Monday 23 June 2025
مجتمع

أكادير تحتفي بالطفولة.. مهرجان يزرع الفرح ويبني المستقبل

أكادير تحتفي بالطفولة.. مهرجان يزرع الفرح ويبني المستقبل جانب من فعاليات المهرجان
في مدينة أكادير التي تحتضنها جبال الاطلس وتتنفس عبق المحيط، حيث يلتقي البحر بالسماء في لوحة طبيعية خلابة، اختارت المدينة ان تفتح ذراعيها للطفولة، فتمنحها حقها في الوجود والاحتفاء، وتكرس لها مساحة تعبيرية حرة تنبض بالفرح والحياة. من الثاني عشر الى الرابع عشر من يونيو، تحولت اكادير الى فضاء نابض بالحيوية والبهجة، حيث احتضنت فعاليات النسخة الثالثة من المهرجان الاقليمي للطفولة، الذي نظمته المديرية الجهوية لقطاع الشباب بجهة سوس ماسة تحت شعار "الطفولة المبدعة دعامة للتنمية المجتمعية". لم يكن هذا المهرجان مجرد حدث عابر او مناسبة احتفالية تقليدية، بل كان مناسبة حية تتنفس فيها المدينة روح الطفولة، وتستعيد فيها براءتها واحلامها، وتفتح نوافذها على مستقبل مشرق ينبض بالامل والتفاؤل.
 
لقد جسدت فعاليات المهرجان رؤية عميقة تتجاوز مجرد الترفيه او اللعب، لتؤكد على ان الطفولة هي اللبنة الاساسية لاي مجتمع يطمح الى التنمية والاستقرار. فمن خلال الانشطة الرياضية التي خصصت لاطفال مؤسسات التنشئة الاجتماعية والجمعيات، الى الورشات الفنية والابداعية التي احتضنتها حديقة ابن زيدون، بدا وكأن الزمن قد توقف ليستمع الى همسات البراءة التي تهمس بلغة الاطفال: نحن هنا، نحلم، نرسم، نبتكر، ونصنع المستقبل بايدينا الصغيرة. لم تكن الفعاليات مجرد ترفيه، بل كانت تجربة تربوية واجتماعية متكاملة، تعكس حرص المدينة على توفير بيئة حاضنة للطفل المغربي، تتيح له التعبير عن ذاته، وتنمية مواهبه، وتطوير مهاراته في جو من الحرية والاحترام.
 
لم تقتصر فعاليات المهرجان على الفرح واللعب فقط، بل شملت ندوة فكرية جمعت نخبة من الاطار التربوية والمهتمين بقضايا الطفولة، حيث ناقشوا دور مؤسسات قطاع الشباب في تحسين اوضاع الاطفال، وكيف يمكن للابداع واللعب ان يكونا مدخلا حقيقيا للتنمية والعدالة الاجتماعية. كانت الندوة فرصة للتفكير العميق في كيفية بناء بيئة تليق بالطفل المغربي، تضمن له حقوقه الاساسية، وتوفر له فرصا متكافئة للنمو والتطور. وقد اكد المشاركون على اهمية جعل الطفولة محور السياسات العمومية، وتكريس قيم المواطنة والانتماء والتعبير الحر في نفوس الاطفال منذ الصغر، لان ذلك هو السبيل لبناء مجتمع متماسك ومتقدم.
 
اما الامسية الفنية التي شهدها المهرجان فكانت لحظة استثنائية، حيث صعد الاطفال الى خشبة المسرح ليعبروا عن احلامهم ومشاعرهم من خلال لوحات موسيقية ومسرحية وانشادية، بعيدة عن لغة السياسة والاقتصاد، بل بلغة القلب وروح الفن. قدم الاطفال من مختلف الجمعيات ودور الشباب ومراكز حماية الطفولة والاندية النسوية عروضا فنية مبهرة حملت رسائل واضحة عن مجتمع يريد ان يربي اجياله على الحلم لا الخوف، على الحرية لا الانغلاق، على الجمال لا العنف. كان الفن هنا برهانا حيا على ان الاستثمار الحقيقي في الطفولة لا يتم بالكلمات الرنانة او الخطب الرسمية، بل بتمكين الاطفال من منصات التعبير الحر التي تتيح لهم ان يكونوا فاعلين ومبدعين في مجتمعهم.
 
وفي ختام المهرجان، كانت لحظة التكريم هي الابرز، حيث احييت ذكرى وجوه تربوية وجمعوية كرست حياتها لخدمة الطفولة المغربية بصمت وصدق. لم يكن التكريم مجرد اجراء شكلي، بل كان احتفاء حقيقيا بالجهود المتواصلة التي يبذلها هؤلاء الرجال والنساء في سبيل بناء جيل جديد قادر على مواجهة تحديات المستقبل. كان التكريم بمثابة وعد بان كل جهد صغير يبذل في سبيل الطفل سيظل محفورا في ذاكرة المجتمع، وان العمل من اجل الطفولة هو استثمار طويل الامد في مستقبل الوطن.
 
وفي تصريح له لوكالة المغرب العربي للانباء، اكد السيد هشام زلواش، المدير الجهوي لقطاع الشباب بجهة سوس ماسة، ان المهرجان ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو لبنة في بناء شخصية متوازنة للطفل، ومدخل لترسيخ قيم المواطنة والانتماء والتعبير الحر. واوضح ان انشطة المهرجان، التي شملت فنونا ورياضية والعا ب وورشات ابداعية، صممت بعناية لتلائم حاجات الطفل النفسية والاجتماعية والابداعية، وتجعل من التربية تجربة حية نابضة لا تقتصر على جدران المدارس فقط. واضاف ان الهدف هو ان يشعر كل طفل بانّه مسموع ومرئي ومقدر، وان تكون له مساحة حقيقية في المجتمع يعبر فيها عن ذاته بحرية ومسؤولية.
 
لقد جسد ما شهدته اكادير خلال هذه الايام الثلاثة اكثر من مجرد برنامج تربوي، بل كان رسالة امل قوية تقول ان في وجه الضجيج العالمي والمآسي التي تحيط باطفال العالم، لا يزال في المغرب متسع لحلم طري، لصوت صغير لا يقاطع، ليد تمتد لا لتاديب الطفل بل لمرافقته نحو نضج امن. كانت اكادير، خلال هذه الفعالية، بمثابة بوصلة توجه المجتمع نحو المستقبل، حيث يكون الطفل هو المحور والاساس، والمهرجان ليس فقط احتفاء بالطفولة، بل تدريبا للمجتمع على كيف يحب اطفاله، ليس بالكلام، بل بالفعل، بالفرح، بالمساحات الحرة، وبالفن كحق لا منّة.
 
ان الطفولة، في النهاية، ليست مجرد مرحلة عمرية عابرة، بل هي رؤية مجتمعية شاملة تعكس مدى تقدم الامم ووعيها باهمية الاستثمار في اجيالها القادمة. وحين نصغي اليها جيدا، ونمنحها ما تستحق من اهتمام ورعاية، نصنع وطنا يليق بالمستقبل، وطنا يزهر فيه الحلم وتشرق فيه شمس الامل على كل طفل صغير. في اكادير، تجلت هذه الرؤية بابهى صورها، حيث تحولت المدينة الى منارة تنير الطريق نحو مجتمع اكثر عدلا وانسانية، مجتمع يحتضن اطفاله ويزرع فيهم بذور الابداع والتفاؤل، ليكونوا قادة الغد ورواد التغيير.
 
هذا المهرجان، الذي جمع بين الفرح والتربية والفن والفكر، يؤكد ان الطفولة ليست فقط حقا يجب الدفاع عنه، بل هي ايضا مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع: الاسرة، المدرسة، المجتمع المدني، والسلطات المحلية والجهوية. فالطفل هو المستقبل، والاستثمار فيه هو الاستثمار الحقيقي الذي لا يخيب ابدا، لانّه يزرع في الارض بذور الخير والازدهار، ويصنع من الاحلام الصغيرة واقعا كبيرا يضيء دروب الحياة.
 
في نهاية المطاف، تبقى اكادير شاهدة على ان الطفولة ليست مجرد ذكرى عابرة او مرحلة زمنية، بل هي نبض الحياة وروحها التي لا تنضب، وهي الحلم الذي لا يموت، والضوء الذي لا يخبو، والفرح الذي يعيد الى المدينة روحها ويجعل منها مكانا يحتضن الجميع، صغيرا كان ام كبيرا، في رحاب الانسانية والكرامة والحرية.