الخميس 28 مارس 2024
سياسة

حنان أتركين: صراع بلادنا ليس مع وهم ولكن مع الجزائر.. واعتراف إسبانيا سيكون له ما بعده

حنان أتركين: صراع بلادنا ليس مع وهم ولكن مع الجزائر.. واعتراف إسبانيا سيكون له ما بعده حنان أتركين
في هذا الحوار مع حنان أتركين، النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، تتحدث عن تطورات الموقف الإسباني بخصوص دعم الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، وكذا عن حصيلة الدورة التشريعية من الولاية البرلمانية الحالية.
 
شهد الموقف الإسباني تطورا إيجابيا بخصوص دعمه للحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، ماهي قراءتك لهذا الموقف؟
يعد تغير الموقف الإسباني من "الحياد" إلى دعم مقترح الحكم الذاتي، والاعتراف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة لبلادنا، والإقدام مؤخرا على نزع الخط الوهمي من خريطة بلادنا المعتمدة لديها، ولدى مؤسساتها، التحول الثاني الأهم، خلال السنتين الأخيرتين، بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة بلادنا على صحرائها، ويعد حدثا يقترب من حدث المسيرة الخضراء، لأن إسبانيا ليست دولة عادية؛ سواء بالنظر إلى علاقاتها مع بلادنا، أو بالنظر أيضا لكونها الدولة المستعمِرة لمنطقة الصحراء (جهتي العيون-الساقية الحمراء، والداخلة-وادي الذهب).

هذا التحول، ليس مرتبطا فقط بتداعيات دخول المدعو "بن بطوش"، خلسة وبأوراق مزورة إلى إسبانيا، وإن كان سببا مباشرا في أزمة غير مسبوقة بين البلدين، بل مرتبطة أساسا بطبيعة العلاقات المتطورة بين البلدين، يجب ألا ننسى أن إسبانيا تعد الشريك الاقتصادي الأول اليوم للمملكة، وهي الدولة التي تستفيد من اتفاقيات الصيد البحري الموقعة مع الاتحاد الأوربي، وتستعمر مدينتي سبتة ومليلية التي تتوقف الحياة فيهما على علاقات جيدة مع المغرب، إضافة إلى أن المغرب يحظى بوضع متميز وشريك غير عادي للاتحاد الأوربي، دون أن ننسى أن بلادنا تقدم نموذجا لدولة صاعدة، ذات مصداقية، تحظى بالاستقرار السياسي والمؤسساتي، ووجهة للاستثمار الأجني، وتتوفر على فرص واعدة للتطوير الاقتصادي، كما أن السياسة الخارجية، التي يقودها الملك محمد السادس بحكمة وتبصر، تنبني على ثوابت، وعلى خيارات واضحة، وتريد إحلال علاقات خارجية يكون فيها الجميع فائزا؛ وبالتالي، فإن المنطق الذي يبني عليه المغرب علاقاته بجيرانه، هو الذي دفعه، إلى مطالبة إسبانيا بوضوح أكبر في علاقاتهما، وإلى تحمل مسؤوليتها في اختياراتها السياسية، كما أن الثقة بين الشركاء تقتضي التزامات متبادلة، واحتراما لهذه الالتزامات والتعهدات.
 
كيف تابعت تلقي الطبقة السياسية لهذا التقارب بين مدريد والرباط؟
توجد قراءتين في إسبانيا، حول موقف المغرب بخصوص الوضوح في التعامل مع قضية الصحراء المغربية، قراءة تعتبره ابتزازا، ورغبة في الحصول على منافع أكبر من العائد بين العلاقات بين البلدين، وهذا موقف الأحزاب اليمينية، لا سيما المتطرفة منها، والشعبوية، وقراءة مغايرة، تنبني على ضرورة مراجعة مواقف إسبانيا من المغرب، وجعلها تراعي أولا مصلحة إسبانيا الاقتصادية، والحوار الآمن، وإيجابية أكبر في التعاطي مع قضية الصحراء المغربية.. كل هذا في إطار تحول كبير تعرفه قضيتنا الوطنية، عبر أزمة مشروع الانفصال، وتقلص مناصريه وداعميه، وانكشاف الدور الحقيقي للجزائر في الموضوع، واقتناع الجميع بأطروحة المملكة التي تعتبر الصراع ليس بين بلدنا ووهم، ولكن بين بلدنا والجزائر.

لكن، ككل الانعطافات والتغيرات الكبرى، لا بد أن تكون ردود فعل الطبقة السياسية متباينة بخصوصها، لا سيما إذا استحضرنا الانقسام الكبير وسطها، لنبدأ أولا بتحليل خطاب الرافضين لهذا التحول في الموقف الرسمي الإسباني، فهذا الخطاب تحركه بداية المواقف السلبية من حكومة "بيدرو شانسيز"، سواء من داخل أغلبيته أو من المعارضة، وينبني على فكرتين أساسيتين: أن الموقف الجديد يعد خروجا عن الموقف التاريخي لإسبانيا من الملف، وثانيا ان هذا الموقف لا يتماشى مع الحق في تقرير المصير..
 
كيف يمكن التعامل من المغرب مع هذا الانقسام داخل الطبقة السياسية الإسبانية؟
الرد على المعطى الأول يبدو بسيطا، ما دام الأمر يتعلق بتغيير وبانعطافة، فإن ذلك يعني قطيعة مع الماضي، أما مسألة تقرير المصير، فإن أنصار هذا الموقف، لم يتوقفوا عن التحول الذي حدث في قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، إذ أصبحت التقارير تدعو إلى "حل سياسي"، بخصائص الدائم والمقبول والمتوافق بشأنه، وهي دعوة تتجاوز المقولات الكلاسيكية للعلاقات الدولية التي تعود إلى فترة الحرب الباردة؛ في مقابل ذلك، هناك خطاب قوي مؤيد لخطوة مدريد، وهو خطاب صادر عن رموز سياسية كبيرة في إسبانيا، ولكي لا يكون حديثي معكم عاما أسوق لكم بعض الأمثلة: فثاباتيرو، اعتبر أن موقف مدريد هو عنوان "للانسجام السياسي"، وأن "مبادرة الحكم الذاتي، هي الوحيدة التي تقدم حلا تفاوضيا لنزاع الصحراء في إطار الأمم المتحدة"، موراتينوس من جانبه أكد على "السلام والاستقرار هما قيمتان يتم السعي وراءهما في وقت تحتدم فيه صراعات وأزمات في أجزاء أخرى من العالم، حيث يتعلق الأمر بأنباء إيجابية ينبغي بالطبع الترحيب بها". لقد ركزت على موقف هاتين الشخصيتين لسابقة مسؤوليتهما في الحكومة الإسبانية، ولمعرفتهما العميقة بملف الصحراء، وما يمثله المغرب لإسبانيا.

تجدر الإشارة أيضا، أن هذا التحول قوبل بترحيب دولي كبير، نسجل مثلا، تجديد فرنسا لموقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي، ترحيب مؤسسات الاتحاد الأوربي بالموقف الإسباني، مواقف شخصيات سياسية من دول أمريكا اللاتينية.. هذه الدينامية اليوم في العلاقات بين البلدين، والتي انطلقت عمليا في أعقاب الاستقبال الملكي لرئيس الحكومة الإسبانية، وصدور البلاغ المشترك في ختام الزيارة، لا بد من تدعيمها على كل المستويات، وبالخصوص من قبل الديبلوماسية الموازية، وهنا يحضرني الدور الكبير الذي ينتظر مجلسي البرلمان، لتغيير وجهة نظر غير إيجابية تجاه بلادنا لا زال لها مقعد في الكورتيس الإسباني، وهذا يتطلب تصورا واضحا للتواصل والزيارات، وتعريفا أكبر بحقوق بلادنا والمجهود التنموي الكبير الذي تقوم به في مختلف الجهات، وعلى رأسها جهتي العيون والداخلة، مع استحضار أن إسبانيا تعرف دعوات انفصالية في العديد من أقاليمها وجهاتها، لكنها تحاول احتوائها والإجابة عنها مؤسساتيا من خلال قناة "الاستقلال الذاتي" الذي يمنحه الدستور الإسباني لبعض الجهات التاريخية في إسبانيا.. إنه نفس الحل الذي نقدمه لإشكال مفتعل، فلماذا يقبل به جزء من الطبقة السياسية، في تطبيقه الإسباني، ويعتبره، حين يطبق في فضاء آخر، لا يلبي تقرير المصير؟
 
ننتقل إلى محور آخر، يتعلق بافتتاح دورة جديدة من الولاية التشريعية الحالية، وبعض المراقبين ينتقدون الأداء التشريعي لممثلي الأمة، هل انت راضية عن الحصيلة؟
حصيلة الدورة التشريعية الماضية، قدمها رئيس مجلس النواب في اختتام دورة الخريف، ونحن الآن بصدد دورة جديدة، افتتحت  الجمعة 8 أبريل 2022، وملامح أجندتها بدأت تتضح.
دورة الخريف، يمكن القول، أنها دورة ولادة الحكومة، فأهم حدث فيها كان هو تنصيب الحكومة، في أعقاب التصويت بالإيجاب على البرنامج الذي قدمه رئيس الحكومة، وبعد ذلك دخلنا في تمرين آخر هو قانون المالية السنوي، لذلك لم تكن هذه الدورة غنية من حيث التشريع، بالنظر للسياق الزمني الذي  أتت فيه، لكنها كانت واعدة في الجانبين الرقابي والتقييمي..

وأظن بأن الدورة الحالية ستكون واعدة في حصيلتها التشريعية، لكن يبدو الأهم بالنظر للظروف المحيطة ببلادنا، هو الإجابات الاجتماعية التي ستقدمها الحكومة والتعاطي البرلماني معها، يجب أن نستحضر أننا بصدد سنة صعبة تأخرت فيها التساقطات، ولازالت تحت تأثير مخلفات جائحة كورونا، وارتفاع فاتورة الطاقة، وما تلقي به من سلبيات على المواطنين وعلى الدورة الاقتصادية في كليتها.. وإذا أضفنا إلى كل هذا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، على الاقتصاد العالمي.. سنقول بأننا بصدد سنة استثنائية.