فجأة تحولت صفحات الفيس بوك إلى صفحات نعي، نعي شخص كان حتى الأمس القريب حياّ سليما بينهم يستعطفهم ويستجدي مساعدتم، ولا أحد ممن ينعيه اليوم مدّ إليه يد الخلاص، لا أعرفه للأسف ولم أسمع به إلا بعدما وقعت الفاجعة وأحرق نفسه، هذا الشخص مرّ بثلاث مراحل مؤلمة تظهر لك مدى النفاق والانتهازية وحب الذات التي يعيشها الجسم الفني والثقافي ببلادنا.
المرحلة الأولى كان مجرد رقم وبروفيل في الفايس بوك يحمل إسم أحمد جواد، توسل واستجدى وتألم وصرخ بأعلى صوته علّ أحدهم يسمعه ويتضامن معه، وكالعادة لا أحد سمعه أو التفت إليه.
في المرحلة التانية وبعدما وجد نفسه يصرخ دون جدوى أحرق نفسه فتحول بقدرة قادر إلى الفنان الذي أحرق نفسه، سبحان الله فهُم لم ينتبهوا من قبل أن يحترق بأنه كان فنانا أيضا ويستحق التضامن، تعالت الأصوات بين متضامن ومستنكر لهذا الفعل، إلى أن وصلنا الى المرحلة الأخيرة حيث سلم روحه الى من هو أدرى بأمره وأرحم، فأصبح الفنان الذي أحرق نفسه ومات، الانتحار حصل، والموت حصل، وماذا بعد؟
كالعادة تزاحم الفضاء الأزرق دون خجل بحملات التضامن، وبعشرات النّعايا من أشخاص ومؤسسات وجمعيات... ياإلاهي! أين كان كل هؤلاء؟ لو مؤسسة واحدة فقط، أو بضع أشخاص ممن يبكونه اليوم، ولم يتضامنوا معه قيد حياته مدّوا اليه يد المساعدة لأنقذوه وأنقذوا أسرته من الضياع، هاهم بعد الفاجعة ينشرون صورهم معه في تقليد وعرف بغيض، تشتم منه رائحة الانتهازية، والتجارة باسم فنان كان يتوسل اليهم قبل أيام فقط، وعوض أن يخجلوا، ويختبئوا كالفئران الجَبانة، اختاروا أن يتصدرو ''البوز'' بكل وقاحة وسفالة حتى يظهروا لنا مدى عمق انسانيتهم، لكن العيب ليس فيهم، بل العيب فيمن منحهم هذه الفرصة وانتحر وهو يعلم أنهم سيتاجرون باسمه، ويرقصون على جثته المتفحمة، العيب ليس فيهم، بل العيب في مجتمع المثقفين والفنانين الذي يدّعي السمو والرفعة والوقار، وهو مجرد مجتمع جبان ومنحط إنسانيا.
ماجرى قد جرى ولن ينفعه اليوم لا نعي ولا تضامن ولا هم يحزنون اتركوه يرتاح بسلام، فأنانيتكم ونفاقكم وفسادكم هم سبب انتحاره بل سبب فاجعة المجال ككل.