الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مراد علمي: سحـب وجـل الحرب والطلبة العالقين في أوكرانيا

مراد علمي: سحـب وجـل الحرب والطلبة العالقين في أوكرانيا مراد علمي
تشكل الجالية المغربية الطلابية أكبرجالية بعد الهنود من ناحية العدد، تقريبا 10.000 طالب وطالبة، من الواجب أن نكون موضوعيين ونتحلى بالنزاهة والموضوعية، من المستحيل إجلاء هذا الكم الهائل من المواطنين في الظروف الراهنة، نظرا للقصف اليومي على أوكرانيا، اللهم احفظ جميع الطلبة والطالبات من أي مكروه، كما لا يجوز خصم أو معادلة آلام ومآسي هذا الشعب على حساب شعب آخر، كما جاء على لسان بعض المواطنين والمواطنات، لأن الحرب بمثابة معاناة، تغاضي على قدرة التعاطف، تجاهل التضامن مع البشر، تجاهل الشفقة، مراعاة أحاسيس الآخر بهدف تصريف الخبث وجميع العقد التي غزت الشخصية المتعطشة لسحق العدو المزعوم، وفي الأساس الحرب ما هي إلا نزعة عنيفة بغية إثبات الذات بالقوة على حساب الآخر.
الموقف الذي اتخذه المغرب موقف حيادي بامتياز، نظرا للعلاقات الطيبة التي تربطه لا مع روسيا ولا مع أوكرانيا، أما الجمعية العامة للأمم المتحدة طالبت من روسيا التوقف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا، 141 دولة صوتت لفائدة هذا القرار كما امتنعت 35 دولة عن التصويت، من ضمنها الصين، حليف روسيا، و5 دولة فقط رفضت قرار الأغلبية وهم كوريا الشمالية، إريتريا، سوريا، روسيا نفسها وبيلاروسيا، وإن دل هذا المعطى على شيء فهو يدل على عزلة روسيا وتضامن العالم مع الدول الصغيرة والمستضعفة، وقصور يد أوكرانيا على مواجهة الجيش الروسي يتجلى في صناعة الزجاجات الحارقة، بيد أن الجيش الروسي يقصف المدن الأوكرانية بالصواريخ الباليستية، بالمدافع في البر ومن السماء، وتكتيكات الجيش الروسي شبيهة للجيوش الغربية إبان غزو العراق، وهذا يعني في الأساس قصف، تدمير البنية التحتية، لا من قناطر، طرق، مطارات، مدارس، مستشفيات، مباني إدارية، محطات الاذاعة والتليفزيون، محطات توليد الكهرباء والمياه الصالحة للشرب إلخ.
هذا النزاع شبه "حرب أهلية"، لأن الكثير من الروسيين أو الأوكرانيين لهم روابط عائلية متينة، هم أقارب أو متزوجون من بعضهم البعض، مثلا الميلياردير "ميخائيل فريدمان"، 57 سنة، روسي الجنسية ومالك أكثر من 14 مليار دولار، فهو من أبوين أوكرانيين كما ولد في غرب أوكرانيا، في مدينة "لفيف"، حتى اللغة تعتمد في كلا الدولتين على الأبجدية السيريلية و33 حرف، كما لا زالت تستعمل اللغة الروسية في جميع أنحاء أوكرانيا، بالأخص في المقاطعات الشرقية، ولكن شيئا فشيئا اجتاحت اللغة الأوكرانية المنطقة الغربية، بالأخص العاصمة "كييف"، وحذفت هكذا تدريجيا اللغة الروسية من المقررات المدرسية كلغة رسمية بجانب اللغة الأوكرانية، وحتى الجامعات عرفت نفس التوجه، مع العلم أن عدد هائل من القوميين الروس لا يعتبرون اللغة الأوكرانية "لغة" ولكن "لهجة روسية" فقط، وإقصاء اللغة الروسية من عدد كبير من مناحي الحياة في أوكرانيا لأججت غضب الرئيس بوتين الذي يريد استرجاع مجد الامبراطورية الروسية، والذي يعتبر ليومنا هذا انهيار الاتحاد السوفيتي أكبر إهانة وإساءة له ولشعبه.
والعوامل التي دفعت الرئيس الروسي إلى غزو أوكرانيا هي في الأساس الرغبة في نزع سلاح أوكرانيا، يعني أن تصبح دولة ذات سياسة أحادية كفنلندا أو سويسرى، لأنه يخشى اندلاع مواجهة مباشرة مع حلف الناتو على حدوده، والعامل الثاني هو اجتثاث النازية، فكثير من الخبراء والمحللين العسكريين لا يدركون أو يتجاهلون ما عانوا الروس من الهمجية النازية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 27 مليون روسي خلال الحرب العالمية الثانية، من تقريبا 60 مليون قتيل.
هو الشعب الوحيد في أوروبا الذي دفع أكبر ضريبة الدم، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن النازيين الألمان كان يتسمون بحقد وعنصرية مقيتة تجاه جميع الإثنيات السلافية ويعتبرونهم ليس ببشر، على أكثر تقدير نصف بشر، كما حصل مع الأسف في الحدود الأوكرانية والبولندية تجاه بعض الطلبة المغاربة والأفارقة، حيث منعهم حرس الحدود من عبور المدخل الحدودي حتى اضطر سفير المملكة في بولندا أن يتدخل شخصيا، بغض النظر عن بعض السلوكيات المشينة لما هاجم بعض العنصريين البولنديين مطعم تركي الموجود قرب هذا المعبر، وهم يصدحون "لا للمسلمين"، وبالنسبة للرئيس الروسي إقصاء اللغة الروسية ما هي إلا إبادة جماعية لإثنية معينة على حساب إثنية أخرى.
من الواجب أن ندرك أن روسيا، أوكرانيا وبيلاروسيا كانوا ينتمون لدولة سلافية وحيدة في العصور الوسطى، كما كانت مدينة "كييف" مركز أساسي للثقافة، السياسة والاقتصاد للأسرة الحاكمة "الروريكريدية"، وغزو جزيرة القرم سنة 2014 لها طعم ديني محض، حيث تم تعميد الدوق الأكبر "فلاديمير" هناك لما اعتنق "الروس" الديانة المسيحية، لذلك استعان الرئيس بوتين بمقاتلين شيشان سعيا لإعطاء الحرب على أوكرانيا طابعا عقائديا، والمحللون، الخبراء العسكريون الغربيون لم يكلفوا نفسهم عناء النبش في التاريخ الروسي، حتى زعم، تطوّس البعض أن هذه لعبة شطرنج، لعبة الشطرنج لعبة آنية، ليس لها أي وعي تاريخي ولا تمتثل إلى أملاءات الماضي والمستقبل، وفي إطار مثل هذه المآسي من الواجب مسائلة التاريخ وإدراك العمق، لأن حمل السلاح راجع في الأساس لتراكم التجارب المحبطة في الماضي وخيبة الأمل، في حقيقة الأمر: "المـْـرى بغات الطلاق، بغات تكون حـُـرّة، ردّ عليها راجلها: "والله لا عطيتك برييتك"، حسب مدونة الأسرة السابقة.