ما بينها من تباين. من هنا، بات واجبا على الدولة المغربية أن تجرّم إصدار ونشر فتاوى التكفير ودعاوى التحريض على الكراهية مع تشديد العقوبات ضد مرتكبيها. ولعل تجربة ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان، جديرة بالاهتمام والاستئناس في تجفيف منابع التطرف وإخراس أصوات شيوخه؛ وهي التجربة التي أخرجت السعودية من براثن التطرف وتفريخ وتصدير الإرهاب إلى واحة للانفتاح والتحديث والعصرنة.