الجمعة 26 إبريل 2024
خارج الحدود

كريم مولاي: محمد بن حليمة الضابط الجزائري على رادار عصابة العسكر

كريم مولاي: محمد بن حليمة الضابط الجزائري على رادار عصابة العسكر كريم مولاي ومحمد بن حليمة
لم يسبق لي أن التقيت الضابط الجزائري المنشق عن النظام محمد بن حليمة، والذي فر من الجزائر أولا لاجئا في إسبانيا قبل أن يحمل حقائبه مرة أخرى لاجئا إلى فرنسا عقب إقدام السلطات الإسبانية على تسليم زميله الضابط المنشق أيضا محمد عبد الله قبل عدة أسابيع، لكنني عرفته من خلال نشاطه وموقفه المعارض ليس فقط للفساد الذي ينخر كيان مؤسسات الدولة في الجزائر فقط، وإنما لكل مظاهر الاستبداد الذي هو كل بلاءات الجزائر.
مثلي لا يحتاج إلى دليل ليؤكد بأن مصير أي معارض من حجم محمد بن حليمة وقبله محمد عبد الله، ممن جاهروا بكشف فساد عصابة الحكم في الجزائر، سيكون مؤلما في حال تمكنت منهم العصابة، ذلك أنني خبرت عن قرب حجم التعذيب والقساوة التي يتعامل بها هذا النظام مع معارضيه، خصوصا من هذا الصنف.. ولكنني أكتب هذا للجهات المسؤولة الآن عن أمن محمد بن حليمة وغيره من المعارضين الجزائريين الذين ضاقت بهم أرض الجزائر بما رحبت فاختاروا المنفى دون أن يقبلوا بالصمت.
لقد جهزت عصابة الحكم لائحة الاتهام لمحمد بن حليمة من خلال ربطه بحركة رشاد المعارضة، واتهمته بتسريب صور عسكرية ووثائق لها من الداخل.. وتصنف حركة رشاد ضمن الحركات الإرهابية، بناء على معطيات يعرف الجميع أنها ملفقة وغير ذات معنى، فقط لأنها أوجعت النظام، وقدمت خطابا سياسيا وحقوقيا مرفوقا بمعطيات ووثائق عن جرائم النظام وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان..
لقد استخدم النظام الحاكم في الجزائر على مدى العقود المنصرمة من عمر الاستقلال ثروات البلاد من النفط والغاز ليس لإعداد بنية تحتية تحفظ أمن واستقرار الجزائر، وإنما في شراء ذمم الخارج مقابل بقائكم في الحكم، وهكذا عجزت الدولة عن إنقاذ أبنائها من الموت احتراقا في الصائفة الماضية، كما فشلت كل مؤسسات البلاد الصحية في توفير الملاذات الآمنة للمصابين بجائحة كورونا، وقبلها في توفير المستشفيات المجهزة لعلاج مختلف الأمراض التي يعاني منها الجزائريون، حتى أنهم اضطروا للعلاج في دول مجاورة..
ولعل النموذج الإسباني مؤخرا الذي أقدم على تسليم محمد عبد الله، إلى السلطات الجزائرية بالضد من كل النداءات التي تلقتها إسبانيا من عائلته أولا ومن المنظمات الحقوقية الدولية، تمثل النموذج الأكثر وضوحا في سياسة الابتزاز التي تعمل بها السلطات المتحكمة في رقاب الجزائريين مع المجتمع الدولي..
أعرف أن في فرنسا منظمات حقوقية ومجتمع مدني يقظ وفاعل، بذل جهدا في الآونة الأخيرة من أجل الإفراج عن محمد بن حليمة الذي اعتقل قبل أسابيع في فرنسا، ولكنني أريد مرة أخرى رفع الصوت عاليا عبر وسائل الإعلام العربية والدولية من أجل الفصل بين علاقاتها مع الأنظمة وصفقاتها المالية، وبين حقوق الإنسان، حيث لا يضحي الغرب بالحريات من أجل المصالح العابرة التي يستطيع تأمينها بعيدا عن التضحية بقيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان.
محمد بن حليمة، كغيره من طيور الجزائر المهاجرة، ليس إلا صوتا من الأصوات المنادية بوضع حد للفساد والاستبداد، ولم يثبت أنه مارس عنفا أو خالف قوانين اللجوء، التي وُجدت لتحمي الإنسان من بطش المستبدين.. أقول هذا للتاريخ أولا، ووفاء لمبدأ الانحياز للحرية الذي اخترته عن طيب خاطر، وأدفع ثمنه غاليا منذ عدة أعوام..
ربما يظن أنصار موت الأصوات الحرة، أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا وغلبة منطق القوة الذي تقوم عليه سياسات موسكو، عاملا مساعدا لحلفائها في المنطقة، ومنهم النظام الجزائري، بأن المقبل من الأيام سيكون في صالحهم، وهو أمر بالتأكيد خاطئ، فالقوة التي لا تضع في حسبانها مصالح الشعوب التي تعبر عنها، غالبا ما تتحول إلى أدوات انتحار ذاتي، وهذا ما يقوم به قادة النظام الجزائري في مواجهتهم لمطالب شعبهم في الحرية والكرامة..
 
كريم مولاي، خبيرأمني جزائري/لندن