تتوفر الدارالبيضاء على 840 ألف وحدة سكنية، لكن ثلث هذه الوحدات عشوائي والثلث الآخر غير مهيكل أو آيل للسقوط.
وتتوفر الدارالبيضاء على شبكة طرقية تفوق 5000 كيلومتر (أزقة وشوارع) لكن معظم هذه الأزقة والشوارع في حالة كارثية.
المفارقة الفاضحة أن بلدية الدارالبيضاء تتوفر على 18 مهندسا معماريا وحوالي 54 مهندس دولة متخرجين من المدارس العليا الكبرى، يضاف لهم 81 مهندس تطبيق!! أي أن بلدية البيضاء تتوفر في المجموع على طاقم تقني عال جدا يضم 216 مهندسا. وهو عدد لا يتوفر عليه حتى ملك البلاد محمد السادس. فالمهندس الوحيد الذي كان في الديوان الملكي هو مزيان بلفقيه رحمه الله، ومنذ أن انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يخلفه في منصبه أي مهندس من عيار ثقيل.
ما معنى هذا؟
معناه أن الطاقم التقني الهائل المكون في أحسن المدارس المغربية والأجنبية الذي يحيط بالسيدة عمدة الدارالبيضاء لا يلمس المواطن أي بصمة لهم في حياته اليومية، علما بأن بلدية الدارالبيضاء تسدد شهريا لهؤلاء المهندسين ما مجموعه 4.320.000.00 درهم، أي أن سكان الدارالبيضاء يسددون سنويا لـ 216 مهندسا بالبلدية ما مجموعه (5 ملايير و184 مليون سنتيم)، لكن بدون أن ينعكس ذلك على التحكم في جودة المعمار أو في المباني أو في جمالية التخطيط الحضري، أو في تطوير الحدائق، أو في تنظيم إشارات المرور أو في تيسير التنقل بالمدارات الطرقية، أو في سرعة البت في إنجاز الوثائق الإدارية، أو في تتبع الأوراش وإنجازها في آجال معقولة، أو في ابتكار حلول تتلاءم مع حاجيات المدينة ومع مواردها، أو في ضبط اختلالات السير والجولان، أو في رصد هفوات باقي المتدخلين بالمدينة من قطاع عام أو خاص...إلخ!!
فهل العيب في هؤلاء المهندسين؟
الساذج هو من سيمسح العيب في 216 مهندسا، بالنظر إلى أن التجربة بينت أن القلة من هؤلاء الذين تحرروا من أغلال الوظيفة الجماعية، تألقوا بقوة في الشركات التي وظفتهم، أو تألقوا في مشاريعهم الشخصية التي أنجزوها.
هل العيب في عدد من المنتخبين الذين يتدخلون في كل شاذة وفاذة في أمور الموظفين، بشكل يؤدي إلى وأد كل مبادرة لدى أطر الجماعة؟ أم العيب في السلطة المحلية التي تود حشر المهندسين البلديين في دائرة ضيقة جدا حتى لا يتحسن تسيير المرفق العام، وبالتالي حتى لا يحصد المنتخبون ثمار عمل المهندسين ويظهر ممثلو الأحزاب بالمجلس أمام الرأي العام كسلالة تحب الخير للمدينة؟ أم العيب في «آلهة» الإدارة المركزية بالوزارات الذين يطمحون في أن تبقى الدار البيضاء تحت «سباطهم» ليقرروا هم فيما ينبغي أن يتم، حتى لا تنفلت «الهمزات» من يد لوبي الإدارة المركزية بالحكومة الذي يخاف من «الشوماج تكنيك»؟ أم العيب في المشرع الذي يحتقر الكفاءات المغربية ويرفض (أي المشرع) سن قوانين توضح المسؤوليات وتوسع هامش تدخل وتحرك الإطار الجماعي حتى لا يبقى مونيكا (دمية) «يجفف به الأرض» هذا المنتخب أو ذاك الذي لا يتوفر على «كبدة على المدينة»؟ أم العيب في المهندسين أنفسهم والعاملين في أسلاك البلدية الذين استمرأوا الحالة ورفضوا التمرد على هذا الوضع انتصارا لشرف المهندس القائم على وجوب توظيف ما اكتسبوه من علم ومعرفة لتحسين جودة عيش بيضاوة؟
لا يعقل أن يستمر البيضاويون في تسديد 5 ملايير و185 مليون سنتيم كأجور سنويا لهذا الطاقم (خلال الولاية الجماعية تصل الكلفة إلى 26 مليار سنتيم)، بدون أن يصبح ملف الأطر الجماعية هاجسا مؤرقا لكل واحد منا.
فالملك يتحرك طولا وعرضا في بلاد مساحتها 710.850 كلم مربع مستعينا ب «كمشة» من المستشارين والخبراء الذين يهيئون للمؤسسة الملكية الملفات والدراسات والاستشارات تسمح للملك باتخاذ القرارات، بينما الدكتورة نبيلة ارميلي، عمدة الدارالبيضاء، لا تسير سوى مدينة مساحتها تساوي 350 كلم (أي 0.04 % من مساحة البلاد)، ويحيط بها جيش من الأطر والمهندسين، بدون أن تستثمر قوة كومندو المهندسين والأطر التقنية الموضوعة رهن إشارتها، لتجويد عيش سكان العاصمة الاقتصادية، ليتسنى للبيضاء جر التراب الوطني نحو الأعلى !!