الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي... سيرة طفل حارب بريشته آلام الفقر

الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي... سيرة طفل حارب بريشته آلام الفقر
بين المغاربة والجزائريين حبٌّ ممنوع نجحت "السياسة" في تحريمه، فألبسته ثوب الخيانة، حتى احتاج الجهر به إلى شجاعة مثالية. وكذا أشعر حين أتوصل برسائل من الجارة الجزائر، خطابات قصيرة أو سريعة تكاد تختنق بالمشاعر، مشاعر مكتومة فيها كثير من الأسف، الأسف على قدر جعل من شعبين جارين عدوين يتربصان ببعضهما البعض على الحدود، ويتبادلان القصف على وسائل الإعلام والاتصال.
آخر الرسائل جاءتني من مستغانم، من فنان جزائري لم يُخف تقديره لما كتبت عن الفنان التشكيلي عزيز سيد، وأشعرني بالفخر وهو يقول لي إنه من متابعي كتاباتي إعجابا.
تبّا، لديّ فنانون معجبون وراء الحدود ولست أدري !
وبنداء بسيط إلى غوغل، تعرّفت الفنان الذي يكلمني؛ الفنان الجزائري العالمي شمس الدين بلعربي. يا إلهي، فنان عالمي معي على الخط؟
"شمس الدين بلعربي المعروف فنيا باسم chemsou belarbi صاحب بعض من أشهر لوحات الأفلام الهوليودية (أفيشات الأفلام) المرسومة باليد، مثل The News و Honor و Garra Mortal و Bucks of America والفيلم الوثائقي الكبير Chinese Hercules The BOLO YEUNG Story".
أخبرني غوغل بالكثير الكثير عنه، عن عرض أعماله في مهرجان كان والأوسكار وسيزار، عن دعوة تكريمه بمهرجان مراكش الدولي للسينما، عن إدراج اسمه في القاموس العالمي للسينما IMDB، عن القاموس السينمائي العالمي BUKS OF AMERICA، عن اختياره كشخصية مؤثرة لعام 2020 من قبل مجلة مؤثرون INFLUENTIAL PEOPLE MAGAZINE، وأشياء أخرى تعطي لكل الكلمات التي خاطبني بها مذاقا خاصا؛ مزيج من الفخر الممهور بالتواضع.
ليست إنجازات الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي وحدها التي تستحق أن تُروى، خلف هذه الواجهة المشتعلة بالألوان والفرح، تمة سيرة أخرى تحتفظ بتفاصيلها صنعت الفنان الذي هو الآن. وكما قالت الشاعرة الجزائرية لمياء بودوخة: "قصة الفنان شمس الدين بلعربي ملهمة لكل جزائري يربّي بين جوانحه حلما صغيرا، منها نتعلم كي يحمي المرء أحلامه بالعزيمة والصبر والإصرار مهما كبرت الصعوبات والتحديات، عليه فقط أن يثق في الله ويؤمن إيمانا حقيقيا بموهبته".
قصة شمس الدين بلعربي هي سيرة طفل فقير عاش في قرية صغيرة بمستغانم الجزائرية، عانى من الفقر الشديد والحاجة ككل الأطفال الفقراء، مما دفعه إلى أن يكبر بسرعة، ويتحمل وهو الصغير مسؤولية الكبار، معيلا أسرته الفقيرة بامتهانه لأعمال شاقة مختلفة. ووسط هذا الشقاء لمعت موهبته ضوءً صغيرا بداخله، وانجذب إلى الألوان والصور، وبدأ يقلّد ويرسم، حتى اتخذ الرسم حرفة وانقطع عن الدراسة متفرغا له. لم ينجح طبعا منذ البداية، كان كل شيء من حوله يُحبطه، ويدعوه إلى ترك الفن والبحث عن عمل قار يُبقيه وأسرته على قيد الحياة. تعرض إلى الظلم، إلى الخداع، إلى التنمر، وإلى كل المظاهر العدوانية التي تغتال أي حلم وليد. ولكن أبدا لم يتخل عن حلمه، ولم يستسلم، وظل يقاوم ويرسم يرسم يرسم... يشاهد أفيشات الأفلام المرفوعة على واجهات السينما ويعيد رسمها بيده... أفيشات/ لوحات عديدة ضاعت، تعرضت إلى التلف بسبب ظروف السكن العائلي الفقير .
حتى أتت اللحظة التي اتخذ فيها الفتى شمس الدين قرارا مجنونا، خياليا. إذ قرر إرسال عدد من رسوماته إلى شركات الإنتاج السينمائي العالمية عبر البريد، وتعرض بسبب ذلك إلى السخرية من المحيطين به، سخرية أزّمتْ نفسيته، ودهورت حالته الصحية، لكن لم تستطع أن تقتل حلمه، حتى وصلته رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليوود، حيث قام بالتعريف بأعماله في الأوساط السينمائية العالمية، لتنهال عليه من المخرجين والمنتجين العالميين لإنجاز أفيشات للأفلام.
هذه الرحلة الملآى بالألم والتحدي ألهمت المخرج الأمريكي Georges blery لتصوير فيلم وثائقي يلخص سيرة بلعربي الفنية بعنوان CHEMSEDDINE، عن سيناريو الكاتب الأمريكي دافيد موريل والفنان شمس الدين نفسه، سيتم الانتهاء من تصويره هذا العام.
لماذا أعيد أنا رواية هذه الأحداث؟ هل أريد أن أعرّف بهذا الفنان بين المغاربة الذي لا يعرفونه؟ كان من الممكن أن يكون الجواب نعم، لو كان ما أكتبه الآن منشورا في جريدة ورقية لا تتجاوز الحدود، لكنه منشور في جريدة إلكترونية، حيث تصبح الحدود بلا معنى، والقراء بلا جنسية. ربما كانت هذه هي الطريقة المثلى للتعبير عن مودتي للفنان الجزائري شمس الدين بلعربي، ومن خلاله إلى كل الجزائريين والجزائريات، بعيدا عن "السياسة" التي جعلت الحبّ بين الشعبين حبًّا ممنوعا، نجحت في تحريمه، فألبسته ثوب الخيانة، حتى احتاج الجهر به إلى شجاعة مثالية.