الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

عودة السيبة للمغرب!!

عودة السيبة للمغرب!! عبد الرحيم أريري
سألني صديق مغربي يقيم بالنرويج منذ ربع قرن، لم يزر المغرب منذ أزيد من 10 سنوات: ما الذي تود مني اقتناؤه لك أثناء مجيء للمغرب في الصيف، هل تفضل كتابا أو قميصا صيفيا أو ساعة يدوية أو أواني منزلية مصنوعة من الخشب الرفيع الذي تشتهر به مطابخ الضيعات النرويجية؟
 
أجبته: لا هذا ولا ذاك، أحضر معك فقط أسلحة نارية من نوع كلاشينكوف وقذائف الهاون وبازوكا وقنابل انشطارية وعنقودية!
 
استغرب صديقي وقال: ويحك، ما عهدت فيك هذه النزعة العدوانية. من ذا الذي تود استهدافه بهذه الترسانة الحربية؟
 
أجبته: عزاؤك في الغربة أنك تعيش في بلد شفاف يحرص مسؤولوه على حسن تدبير المال العام وصرفه في أوجه تعود بالنفع على الشعب النرويجي. أما نحن في المغرب فالفساد استفحل وازداد حدة منذ آخر زيارة لك للمغرب. 
لو زرتنا اليوم ستجد وكأن المغرب بدون مؤسسات رقابية: فمجلس المنافسة، هو مجلس صوري فقط ويتفرج على الشركات الكبرى في المحروقات وفي المواد الغذائية وعلى الفاعلين في قطاع الاتصالات والأبناك والتأمينات يطحنون الشعب وينهشون لحمه، بدون أن يتدخل هذا المجلس لضبط السوق بما يراعي القدرة الشرائية للمواطنين. والمجلس الأعلى للحسابات تحول إلى ماكينة لإنتاج التقارير الباردة أبرد من سيبيريا، بدون أن تكون لهذه التقارير تبعات زجرية ضد الفاسدين والمستهترين بالمال العام، بحكم أن المشرع كبل قضاة المجلس الأعلى بقانون "صابوني"، لا سلطة له على وقف الكانيباليزم الذي يطال المال العام. والمفتشيات العامة التابعة للوزارات أضحت مومياءات محنطة وتحولت إلى مجرد آلات لشفط الامتيازات والأجور العليا والتعويضات بدون أن تكون رادعة للاختلالات وتقويم الاعوجاجات. والمعارضة في البرلمان "ضاربها بالطم" وخانت عهدها أمام الله وأمام الملك وامام الشعب، دون أن تنهض بأدوارها الرقابية لوقف ديكتاتورية الأغلبية واستهتارها بالمصلحة العامة.
والأحزاب تغط في سبات شتوي تاركة الحكومة "تتبورد" على العباد، بدون سند يحميهم من سياط العجرفة والتسلط والقهر الاقتصادي. والإعلام العمومي وفي لعقيدته المتمثلة في تغييب النقاش العمومي من الأجندة حتى "تبقى القفة مقلوبة" على أوسع فئة من المواطنين. 
 
قاطعني صديقي متسائلا: ولكنكم صوتم على دستور 2011، وأنت كنت من الذين ترافعوا للتصويت بنعم، وهو دستور تم التطبيل له بكونه ربط المسؤولية بالمحاسبة!
 
أجبته: الفساد الذي استشرى في ظل دستور 2011 لم يسبق أن عرفه المغرب طوال تجاربه الدستورية السابقة منذ 1962 إلى اليوم. فأي مسؤول عمومي يريد تبديد المال العام أو اتخاذ قرارات منهكة للخزينة العامة أو الإعلان عن صفقة لورش أو مشروع لا ينفذ أو تجهيز مكتبه وصالون إدارته بأفخم التجهيزات أو إطعام "الخلان والغلمان" بأغلى الأطعمة والمشروبات من المال العام، يقدم على خطوته وهو مطمئن البال أن لا أحد سيحاسبه أو يراقبه. أضحت اللامبالاة عقيدة معظم المسؤولين.
 
تنهد صديقي وسألني: كم تحتاج من كلاشينكوف وقنابل وقذائف؟
 
أجبته: قم بإحصاء عدد الوزارات والإدارات والمؤسسات العمومية والمكاتب العمومية والجماعات الترابية والعمالات والأقاليم وشركات التنمية المحلية، وأحضر لي من كل سلاح ثلاث او أربع شحنات في حاويات كبيرة، عسى أن يدك القرطاس الفساد والمفسدين بالمغرب بعد أن عجزنا في مواجهتم بالدستور والقانون والنصوص المخدومة.