الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

فؤاد الجعيدي: كلفة ارتماء حزب "الكتاب" في أحضان "البيجيدي"غالية!!

فؤاد الجعيدي: كلفة ارتماء حزب "الكتاب" في أحضان "البيجيدي"غالية!! فؤاد الجعيدي

يبدو أن هذا الداخل بحزب التقدم والاشتراكية، يعرف فورة لم يسبق لها مثيلا في تاريخ هذا الحزب الوطني، لقد عرف منذ سنة 1943 تاريخ النشأة ظهور نزعات، حملت تقديرا للأحداث بشكل مختلف عن القيادة الوطنية للحزب، التي كانت تحتكم لنزعات الديمقراطية المركزية، وبعض الرفاق غادروا السفينة في محطات وأسسوا تيارات كانت أكثر راديكالية. لكن من المؤتمر الوطني الخامس، بلغ الصراع أوجه مع الراحل التهامي الخياري، حول قيادة الحزب، وجرى سرا من خلف الراحل يعته، الترتيب لأول انقسام في الحزب، انتهى بتأسيس جبهة القوى الديمقراطية، حيث في هذا السياق وجد التهامي الخياري سندا له في لعبة التقسيم ودعما من طرف الراحل إدريس البصري، الذي مهد له الطريق لخلق جبهة القوى الديمقراطية، وكان العديد من رفاق القيادة الوطنية للتقدم والاشتراكية منهم الأمين العام الحالي بن عبدالله يساومون على مواقع في المولود الجديد.

البعض تراجع لما اكتشف أن التهامي الخياري أحكم بقبضة من حديد الحزب الذي أنشأه واختار أن يموقع فيه بعض أفراد أسرته وأقرب المقربين له من داخل الحزب.

أما حزب التقدم والاشتراكية ظل يعيش مخاضا بزعامة الراحلين عبد المجيد الذويب وشمعون ليفي الذي صاغ وثيقة تحت عنوان ( لا زلنا على الطريق )

رحل علي يعته إلى متواه الأخير، واستمر الصراع في وقائع مؤتمر الذي احتضنه مقر مكتب الصرف في الدار البيضاء، والذي لم تحسم فيه موازين القوى إلا في صبيحة يوم الاثنين الذي لم يكن مبرمجا في جدول أعمال المؤتمر، حين تم اللجوء إلى إنزال قوي أعطى الغلبة لإسماعيل العلوي أمينا عاما للحزب بالتصويت العلني ببطائق المؤتمر وكان ساعتها خالد الناصري في الكواليس يرتب لإنزال شارك فيه العديد من الغرباء.

كان الراحل الذويب يؤمن بقوة أن إمكانيات التغيير من الداخل، باتت عملية مستحيلة، فدعا من داخل بيته بعين السبع في لقاء حضره عشرة رفاق، من بينهم الرفيق شمعون للترتيب لعملية انشقاق جديدة، لكن اعترض الراحل شمعون ليفي على القرار، واتضح فيما بعد أن هذا الاعتراض لم يكن بريئا، حين صار الراحل شمعون ليفي رئيسا للمتحف اليهودي.

جرت مياه كثيرة تحت الجسر، سلم فيها إسماعيل العلوي حزب التقدم والاشتراكية، لنبيل بنعبد الله، والذي رتب لقيادة الحزب رفقة قيادة وطنية صار كل همها هو المشاركة السياسية في تدبير الشأن العمومي، والسعي في كل المفاوضات مع الأحزاب للحصول على نصيب من الكعكة.

باستثناء تجربة حكومة التناوب، ظل عطاء الحزب باهتا، وبالأخص حين اختار الارتماء في أحضان العدالة والتنمية، وكانت كلفة هذا الارتماء، أن انتزعت شوكة الحزب وصلابة مواقفة، بمعنى أنه فك كل الارتباط بالحركات الجماهيرية وعلى رأسها الطبقة العاملة وساهم مع العدالة والتنمية، في قرارات قاسية لا زالت تداعيتها سارية إلى أيامنا هذه.

ومكنت المناصب الحكومية، بعض الرفاق من تغيير مواقعهم الاجتماعية، وصار منهم ملاكو للضيعات، والمقاولات والمشاريع المربحة وبناء العلاقات لتبادل المنافع مع الرأسمال المحلي.

 

تغير الخطاب مع الوافدين الجدد الذين لا يمتون بأي صلة للحزب ومواقفه وتراثه السياسي، كما نشطت آلة استئصال الرفاق الذين لهم قناعات ومواقف ثابتة مرتبطة بجذور الحزب في هويته السياسية والطبقية. وظهر وحده نبيل بن عبد الله المنظر لهذا التحريف الذي استعان فيه بالأجنحة التي خلقها، والتي لم يكن لها ما يكفي من المناعة السياسية والحنكة، سوى أنها فضلت وكانت على أتم الاستعداد للعب أدوار الوساطة من خلال الدواوين ومن خلال التعيين في المناصب السيامية.

لم يستمر هذا الاتجاه، حين تم الاستغناء على نبيل بن عبد الله بما راكمه من فشل سياسي وتدبيري، واختار اللجوء إلى منطق الأرض المحروقة.

نبيل مات سياسيا انطلاقا من الفرضيات التالية:

*غضبة المؤسسة الملكية على لسانه الذي لم يجد لجمه وتم نعته بصفة (المضلل) التي صارت مصطلحا في قاموسنا السياسي بما حملته من دقة في التوصيف.

*السقطة المدوية في الانتخابات، حيث قالت فيه صناديق الاقتراع قولها الفصل وهذه المرة ديمقراطيا بمعنى أن لا ثقة فيه للعودة بالوعود الكاذبة.

لقد ظل أمام بن عبد الله منفذا وحيدا للمناورة بشتى الأساليب والتي لم تكن في عمقها أخلاقية، للاستحواذ على الحزب من موقع الأمانة العامة على مدى ثلاث ولايات، لكن أن يطمح لرابعة، فهذا أمر في منتهى الأنانية، وفي منتهى المكر السياسي.!؟

الصراع الذي يقوده اليوم شباب يعني أن الحزب لا زال يتمتع بجذوره الصلبة، وأن المحن التي تراكمت منذ سنين آخذة تناقضاتها في النضج. وأن الحركة الداخلية التي انتفضت من رحم الحزب (سنواصل الطريق)، بدأت تلقى تعاطفا واسعا من كل الديمقراطيين والمتتبعين للشأن الحزبي، والغريب أن هذه الحركة لم يستطع واحد من القيادة الوطنية الحالية، أن يتقول فيها سوءا، اللهم من كانت له منفعة وهو في حضن الأمين العام، بل هناك طرف واحد من المكتب السياسي من حاول الالتفاف على مواقفها في خرجات افتتاحيات متعددة بجرائد الحزب البيان وبيان اليوم، لكن البقية نراها تصوم عن الكلام وتخفي مواقفها بخوف تظل أسبابه في طي الكتمان.. وهو أمر غريب في عالم السياسة الذي لا يقبل التعتيم. مجلس الحكماء يفهم منه الصمت، أن الجالسين على كراسيه بلغوا من العمر عتيا، ولم تعد أحوالهم الصحية تسعفهم على خوض الصراعات وبالأخص الفكرية، وتلك سنة الحياة.

وحدها الأيام القادمة، هي التي يمكنها الجواب على هذا المؤجل كمشروع سياسي، لعودة الحزب إلى ينابيعه، وإن كانت العودة اليوم تحتاج إلى فكر متجدد، وقادر على تعبئة الجماهير الشعبية، واسترداد آمالها في البناء الممكن لمغرب العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية.

إن هذا المغرب المتحدث عنه يعطي على مستوى الدولة، الجرأة في اقتحام الأوراش للبناء الحداثي ومواجهة الأفكار المتطرفة والغريبة عن مجتمعنا. وعلى المستوى السياسي، يلزم أن تكون لنا حركة سياسية مسؤولة تتجاوز أساليب الابتزاز، ومنها ابتزاز الدولة وتعمل على القيام بوظائفها الدستورية في تأطير الناس وتربيتهم على مفاهيم أن الوطن لا يقبل أن يكون جسرا للمساومة، لا سيما في محطات البناء الوطني.

وأن تكون لنا الجرأة في الدفاع على قيم أن يظل العمل السياسي عمل

تطوعي، وليس حرفة لمن فشل في تدبير مشاريعه الخاصة وراكم فيها الفشل، فأتى للسياسة، بحثا عن العلاقات وعن المنافع دون أن يرف له جفن.

 

فؤاد الجعيدي، قيادي سابق بحزب التقدم والاشتراكية بسطات