الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

هل تعلم أن "سَاكَنْ لَالَّةْ مَلِيكَةْ" هو مدح في خصال زوجة السلطان محمد بن عبد الرحمان؟

هل تعلم أن "سَاكَنْ لَالَّةْ مَلِيكَةْ" هو مدح في خصال زوجة السلطان  محمد بن عبد الرحمان؟ صورة لخادمة مع السلطان محمد بن عبد الرحمان

في هذه الورقة التي تتقاسمها "أنفاس بريس" مع القراء، أسقط الأستاذ عبد الرحيم شراد قناع الدجالين والمشعوذين الذين يعيشون و يقتاتون من تعميم الجهل وسط المجتمع من خلال تمرير مغالطات تقحم "الجن" في غناء "السَّاكَنْ" الذي تعرضت قصائده للتحريف والتشويه.

النموذج الثاني الذي نقدمه بعد ورقة "سَاكَنْ اَلْبَاشَا حَمُّو"، يتعلق بـ "سَاكَنْ لَالَّةْ مَلِيكَةْ". فمن تكون هذه المرأة، ومن أبدع في نظم القطعة الغنائية ذات النفحة "الْعِيسَاوِيَّةْ و اَلجِّيلَالِيَّةْ و لَـﯕنَاوِيَّةْ"، وما هي أسباب  نزولها؟

كلمات من "سَاكَنْ" لَالَّةْ مَلِيكَةْ

جَدْكُمْ شَرِيفْ

جَابْ لَّلعْزِيزْ. خْبَارُوا فِي بَارِيزْ

مَلِيكَةْ مْشَاتْ وُجَاتْ

دَّاتْ سْمِيَّةْ جَابَتْ جُوجَاتْ

أَنْتِ اَلْحَاجَّةْ مَلِيكَةْ

مَلِيكَةْ بَنْتْ اَلْمُلُوكْ

هَا عَمْرَاوَةْ جَاوْ يْزُورُوكْ

اَلِّليلَةْ لِيلَةْ جِيلَالَةْ

مَّالِينْ اَلْـﯕَصْبَةْ وُ الطَّارَةْ

عَيْشَكْ بَنْتِي أَنْتِ خَدْمِي وُ أَنَا نَخْدَمْ

قْلِيلْ اَلنِّيَّةْ دَابَا يَنْدَمْ

مَلِيكَةْ جَايَا فِي سْبُوعْ اَلْمِيلُودْ

جِيبِي اَلجَّاوِي جِيبِي اَلْعُودْ

هِيَ اَلِّلي مْعَاهَا خَدَّامَةْ

هِيَ اَلِّلي مْرَبْيَةْ لِيتَامَى

حَسَّكْ فِي لَجْبَالْ يْنَادِي

عَارِي عْلِيكْ عَارْ أَوْلَادِي

لَعْفُو للهْ يَا مَلِيكَةْ

مَلِيكَةْ مُولَاتْ التَّاجْ

اَلِّلي زَارْهَا مَا يَحْتَاجْ

هِيْ اَلِّلي مْبَدْلَةْ لَكْسَاوِي

هِيَ اَلِّلي مْبَخْرَةْ بِالجَّاوِي

هِيَ اَلِّلي ﯕَالْسَةْ فِي اَلْكُرْسِي

هِيَ اَلِّلي بْخَيْرْهَا كَ تَكْسِي .

من هي لالة مليكة ؟

حتى لا يجنح بنا الخيال في عوالم الغيبيات، أصرح منذ البداية أن لالة مليكة ليست جنية . إن لالة مليكة هي زوجة السلطان العلوي المولى محمد بن عبد الرحمان ( 1810 ـ 1873).

والدها هو الشاعر محمد بن إدريس العمراوي، الذي تولى الحجابة ثم الوزارة على عهد السلطان المولى عبدالرحمان بن هشام، أما أخوها فهو إدريس بن محمد بن العمراوي كان كاتبا ومبعوثا لزوج أخته السلطان محمد بن عبدالرحمان بفرنسا . و أشير هنا إلى أن إدريس بن محمد العمراوي قد ألف كتابا تحت عنوان: "تحفة الملك العزيز في مملكة باريس" .

 

ولهذا نجد في عيطة العمراوية عبارة تتردد "جَدْكُمْ شَرِيفْ وُعْزِيزْ. جَاتْ خْبَارُوا فِي بَارِيزْ" وهنا لا بد أن أوضح أن الصواب في هذه الجملة الغنائية هو: "جَدْكُمْ شَرِيفْ، جَابْ لَّلعْزِيزْ (أي للسلطان) خْبَارُوا فِي بَارِيزْ"  .

 

خادمة لَالَّةْ مَلِيكَةْ هي مبدعة كلمات الأغنية

إن ساكن لالة مليكة هو عبارة عن غناء جاء على لسان إحدى خادمات لالة مليكة في بيت أبيها، وهذه الخادمة كانت امرأة أرملة، وأثناء قيامها بأشغال البيت وترتيبه بمساعدة إبنتها استعدادا لعادة دأبت عليها لَالَّةْ مَلِيكَةْ، تتعلق بزيارة بيت أهلها في اليوم السابع من عيد المولد النبوي الشريف .

تقول كلمات الساكن: "مَلِيكَةْ مْشَاتْ وُجَاتْ. دَّاتْ سْمِيَّةْ جَابَتْ جُوجَاتْ". على اعتبار أن إسمها كان هو "مَلِيكَةْ اَلْعَمْرَاوِيَّةْ" وعندما تزوجت بالسلطان محمد بن عبد الرحمان العلوي أصبحت تحمل إسم "مَلْيكَةْ اَلْعَلَوِيَّةْ".

لذلك قالت الخادم الناظمة: "أَنْتِ اَلْحَاجَّةْ مَلِيكَةْ. مَلِيكَةْ بَنْتْ اَلْمُلُوكْ. هَا عَمْرَاوَةْ جَاوْ يْزُورُوكْ". أي أن الكل سيأتي للترحيب بمقدمها، وستكون ليلة الاستقبال زاهرة، يتخللها الطرب والغناء بدليل قولها: "اَلِّليلَةْ لِيلْةْ جِيلَالَةْ. مَّالِينْ اَلْـﯕَصْبَةْ وُ الطَّارَةْ" .

وينتقل الأستاذ عبد الرحيم شراد للتفصيل في حوار الخادمة مع ابنتها أثناء القيام بمهامهما، حيث تحثها على مساعدتها في ترتيب البيت بالقول: "عَيْشَكْ بَنْتِي أَنْتِ خَدْمِي وَ أَنَا نَخْدَمْ. قْلِيلْ اَلنِّيَّةْ دَابَا يَنْدَمْ. مَلِيكَةْ جَايَّا فِي سْبُوعْ اَلْمِيلُودْ. جِيبِي الجَّاوِي جِيبِي العُودْ".

ويؤكد الأستاذ شراد على أن الخادمة تترقب حضور زوجة السلطان "لَالَّةْ مَلِيكَةْ" بفرحة كبيرة لأن أفضالها عليها كثيرة، بحكم أنها امرأة أرملة و لها أبناء لا معيل لهم إلا لَالَّةْ مَلِيكَةْ حيث تثني عليها بالقول: "هِيَ اَلِّلي مْعَاهْا خَدَّامَةْ. هِيَ اَلِّلي مْرَبْيَةْ لِيتَامَى" .

وتكشف عن خصالها المرتبطة بفعل الخير والتكفل بالأيتام كسلوك كان معروفا على زوجة السلطان لَالَّةْ مَلِيكَةْ: "حَسَّكْ فِي لَجْبَالْ يْنَادِي. عَارِي عْلِيكْ عَارْ أَوْلَادِي. لَعْفُو لله يَا مَلِيكَةْ".

 

إن لَالَّةْ مَلِيكَةْ ـ حسب توصيف شراد ـ أنها لم تترك محتاجا إلا وأعطته من مالها وأحسنت إليه العطاء حيث يستند على قول: "مَلِيكَةْ مُولَاتْ اَلتَّاجْ. اَلِّلي زَارْهَا مَا يَحْتَاجْ". بقرينة أنها اعتادت عندما تزور بيت أهلها أن تجلس كل يوم على كرسي يليق بمقامها كزوجة سلطان، وفي كل يوم تغير لباسها و تأمر باستعمال البخور في مجلسها لكي تستقبل المحتاجين و تغدق عليهم من المال: "هِيْ اَلِّلي مْبَّدْلَةْ لَكْسَاوِي. هِيَ اَلِّلي مْبَّخْرَةْ بِالجَّاوِي. هِيْ اَلِّلي ﯕَالْسَةْ فِي اَلْكُرْسِي. هِيَ اَلِّلي بِخَيْرْهَا كَ تكْسِي" .

 

ويؤكد الأستاذ عبد الرحيم شراد في ختام منشوره، قائلا: إننا عندما نضع "السَّاكَنْ" تحت مجهر البحث والدراسة الأكاديمية، مسلحين ومستعينين بالمعارف، نستطيع أن نكشف و نبين الحقائق ونقطع الطريق على تأويلات المشعوذين والدجالين الذين يكرسون الجهل وينشرون الأباطيل، بقصد تكبيل عقول العامة من الناس .