الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أمين بوشعيب:حزب العدالة والتنمية المعارض يصطفّ إلى جانب الحكومة في مواجهة الشعب

أمين بوشعيب:حزب العدالة والتنمية المعارض يصطفّ إلى جانب الحكومة في مواجهة الشعب أمين بوشعيب
من المعلوم أن المعارضة البنّاءة ضرورة لابدّ منها في الأنظمة السياسية، إذ تُعتبر أحد أهم مرتكزات العملية الديمقراطية، ذلك أنها تقوم بدور النقد والتصويب لأداء الطبقة الحاكمة، وهي رقيب على مدى مشروعية هذه الأخيرة في ممارسة صلاحياتها الدستورية والقانونية، فضلا على أنها تعبير عن التعددية السياسية. وعليه، فالقوى والحركات السياسية التي تتبنّى مبدأ المعارضة، تسعى من خلال ممارسة كافة الوسائل السلمية التي يُتيحها الدستور لتغيير الوضع السياسي إلى الأفضل.
وبمفهوم المخالفة، فإن غياب المعارضة في الأنظمة السياسية يعدّ خللا وفجوة كبيرة وخطيرة، قد يؤدّي إلى نتيجتين خطيرتين، فإما أن تجد السلطة الحاكمة الفراغ فتتغول وتتحول إلى ديكتاتورية وحكم مطلق، أو تكون في مواجهة مباشرة مع الشعب بفعل تفاقم الاحتقان الشعبي، فيحدث الاصطدام مع النظام، وهي نتيجة حتمية وخطيرة نظرا للاندفاع الشعبي العاطفي والعفوي غير المؤطّر، وغياب القدرة على بلورة المطالب الشعبية بصورة ناضجة وقانونية وسياسية وهي المهمة التي تضطلع بها قوى المعارضة في الأنظمة الديمقراطية السليمة والمستقرة.
لكن في الحالة المغربية نجد أن التعريف أعلاه وهو المتفق عليه في قواميس الفكر السياسي الديمقراطي، يختلف كثيرا عن تعريف المعارضة في الواقع السياسي المغربي، ويكاد يكون فريدا من نوعه، وسوف أضرب لذلك مثالا.
وقبل ذلك، لنُلقِ نظرة على المشهد السياسي بعد الانتخابات الأخيرة، فبعد تشكيل حكومة أخنوش من أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، تم إفراز أحزاب المعارضة الحالية المكونة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية والاشتراكي الموحد وتحالف اليسار الفيدرالي والحركة الشعبية، وأما الاتحاد الدستوري فقد اختار المنزلة بين المنزلتين، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. يا للعجب!
حينها تساءل المهتمون بالشأن العام عن مدى قدرة هذه الأحزاب القيام بدورها المنوط لها في الدستور المغربي الذي ينصّ في الفصل الـستين أن "المعارضة مكون أساسي في المجلسين (مجلس النواب ومجلس المستشارين) وتشارك في وظيفة التشريع والمراقبة، طبقا لما هو منصوص عليه خاصة في ھذا الباب" ؟
يعتقد المتابعون أن وجود كل من حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة في التحالف الحكومي الذي يقوده التجمع الوطني للأحرار، ستكون نتيجته معارضة هزيلة وضعيفة ولا تحقق المطلوب منها دستوريا وسياسيا. وفي هذا الصدد أكّد أحد الباحثين في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن أيّ تنسيق بين الأحزاب المكونة للمعارضة لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، لأنها خليط غير متجانس، فمنها الأحزاب الإدارية، ومنها الأحزاب ذات التوجه اليساري، ومنها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. ومن المستحيل أن تجتمع على قلب رجل واحد.
في هذه المقالة السريعة أريد أن أركز فقط على حزب العدالة والتنمية العائد إلى صفوف المعارضة بعد أن أمضى عشر سنوات في الحكومة.
بعد خسارته المدوية في الانتخابات التي جرت شهر شتنبر المنصرم، نظم الحزب مؤتمرا استثنائيا في شهر أكتوبر الموالي، تمّ خلاله إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينا عاما، وبهذه المناسبة أصدرت الأمانة العامة للحزب بيانا أعلنت فيه عن دخول مرحلة جديدة من تاريخ الحزب، عنوانها «مواصلة النضال والتضحية من أجل الإصلاح الديمقراطي والدفاع عن حقوق المواطنين الأساسية" حيث أكدت الأمانة العامة أن الموقع الطبيعي للحزب في هذه المرحلة هو «القيام بالمعارضة القوية والبناءة والمسؤولة» التي تسهم في تقوية المؤسسات، والدفاع عن المواطنين، وتحصين الاختيار الديمقراطي، معتبرة أنها «معارضة وطنية مستقلة في اختياراتها، ولا يمكن أن تكون جزءاً من أي أجندات أخرى.
لكن، وقبل أن يجفّ مداد بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ومباشرة بعد اندلاع حرب الأسعار التي اكتوى بها الشعب المغربي، انبرى بنكيران يدافع عن الحكومة ورئيسها، ونسي "المواطنين" حيث أعلن أن الحملة الشعبية التي تطالب برحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تقف وراءها جهات نافذة لم يسمّها، ونفى نفيا قاطعا أن يكون حزبه وراء الحملات القائمة ضد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ولذلك فالموقف السياسي الصائب الذي تبنّاه هو شخصيا وفرضه على حزبه هو “التريث حتى فهم ما يحدث”. وقال إن الدعوة إلى رحيل أخنوش لا يجب أن ينتهي بتغييره بشخص آخر كمولاي حفيظ العلمي، بينما يبقى حزبه في الحكومة دون تغيير، ولكن الحل الأمثل في نظره هو إجراء انتخابات سابقة لأوانها. وكأني به يريد أن يبلغ رسالة مبطّنة إلى من يهمّه الأمر، بأنه هو الرجل المناسب في المكان المناسب.
هذا الموقف الانتهازي الذي عبّر عنه بنكيران تجاه حكومة أخنوش، لقي استهجانا وانتقادات من طرف فئات كثيرة من الشعب المغربي، بل حتى من طرف قيادات في الحزب نفسه، فهذا امحمد الهلالي كتب عدة تدوينات يهاجم فيها اختيارات أمينه العام وموقفه المُتريّث من حكومة عزيز أخنوش. واعتبر أن بنكيران يمارس “السياسة بدون علم وبدون من بوصلة، وهو ما اعتبره من غرائب السياسة. وكذلك فعل عبد العزيز أفتاتي فكتب في تدوينة على حسابه ب “فايسبوك”، يطالب فيها بنكيران “بالوضوح والانحياز للشعب بدل الانحياز للحكومة"
هكذا يفهم بنكيران المعارضة، فهو يرى أن الاصطفاف إلى جانب الحكومة حين تتعرض لحملة شعبية تطالبها بالرحيل، هو الموقف الصائب!
ألم أقل إن تعريف السياسة في الواقع السياسي المغربي يكاد يكون فريدا من نوعه؟
فلاش: قال إدريس الإزمي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية:" إن البلاد والعباد في حاجة إلى العدالة والتنمية" هكذا دون أن يرفّ له جفن. مؤكدا أن تنظيمهم السياسي “لن يتوارى إلا إذا ظهر مشروع إصلاح أفضل منه”. وأضاف الأزمي، الذي كان يتحدث خلال أشغال المجلس الوطني لحزبه، أن البلاد في حاجة إلى العدالة والتنمية، لأنه “يبدو أن البديل المقدم لم يملأ الفراغ لا قولا ولا فعلا، وأن الخطوات الحكومية مخيبة وغير مبشرة وتبعث على القلق”. وهو تناغم واضح مع أمينه العام بنكيران.
غرابة أن يصدر مثل هذا الكلام من هذا الشخص بالذات، فماذا سيجني من المعارضة سوى وجع الرأس، فعندما كان حزبه يحكم كان هذا الأزمي يجمع بين مهمات عديدة؛ فهو عمدة فاس ونائب برلماني كما أنه كان وزيرا مكلفاً بالميزانية في حكومة بنكيران. وكل هذا المهام كان يتقاضى عليها مقابلا ماديا، لأنه يرفض أن يعمل في سبيل الله والوطن كما صرح هو بنفسه في إحدى الجلسات البرلمانية. أضف إلى ذلك الامتيازات المجانية التي تخولها تلك المناصب مثل الإيواء الفندقي والتنقل والبنزين والاشتراك الهاتفي والخدمات الإلكترونية. فلا غرابة إذا، فالأزمي كان مقرّبا جدا من عبد الإله بنكيران، وهو الذي علمه "أصول السنطيحة السياسية" وقديما قيل إذا لم تستحي فقل ما شئت.
 
أمين بوشعيب / إيطاليا