الخميس 31 أكتوبر 2024
في الصميم

الشعب يريد استرجاع المنطقة العازلة

الشعب يريد استرجاع المنطقة العازلة عبد الرحيم أريري
ثلاثة مداخل تجعلني من الداعين لتغيير التعامل مع ملف استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، عبر المرور للسرعة القصوى في الإقرار  بأن ملف الصحراء «حسم عام 1975». وبأن مطلبنا كمغاربة ليس إثبات أحقيتنا التاريخية في هذا التراب المسترجع، بل العمل على الترافع لاستعادة المناطق العازلة كلها، وضمها لباقي التراب الوطني لنطوي ملف الصحراء نهائيا (حتى لا أقول إعادة فتح ملف الصحراء الشرقية، وهذا نقاش آخر).
 
المدخل الأول: عسكرة تندوف
إذا أسقطنا السجن الأمريكي الرهيب «غوانتانامو»، فإن مخيمات تندوف تصنف من المناطق «الأكثر حراسة وعسكرة» في العالم، إذ لا يمكن لأي أحد دخولها أو الخروج منها إلا بإذن من عسكر الجزائر، أو من ميليشياته المسلحة «البوليساريو».

في هذا الإطار سبق لعمر هلال، سفير المغرب بالأمم المتحدة، أن لاحظ عام 2021 في حوار مع مجلة «نيوز لوكس» الأمريكية، بأن الجزائر «لا تحترم» الحلول الثلاثة التي ينص عليها القانون الدولي لسكان مخيمات تندوف. فالجزائر ترفض عودة الصحراويين المحتجزين إلى الوطن الأم (لا نتكلم عن الساكنة التي استقدمتها الجزائر من دول الجوار لملء تندوف)، وتعارض اندماجهم على المستوى المحلي، وترفض استقرارهم في دولة أخرى، وتحديدا بأوربا.
 
الحل الوحيد الذي تتركه الجزائر لهؤلاء السكان المحتجزين، هو الفرار من المخيمات مع ما يمثله ذلك من مخاطر عليهم، إن ضبطتهم دوريات عسكر الجزائر أو ميليشيات البوليساريو. وهذا ما يقودني إلى المدخل الموالي.

المدخل الثاني: تفريغ تندوف
رغم هذه الصعوبات والمخاطر، عرفت تندوف تفريغا هائلا من الصحراويين الذين خاطروا بأرواحهم في سبيل العودة للوطن الأم. فباستحضار إحصائيات نشرتها «أنفاس بريس» عام 2018، نجد أنه منذ قرار وقف إطلاق النار عام 1991، وتطبيقا لمقولة المرحوم الحسن الثاني «إن الوطن غفور رحيم»، وصل عدد العائدين من تندوف إلى المغرب ما يقرب من 12 ألف صحراوي. وهي نسبة جد كبيرة من ساكنة تندوف. بدليل أن حمادة البيهي، العائد من جحيم المخيمات (والذي ظل محتجزا هناك 40 سنة)، سبق أن كشف في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 13 يونيو 2020، بأن 20% فقط من ساكنة تندوف تنحدر أصولها من العيون والسمارة وبوجدور، أما البقية فتنتمي للطوارق ولصحراويي دول الجوار مثل موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد، والذين يشكلون النسبة الكبرى من ساكنة تندوف التي تتسول بهم الجزائر وقيادة البوليساريو، المساعدات الدولية لإعادة بيعها في الأسواق لتسمين أرصدة جنيرالات جزائريين ومسؤولي البوليساريو.
 
المدخل الثالث: الحزام الديبلوماسي حول الحكم الذاتي
موازاة مع التحكم العسكري المغربي، والمجهود المبذول لإعمار الأقاليم الجنوبية، والمكاسب الديبلوماسية التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة (سحبت الأغلبية القصوى من الدول اعترافها بالبوليساريو، ووصول عدد القنصليات بمدن الصحراء إلى 28 قنصلية)، تمكن المغرب من إقناع 100 دولة بوجاهة مخطط الحكم الذاتي (بما فيها دول عظمى أو مستعمرة سابقة للصحراء: نموذج أمريكا وإسبانيا). وبالتالي فالمغرب عليه المرور لمستوى آخر في مواجهة الجزائر. فالصحراء «حسم موضوعها عام 1975»، وعلينا العمل لاسترجاع المنطقة العازلة التي تمثل مساحة مهمة من الصحراء.

ولنا سابقة مشرقة في استرجاع جزء من المناطق العازلة. فالأعمال الإجرامية المرتكبة من طرف البوليساريو (برعاية المخابرات الجزائرية) في الكركارات لقطع الشريان الرابط بين المغرب وإفريقيا، كانت في الواقع «هبة إلهية»، سمحت للمغرب بأن يحكم الطوق ويخنق الجزائر خنقا. إذ رغم التحرشات المبكرة للبوليساريو ضد معبر الكركارات عام 2016، وما تلاها من تصعيد جدي عام 2017، ظل المغرب يحتكم للتعقل وإشهاد المنتظم الدولي على حجم الخروقات المرتكبة بالمنطقة العازلة، وهو ما فسرته الجزائر بأنه ضعف من المغرب، فاغترت وأعطت الأمر لميليشيات البوليساريو بقطع الطريق عام 2020، بشكل قاد القوات المسلحة الملكية إلى التدخل للقيام بعملية أمنية خاطفة، تم بفضلها طرد البوليساريو نهائيا من معبر الكركارات ومن المنطقة العازلة المحيطة به من جهة، وتمت إضافة حزام أمني سابع (يضاف للأشطر الستة من الحزام الذي سبق بناؤه في ثمانينيات القرن العشرين) لتأمين المعبر نهائيا من تسلل عناصر البوليساريو من جهة ثانية. 

فما المانع إذن من عدم إشهار ورقة استرجاع المناطق العازلة كلها؟ فلنركز جهودنا على هذا المطلب لندق آخر مسمار في علاقتنا مع دولة العصابة في كوريا الشرقية.