Sunday 2 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

بشري أكدر: سيميولوجية الصورة والحدث.. رمزية المكان والزمان واللباس في الخطاب الملكي

بشري أكدر: سيميولوجية الصورة والحدث.. رمزية المكان والزمان واللباس في الخطاب الملكي بشري أكدر
وجّه الملك محمد السادس، مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، خطابا ساميا إلى الشعب المغربي، ساعاتٍ بعد إصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 لسنة 2025.
فما أبرز مضامين الخطاب الملكي؟ وما الرسائل الموجّهة إلى الداخل والخارج؟
 
1- سيميولوجية الصورة/الحدث:
ظهر الملك محمد السادس، في مستهل الخطاب، محفوفا بوليّ عهده وصنوه الأميرين، بقاعة العرش في القصر الملكي بالرباط، بعد صدور بلاغ عن وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة بشأن توجيه الملك خطابًا ساميًا إلى الشعب المغربي.
جاء الخطاب مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، مرتديًا اللباس المغربي التقليدي (الجلباب المغربي)، في إشارة رمزية تحمل دلالات على إمارة المؤمنين، باعتبارها الإمامة الكبرى للأمة، والمؤسسة الضامنة لاستمرارية البلاد ووحدتها العقدية والمذهبية والترابية، والحامية لحدودها والمؤتمنة على أمنها الروحي وسائر شؤونها، بنصّ الدستور.
كلها مؤشرات تدل على أن الحدث كبير، واللحظة تاريخية فارقة بين زمن مضى وآخر آتٍ.
 
2- وقفة عند الاستهلال:
استهلّ الملك محمد السادس خطابه، كعادته، بالحمدلة والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رسول السلم والسلام ومتمم مكارم الأخلاق.
وافتتح جلالته الخطاب بآية من مطلع سورة الفتح: "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا."
وسورة الفتح مدنية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الحديبية، وعدد آياتها 29 آية.
نزلت قبل سورة التوبة وبعد سورة الصف، وكان موضع نزولها في منطقة كُراع الغميم بين مكة والمدينة، وتأتي في الترتيب 48 في المصحف الشريف.
سُمّيت السورة بهذا الاسم لما تضمنته من ذكر الفتح الذي تحقق للنبي والمسلمين بعد منع مشركي قريش لهم من أداء العمرة.
ونزولها كان عقب صلح الحديبية. وقد وصفها النبي بأنها أحب إليه من الدنيا وما فيها، كما ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
استفتاح الملك خطابه بهذه الآية يرمز إلى معانٍ دينية وسياسية عميقة، ويرمز إلى بداية مرحلة جديدة في ملف الصحراء، باعتباره خطاب الفتح.
 
3- مضامين الخطاب الملكي:
أعلن الملك محمد السادس في خطابه:"ها نحن نبدأ، بعون الله وتوفيقه، فتحًا جديدًا في مسار ترسيخ مغربية الصحراء، والطيّ النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حلّ توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي."
وأوضح جلالته أن هذا الفتح يأتي متزامنًا مع تخليد الذكرى الذهبية للمسيرة الخضراء، والذكرى السبعين لاستقلال المغرب، دلالةً على مركزية ملف الصحراء في التاريخ الوطني.
وأعرب الملك عن ارتياحه لمضمون قرار مجلس الأمن الأخير، معتبرًا أن 31 أكتوبر 2025 محطة فاصلة في مسار القضية.
وأكد أن هذا القرار جاء تتويجًا لمسار طويل من العمل الدينامي الذي جعل ثلثي دول الأمم المتحدة تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد للحل.
كما تطرّق الخطاب إلى أهمية الاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمملكة على أقاليمها الجنوبية، ما شجع القوى الاقتصادية الكبرى على الاستثمار والتبادل التجاري معها.
وبيّن أن القرار الأممي رقم 2797 يمثل بداية مرحلة الحسم الأممي، لتحديد المبادئ الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي.
 
4- الأجندة الدبلوماسية للمغرب في المرحلة المقبلة:
في التزام واضح بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، أعلن الملك محمد السادس أن المغرب سيعمل على تحيين وتفصيل مضامين مبادرة الحكم الذاتي لتقديمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق.
 
5- ثقافة الاعتراف:
أشاد الملك محمد السادس بجهود الدول الصديقة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لما بذلته من جهود دبلوماسية ومساعٍ سياسية لدعم المسار الأممي الجديد.
كما أثنى على جهود بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، وعلى دعم الدول العربية والإفريقية ومختلف الدول الصديقة لمبادرة الحكم الذاتي.
 
6- رسائل الملك لسكان المخيمات:
أكد الملك محمد السادس حرص المغرب على إيجاد حلٍّ لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ كرامة جميع الأطراف.
ووجّه نداءً صادقًا إلى إخواننا في مخيمات تندوف:
"لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لجمع الشمل مع أهلهم، والمساهمة في تنمية وطنهم في إطار الحكم الذاتي والمغرب الموحد."
وشدد جلالته على أن جميع المغاربة سواسية، ولا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وإخوانهم داخل الوطن، في إشارة إلى التوجه نحو مصالحة وطنية شاملة.
 
7- رسالة الملك للجيران:
وجّه الملك محمد السادس دعوة صريحة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للحوار الأخوي الصادق، من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة وحسن الجوار.
كما عبّر عن التزام المغرب بإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله الخمس، في تأكيد على رفض أي محاولة لفرض كيان سادس بالمنطقة.
 
8- رسالة الملك للشعب المغربي:
أشاد الملك محمد السادس بتضحيات المغاربة جميعًا في سبيل الدفاع عن وحدة الوطن واستقراره، موجّهًا تحية تقدير لسكان الصحراء المتشبثين بمقدسات الأمة ووحدة البلاد.
كما نوّه بجهود الدبلوماسية الرسمية والحزبية والبرلمانية في الدفاع عن القضية الوطنية، مبرزًا مكانة القوات المسلحة الملكية والقوى الأمنية وعائلاتهم، مستحضرًا أرواح الشهداء الذين بذلوا أنفسهم في سبيل التحـرير والوحدة.على سبيل الختام:
يُعد الخطاب الملكي بمناسبة القرار الأممي حول الصحراء خطابًا واضحًا وتاريخيًا، يؤشر على دخول مرحلة جديدة تتطلب وحدة الصف وتضافر الجهود بالداخل والخارج من أجل بلورة نموذج محين وشفاف لمبادرة الحكم الذاتي، منفتح على التجارب الدولية، يستند إلى الكرامة الإنسانية، ويعزز حقوق الإنسان، ويوسع المشاركة السياسية لأبناء الصحراء، وخاصة الشباب والنساء، في إطار الشرعية الدولية والوحدة الترابية للمملكة.
 
بشري أكدر، حقوقي وفاعل مدني