Thursday 19 June 2025
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: ترتيب السلام بالشرق الأوسط في غياب أمريكا

يوسف لهلالي: ترتيب السلام بالشرق الأوسط في غياب أمريكا يوسف لهلالي
مرت عشرون سنة عن حرب أمريكا على العراق واسقاط نظام البعث العربي لصدام حسين، تغيرات عدة معطيات جيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط بعد هذا السقوط برعاية أكبر قوة عسكرية وسياسية بالعالم. كانت أمريكا تعتبر ان نظام البعث بالعراق يشكل خطرا على مصالحها البيترولية بالمنطقة خاصة بعد احتلاله للكويت. بعد سقوط بغداد، سياسة واشنطن بالشرق الأوسط كانت في صالح إيران الشيعية التي أصبحت تحاصر تقريبا بلدان الخليج العربي من خلال تقوية نفوذها في العراق، سوريا، لبنان، اليمن. في الوقت الذي اختارت فيه الولايات المتحدة الأميركية سياسية دولية جديدة من اجل مغادرة المنطقة نحو اسيا، من اجل احكام الطوق على منافستها الصين الشعبية، بعد ان أصبحت اسيا مصدر الثروة والتطور في العالم، وتراجع دور منطقة الشرق الأوسط مند ان أصبحت اميركا مصدرة للبترول هي الاخرى. في حين أعطت الصين أهمية قصوى للمنطقة التي تزودها بالثلثين من حاجياتها البترولية، ونزلت بثقلها في التقارب السعودي الإيراني في غياب واشنطن، التي كعادتها خلطت أوراق المنطقة وتوازناتها وراحت تركد وراء مصالحها الجديدة. في حين، نجحت الديبلوماسية الصينية في التقارب بين الرياض وطهران، هو امر لم تخفي واشنطن انزعاجها منه عبر تسريبات لصحافة. لكن السلام اخذ طريقه الى المنطقة بعيدا عنها.
 تبقى سياسة ادماج إسرائيل في المحيط العربي، هو ما تبق في الاجندة الأميركية بالمنطقة، وإذا كان ذلك يتعارض أحيانا مع مصالحها، فانه امر ضروري لكل إدارة أميركية ومرتبط بالسياسة الداخلية أكثر من ارتباطه بمصالح السياسة الخارجية لأمريكا. لكن سيطرة اليمين المتطرف الديني بإسرائيل على الواجهة السياسية من شأنه قلب الوضع الأمني بالمنطقة. وعزل إسرائيل من جديد واضعاف السياسية الأمريكية بالمنطقة.
 اليوم، بعد سقوط بغداد، فان سياسة الحصار الاقتصادي والسياسي الأميركية لم تنل من قوة ايران، بل أعطاها مناعة وتمدد نفودها نحو العراق الذي كان سدا أيديولوجيا ومنيعا في وجهها، وتقوى نفودها في سوريا ولبنان واليمن. هذا التوجه الأميركي، والنتائج العكسية لسياستها في المنطقة العربية كان له انعكاس سيء على بلدان الخليج العربي، التي وجدت نفسها مقحمة في سياسة أميركية لا تراعي مصالحها، وتابعة لسياسة تضارب مصالح الإدارات الأميركية التي تقلبت سياستها بالمنطقة بين إدارة بوش ، إلى أوباما ، وترامب بعده، تم جون بايدن اليوم. ووجدت بعض بلدان الخليج نفسها خاصة السعودية والامارات بدون حماية لمجالها الجوي امام التمدد إلايراني وحلفائه الحوتيين، واستعمال الطائرات بدون طيار، وامتناع الإدارة الأمريكية عن توفير وسائل الدفاع الجوي لحماية المناطق الحيوية بهذه البلدان. ورفض بيع واشنطن لطائرات الايف35 للأمارات. ورفض إدارة ترامب سنة 2019 الرد على إيران والحوثيين بعد مهاجمتهم للمنشاة النفطية السعودية.
طبعا بلدان المنطقة، استنتجت دروس كثيرة من سياسة الاعتماد الكلي على الحليف الأميركي، وضرورة الدخول في سياسة جديدة وهي تنويع الشركاء في جميع المجالات بما فيها الامنية، بل تقليد السياسة الخارجية الامريكية، "مصالحنا أولا"، وهو ما بدأته تركيا، التي دخلت في مواجهة مع عدة إدارات أميركية رغم انها بلد حليف وعضو بالحلف الاطلسي. هذه السياسة الجديدة للسعودية بالمنطقة بدأت من خلال عدم الخضوع لطلب الأميركي، ورئيسها جون بايدن لرفع انتاج البترول، واختارت الالتزام بقرارات الاوبيك + بعد الازمة التي سببتها الحرب الروسية الاوكرانية في سوق الطاقة بصفة عامة. هذه البداية تبعتها مبادرات أخرى، كان اهمها فتح باب الحوار مع إيران رغم العداوة الطويلة وذلك بوساطة صينية، وهو تقارب من شأنه ان يقلب الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد التصالح بين أكبر بلد عربي خليجي سني مجاور لإيران الفاريسية الشيعية، وهو ما سيكون له تأثير على الوضع باليمن، ولبنان وسوريا والعراق، ومن شأنه خفض نسبة التوتر بالمنطقة واضعاف الموقف والسياسة الأميركية وحليفتها إسرائيل التي راهنت على سياسة عدوانية تضم اليها البلدان العربية بالمنطقة. إسرائيل وحكومتها الدينية المتطرفة هي اول خاسر من هذا التقارب، وقرار البلدين تبادل السفراء واستئناف العلاقات التجارية المجمدة مند 2016 وتبادل الزيارات الرسمية.  هو تحول كبير بالمنطقة بعيدا عن واشنطن. فهل بمقدور إسرائيل اليوم الاستمرار في سياسة المواجهة تجاه طهران بعد انسحاب العرب، وغياب الدعم أميركي؟ هذا السؤال سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.
هذا التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية يعد بمثابة تحول كبير في سياسة الرياض، وتعامل بلدان هذه المنطقة بسياسة عالم متعدد الأقطاب وعدم الخضوع لمنطق مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل التي أصبحت مضرة لبلدانها ولا تخدم مصالحها. وهو ما تحركه رغبة ولي العهد محمد بنسلمان  في تحقيق النمو السريع لصالح اقتصاد وسكان بلده. المبادرة الثانية كانت التقارب بين الرياض ودمشق وذلك برعاية فاعل سياسي اخر هو روسيا. وهو نفس النهج السياسي الذي سبقت اليه سياسة الامارات العربية المتحدة مع محمد بن زايد. والتي تتوفر على سفير بطهران، كما ان البحرين أحد البلدان الأكثر عداوة مع إيران تتواصل اليوم مع طهران من اجل استئناف العلاقات بوساطة عمانية.
ويبدو ان كل البلدان الاساسية بالمنطقة، تستفيد من اوضاع الارتباك التي خلفتها الحرب الروسية على أوكرانيا بالبلدان الغربية، وهو ما يدفع تركيا، مصر، السعودية والامارات الى اخذ مسافة مع الحليف الأميركي في مجال سياستها الخارجية واتخاذ قرارات مستقلة تخدم مصالح شعوبها. وهو ما سهل تقارب تركيا مع بلدان الخليج العربي. وكذلك التقارب المصري مع انقرة وتجاوز سياسة التوتر التي لم تكن تخدم بلدان المنطقة. وزيارة وزير الخارجية تركيا الى القاهرة لأول مرة مند سنة 2013.
 لكن التساؤل الكبير، هو هل ستمح اميركا التي احتكرت العلاقة مع هذه البلدان أكثر من 70 سنة بهذه الاستقلالية الاستراتيجية لبلدان المنطقة العربية في سياستها لدفاع عن مصالحها؟ هل ستترك إسرائيل المنشغلة بقضاياها الداخلية (بين الدينيين وغير الدينين) المنطقة في حالها دون تأجيج الصراع مع إيران وحلفائها بالمنطقة؟ وهو تأجيج تصاعد في الأسابيع الأخيرة، من خلال قصف تل ابيب لمصالح إيران بسوريا، وقصف الملشيات المقربة من طهران للقوات الامريكية بسوريا.
 هل سيصمد التقارب السعودي الإيراني امام الخلافات الكبيرة بين البلدين على المستوى الديني وعلى مستوى المصالح السياسية بالمنطقة، ام ان ثقل الحصار الاقتصادي والاضطرابات الداخلية وشيخوخة القيادة سوف تدفع طهران الى سياسة واقعية تحترم سيادة جيرانها العرب وتوجهاتهم السياسية. كما ان الرياض في حاجة الى هدوء سياسي بالمنطقة وخفض التوتر لتتفرغ الى مشاريعها التنموية الكبرى وتحقيق الرفاه لسكانها. وكيف ستتطور الاوضاع بمصر التي تعاني من ازمة اقتصادية وسياسية حادة في انتظار الانتخابات المقبلة؟ وهو نفس الانتظار الذي تشهده تركيا، التي اختارت تغيير سياستها جذريا تجاه مصر، السعودة والامارات بعد ان كان يطبعها الصراع والتوتر الحاد في السابق بسبب التعامل مع تيارات الاخوان المسلمين بالمنطقة.
يبدو ان بلدان الشرق الأوسط أدركت اين يوجد طريق مصالحها، ويمكنها الاستفادة من الدور الجديد الذي تريد ان تلعبه الصين بالمنطقة، والتي نجحت في تحقيق التقارب بين الرياض وطهران في منطقة نفوذ أميركية. مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية، لان ثاني اقتصاد في العالم لا يتحمل فقدان تلتي حاجياته من البترول، وهي الحاجيات التي توفرها إيران والسعودية لصين سنويا. بالإضافة الى ان بيكين هي الشريك التجاري الأول لأغلب بلدان المنطقة.
بلدان الشرق الأوسط الكبير أدركت اليوم ان مصالحها في الرقي والتنمية والسلام لا تتماشى دائما مع مصالح اميركا بالمنطقة، وهو ما يدفعها اليوم بقوة الى الابتعاد عن حليفتها القديمة نحو عالم توجد به اقطاب أخرى يجب الاستفادة منها والخروج من الاحتكار الأمريكي لعلاقاته ببلدان الشرق الأوسط.
وهو نفس الشعور الذي يخالج أصحاب القرار بالرباط في ظل العلاقات المعقدة مع الحليف الأميركي. الذي لا يراعي دائما مصالح حلفائه.