الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (4)

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (4) رسم الوزير عيسى بن عمر العبدي والمصطفى حمزة

أجرت جريدتا "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" حوارا مطولا مع الباحث الأستاذ المصطفى حمزة بصفته متخصصا في التاريخ الجهوي والمحلي، من أجل الخوض معه في النبش حول أبرز القواد الذين عرفهم مغرب الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويتعلق الأمر بشخصية القائد الكبير، والوزير عيسى بن عمر العبدي البحتري، وطبيعة علاقته بقبيلة أحمر وقيادها وأعيانها ومحيطها الجغرافي...فضلا عن تفاصيل أخرى يكشف عنها الباحث في سياقها التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي...فكان لنا معه الحوار التالي :

 

+ كيف فك واخترق عيسى بن عمر الحصار الذي ضرب عليه قبليا وجغرافيا؟

لقد وجد عيسى بن عمر نفسه محاصرا على المستوى القبلي من طرف قبائل أحمر، الرحامنة، دكالة، مما سيجعل اتصالاته خارج المجال الجغرافي لقبيلة عبدة في اتجاه (مراكش، الجديدة، الصويرة)، غير ممكنة. أما على المستوى الجغرافي، فإن فخدة ثمرة التي ينتمي إليها القائد، أصبحت مطوقة من جميع الجهات، مما سيجعل تحركاته داخل هذا المجال صعبة، و يطاله ما طال باقي العمال، من هدم لداره وهتك حرماته ونهب أمواله. في هذا السياق يمكن وضع التحالفات التي أقامها سي عيسى سابقا، مع القبائل المجاورة (أحمر، دكالة)، ومَدِّه لهم بالخيل والسلاح، والتدخل لأعيانهم واقتراحهم لتولي مناصب مخزنية، مثل تدخله لصالح الحاج مبارك بن بوشتى الغانمي للولاية على القبيلة البوعزيزية، وتدخله لدى زعماء تمرد قبيلة أحمر لتولي قيادات فرقهم، كما يمكن فهم السياسة التي نهجها لاختراق خصومه، و ردود الفعل العنيفة التي كان يواجه بها معارضيه.

 

+ متى وكيف أصبح عيسى بن عمر قائدا على كل قبائل عبدة؟

من المحقق أن القائد عيسى بن عمر، كان يشتغل وفق إستراتيجية، تستحضر المستقبل، وهذا راجع بطبيعة الحال إلى تكوينه، وإلى الخبرة التي اكتسبها، ولذلك أسند له الصدر الأعظم أحمد بن موسى، مجموعة من مهام منها، تهدئة الأوضاع بكل من قبيلتي عبدة وأحمر، إذ توصل بأمر سلطاني، يأمره باستدعاء أعيان القبيلتين، وتبليغهم استغراب السلطان لِما صدر عنهم، مع إرشادهم بتعيين من يُولى عليهم، وهي خطة وضعها المخزن لإضعاف الرحامنة، ومكنت سي عيسى في نفس الوقت من كسب حلفاء مجاورين (قياد أحمر)، وإذ لم يتمكن من الحد من مساهمة كل الفرق الحمرية إلى جانب قبيلة الرحامنة، فقد تمكن من تحقيق ذلك بالنسبة لقبائل عبدة، إذ تمكن بمعية ابن التمار، من إخماد فتنة قبيلتي: الربيعة، وأولاد زيد، ولذلك لم تشاركا في معركة 25 ذو القعدة عام 1312ھ، وحوالي 1896م ستمتد إيالته لتشمل الفرعين معا، وأصبح بذلك قائدا على كل قبائل عبدة .

 

+ هل كانت للقائد عيسى بن عمر يد في تعيين قياد أحمر بالمنطقة؟

نعم لقد تدخل لتعيين قياد قبيلة أحمر، وهو ما يستنتج من كلام القائد سي عيسى، حيث يقول في إحدى رسائله: "وعليه، فليعلم مولانا دامت سعادته ومجده، أنه لما ورد علينا أمره، امتثلنا قوله بتوجيههم وفق أغراضه الشريفة، وكل فرقة عَيَّنت واحدا منهم". وعمل على إشهاد أعيانهم برسوم على ذلك، و تزكيته لهم، كتب إلى السلطان، مؤملا منه أن يوجه لهم لوازم القيادة، وهكذا توصل قياد أحمر الموالين له بظهائر تعيينهم، وتمت تولية كل من (أحمد بن المحجوب، والحاج علي بن التهامي، و الحمري بن العربي...)، على باقي قبيلة أحمر، من طرف القائد وِيدَّةْ، لكن الوزير أحمد بن موسى رفض تعيين القائد الأخير، ولم تتم الموافقة عليه، إلا بعد تدخل القائد سي عيسى وفق رسالة إليه. وبالمقابل تم رفض تعيين قدور الخُولَاقِي، وخليفة ابْنْ عَطِّي، لكون إخوانهم يساندون الرحامنة. وعموما فتعيينات قياد أحمر، كانت مؤقتة لكون المخزن، كان لا زال بفاس، ثم أنه كان منشغلا بتمرد الرحامنة.

 

+ من هي الجهة التي كانت وراء تعيين قواد قبائل عبد وأحمر والرحامنة؟

حين تم القضاء على الرحامنة، كافأ الوزير بَّا حْمَادْ جميع الأشخاص، قوادا، وشيوخا، وأمناء، وغيرهم من أهل المنطقة على ما قدموه من عون وخدمات إلى المخزن، ثم شرع في تعيين قواد جدد في كافة مناطق البلاد، بما في ذلك بلاد أحمر. و دخل بَّا حْمَادْ مع من ينعتون بقياد السيبة من قبيلة أحمر في مشاورات، بواسطة أولاد امْعَاشُو والَمْصَابِيحْ، والقائد سي عيسى، فتمكن من توقيفهم وإعادة تنظيم القبيلة، وهو ما يعكس رغبته في تمهيدها مثل باقي القبائل، لذلك عاملهم بالصرامة و الشدة، لِما كان "ظهر منهم من سلوك مسلك الرحامنة، وأكلهم دار عاملهم"، خاصة الفرق التي ظلت إلى جانب الرحامنة، فصار يولي عليهم عمال الجور، بعد أن يستخلص منهم الأموال الباهظة على التولية، وبعد توليتهم بأمد قريب يعزلهم ويترك ديارهم ثم يُولى غيرهم، وصار على هذه الحالة مدة إقامته يعني حياته إلى أن توفي.

 

+ ما هي الأسماء التي تم تعيينها على منطقة أحمر؟

المشاورات التي أجراها أَبَّا حْمَادْ عند عودته، أسفرت على تنظيم قبيلة أحمر، حيث قلص من قيادة القائد الحمري بن العربي، وأصبحت مقتصرة على فرق (أوْلَادْ يُوسَفْ، والجْنَادْغَةْ والشْهَاوْنَةْ)، ويبدو أنه لم يكن مرغوبا فيه، فتم عزله وسجنه، وتعويضه بالقائد قَدُّورْ الْخُولَاقِي. وبالنظر للمكانة التي كانت للقائد عَلَّالْ بَنْ بَّا عند الوزير، والقائد سي عيسى، فقد تولى قيادة أوْلَادْ مْعَاشُو، ثم أضيفت له باقي فخذات الزْرَارَاتْ عند عزل القائد الحمري بن العربي، وقد ظل في منصبه إلى وفاته عام 1900 م، وخلفه ابنه أحمد. أما بالنسبة للحاج علي بن التهامي فقد كان قائدا على فرق (الْفَرْجَانْ، والَكْرَارْمَةْ والَعْوَامَرْ) بدعم من القائد سي عيسى، وفي سنة 1896م تم إبعاده، وعوض بالقائد عْمَارَةْ بَنْ عِيسَى الْهَوَّارِي. وعن فرقة لُوبِيرَاتْ عين القائد مسعود، حيث كانت رغبته في التوسع على حساب قرينه القائد المحجوب الحمري، وقد انتهى الصراع لصالحه بدعم من سي عيسى، الذي كلفه بتصفيته وكذا قتل القائد العربي بن القاضي. وبخصوص القائد المحجوب المصباحي فقد تولى قيادة فرقة الَمْصَابِيحْ ، بتزكيته من سي عيسى، وحصل على ظهير تعيينه، وباقي لوازم القيادة، غير أن مساره المهني سيعرف عدة تطورات.