الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله بوشطارت: الأمازيغية داخل المؤسسات.. الواقع المخيف

عبد الله بوشطارت: الأمازيغية داخل المؤسسات.. الواقع المخيف عبد الله بوشطارت
 لنتصور لغة رسمية في الدستور، ولغة وطنية وشعبية تعتبر الأقدم في المغرب، وهي الوعاء الحقيقي الذي يحفظ لنا هوية البلد، وهي الكنز الذي تتبلور فيه المعارف على حد قول المؤرخ الأمازيغي "صدقي علي أزايكو"، وهي كذلك، فلا نجد لها الأثر داخل المؤسسات، لا هيكلة لا إدارة ولا استراتيجية، رغم وجود خطاب ملكي تاريخي منذ سنة 2001 تصالحت بموجبه الدولة مع اللغة والهوية الأمازيغيتين، وأثمر معهدا ملكيا للثقافة الأمازيغية في أكتوبر 2001، وتوالت مبادرات أخرى، في سياق النهوض بالأمازيغية، أو هكذا بدا لنا، لاسيما ادماج الامازيغية في منظومة التربية والتكوين سنة 2003، التي قامت بتصحيح الوضع الشاذ الذي رسخه الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1998، وتجاوزت أفق البرنامج الحكومي للوزير الأول عبدالرحمان اليوسفي الذي خندق الامازيغية في اطار "لغة الاستئناس".
 
اليوم بعد مرور حوالي 10 سنوات عن ترسيم اللغة الامازيغية في دستور سنة 2011، وانقضاء ولايتين حكومتين، وبدأنا في حكومة ثالثة، والتي يظهر أنها هشة وضعيفة سياسيا واجتماعيا، وتتشكل من تحالف ثلاثي لا تتوفر فيه شروط التحالف والاتفاق والانسجام، لا تزال الامازيغية تعاني من الهامشية وبعيدة عن المأسسة، مقابل الافراط في استهلاكها سياسيا وانتخابيا من طرف الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة، فقد بنى كل شعاراته الانتخابية والسياسية على خطاب الامازيغية وتسبب نزيفا داخليا للحركة الامازيغية، لكن النتيجة هي أن الأمازيغية ظلت خارج أسوار الإدارة العمومية وبعيدة كل البعد عن المأسسة التي أصبح البعض يتحدث عنها صباح مساء، في الأقاليم والجهات.

لنأخذ على سبيل النموذج وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلال هذا الموسم، طلبت ما يعادل 400 منصب لتدريس الأمازيغية، وانتهى بها الامر لقبول 385 أستاذ واستاذة، دون تقديم شروحات مقنعة عن مصير 15 منصب، وإذا وزعنا 385 على 12 جهة سنحصل على 32 أستاذ لتدريس الامازيغية في كل جهة. ونأخذ مثلا جهة الدار البيضاء سطات فيها عمالتان و7 أقاليم، يعني في المجموع 9، وإذا وزعنا 32 أستاذ على 9 أقاليم، سيحصل كل إقليم على ثلاثة أساتذة فقط لتدريس الأمازيغية، ولكم أن تعدوا كم من مدرسة تتواجد في كل إقليم، فعمالة الدار البيضاء التي يقطن بها ملايين السكان، يتحصل على ثلاثة أساتذة فقط، اما جهة سوس على سبيل المثال التي تتوزع على 6 أقاليم فإن كل إقليم سيحصل تقريبا على 5 أساتذة لتدريس الامازيغية، ونتصور إقليم تارودانت الذي يضم ما يناهز 89 جماعة ترابية، حصل على خمسة أساتذة، كيف سيتم توزيعهم، ونفترض جدلا أن كل جماعة حصلت على أستاذ واحد، يعني ستبقى 84 جماعة في إقليم تارودانت بدون أستاذ الأمازيغية، مع العلم أن أستاذ واحد لا يكفي مدرسة واحدة وما بلك بالجماعة والاقليم والجهة. هذا فقط تمرين بسيط في عملية القسمة لعدد المناصب التي خصصتها حكومة اخنوش لتدريس الامازيغية في المغرب، ليتضح أن الامازيغية تعاني من تهميش كبير وفظيع جدا داخل المدرسة المغربية، هذا وأن مسلسل ادماج الامازيغية في منظومة التربية والتكوين بدأ في المغرب منذ 2003 يعني ما يقارب 20 سنة ولازال يتراوح مكانه، محصور في المستوى الابتدائي فقد، دون الرقي به إلى الاعدادي والثانوي، مما يعني أن التلاميذ الذين تمكنوا من تعلم الامازيغية في مستوى من مستويات التعليم الابتدائي وليس كلها، فما أن ينتقل إلى الاعدادي فإنه سينسى كل شيء لأنه لن يتمكن من رؤية حروف تيفناغ مجددا في القسم، وما بالك أن يتعلمها، لذلك، فيصعب الحديث عن وجود التخصص  في تدريس اللغة الامازيغية مادام انها لا تدرس في جميع المستويات. 

هذا في جانب، أما فيما يخص الهيكلة الإدارية للامازيغية أو ما يسمي بالمأسسة، فلا وجود لها داخل الادارة العمومية المغربية، فوزارة التربية والتعليم والرياضة، تدرس الامازيغية في بعض المدارس، صحيح، لكنها لا توجد إدارة مركزية داخل الوزارة تتابع الملف، ولا توجد على مستوى الاكاديميات الجهوية، على حد علمي. فحينما نطالع المديريات المركزية والمصالح المركزية للوزارة فلا نجد أي أثر لهيكلة إدارية خاصة بالامازيغية. فتدريس الأمازيغية التي عانت من الاقصاء والاقبار، مسألة ليست بالهينة فهي قضية تستوجب شروط وإمكانيات وتكوين وموظفين ومفتشين وأطر وبرامج وغيرها، فلا يمكن مقارنتها مع تدريس لغات أخرى. فيما سبق كانت، كانت هناك خلية مركزية  داخل الوزارة مكلفة بتدريس الامازيغية، لكن بعد توالي الوزراء اختفت الخلية بمغادرة الإطار/ الموظف الذي قام بتأسيسها. 
 
اما على المستوى الجامعي فمعدودة الكليات التي تتواجد فيها تخصصات وشعبة الدراسات الامازيغية، فهي مرتبطة ببعض نضالات وتضحيات الأساتذة الجامعيين الذين أسسوها وناضلوا من أجل استمراريتها، فلا توجد رؤية واضحة وممتدة لترسيخ الدراسات الامازيغية في الجامعات المغربية، يعني يصعب الحديث عن مأسسة حقيقية للأمازيغية داخل الجامعة. فقد لاحظنا بعد تقاعس الحكومة في خلق مناصب شغل لتوظيف خريجي شعبة الدراسات الامازيغية في التعليم، تراجع عدد المسجلين في شعبة الدراسات الامازيغية بشكل كبير جدا. فالحكومة حينما لاحظت الاقبال على التسجيل في شعبة الدراسات الامازيغية قللت من مناصب الشغل أمام حاملي الاجازة فيها، وأيضا حين استقصت الوزارة مدى تقبل التلاميذ لحرف تفيناغ وتعلم اللغة الامازيغية في كثير من المدارس، ارتأت عدم تعميمها والتباطؤ في سيرورتها. لأن المشكل سياسي وايديولوجي بالدرجة الأولى. 
 
كل ما تحدثنا عنه الآن فهو مرتبط بالتعليم، الذي بدأ في مرحلة ما قبل دستور 2011، فلم نلاحظ أي تقدم بعد الدسترة في هذا السياق، بالعكس، فقد تابعنا قبل أيام وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى يخاطب في جموع محسوبة نظريا على الحركة الامازيغية داخل حزبه الجديد الأحرار بمدينة الناظور، يرمي عليهم بأرقام تعجيزية لتعميم تدريس الامازيغية، دون أن يتحدث عن كيفية تجاوز الأزمة البنيوية التي تعاني منها الامازيغية في المدرسة المغربية، فهي تعاني من مشاكل كثيرة وعويصة، دون أن يتحدث، أيضا، عن استراتيجيته في ما يسمى بالتعليم الأولي، ماذا سيتم تلقينه للأطفال قبل مرحلة التمدرس، أليس هذا النمط الجديد الذي تبشر به الوزارة، استراتيجية جديدة وأخيرة للقضاء نهائيا على اللغة الأم للأطفال وتعربيهم قبل الولوج إلى المدرسة في التعليم الابتدائي ؟ كما أن التعليم الخصوصي تنعدم فيه اللغة الامازيغية بشكل عام، فالدولة تفرض على المدارس الحرة والخاصة اللغة العربية، لكن لا تفرض عليهم اللغة الامازيغية التي هي أيضا لغة رسمية للدولة، فهناك تمييز  واضح في هذا الاطار، فتوجد العديد من الأسر لا ترغب تدريس اللغة العربية لأبنائها في المدارس الخاصة لكن الدولة تفرضها عليها، وتؤدي الأسر مصاريف ذلك. لأن الدولة تحمي ايديولوجيتها المؤسسة على العروبة وتصرف ميزانيات طائلة على التعريب.
 
اما على مستوى الإعلام، فمنذ تأسيس قناة تامزيغت سنة 2010 أي سنة واحدة قبل ترسيم الدستور، فلم يتحقق أي تقدم في مسلسل ادماج الامازيغية في الوسائل الإعلام العمومية والشبه العمومية والخاصة، سواء فيما يخص الإذاعات أو القنوات التلفزية. فالقناة الامازيغية الوحيدة الموجودة توقفت في وثيرة بثها عند ست ساعات في اليوم مع احترام تام لنسبة 30% بالنسبة للغة العربية، على عكس القنوات الأخرى التي لم تحترم نسبة 30% من الامازيغية في شبكة برامجها. فما جاءت به حكومة ابن كيران ودفاتر تحملات الوزير "الخلفي" بضرورة الرفع من ساعات البث لقناة تامزيغت، توقف في حينه وبقي حبرا على الورق، لأن الحكومة لم تقم بتوقيع اتفاق "عقد البرنامج"، ولم تخصص الميزانية الكافية لجعل مدة بث القناة الأمازيغية 24 ساعة. وذلك ما نهجته حكومة العثماني، ويبدو ان حكومة اخنوش ستسلك نفس المسار، مادامت الإرادة السياسية غير متوفرة. فطلت قناة تامزيغت وحيدة ضمن 8 قنوات تلفزية وطنية وقناة تلفزية واحدة جهوية، لا توجد فيها الأمازيغية. منها ستة قنوات لا تبث برامج أو اخبار ناطقة بالامازيغية بالمطلق. 
 
وفي ظل تصفية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتذويبه في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية حسب ما جاء القانون التنظيمي 16/ 04، فإن المؤسسة الوحيدة التي بقيت للامازيغية هي قناة تامزيغت، وهي عبارة عن مديرية مركزية، فلا توجد مؤسسة أخرى معنية بالامازيغية، فاللجنة الوزارية التي خلقها رئيس الحكومة السابق الدكتور العثماني، فهي مجرد لجنة تابعة لرئاسة الحكومة، تقوم بعقد اجتماع واحد أو اثنين في السنة بين الوزراء، وبحضور عميد المعهد للحديث عن الامازيغية، فهي ليست مؤسسة قائمة الذات. أما في باقي القطاعات والمؤسسات الدستورية المختلفة، فلا وجود لمؤسسات فعلية تعنى بالامازيغية. كالبرلمان بغرفتيه، والقطاعات الحكومية المختلفة التي من المفروض أن تخلق مديريات مركزية وجهوية لإدماج الأمازيغية. 
 
بهكذا تكون الأمازيغية لغة الخبز والوظيفة ولغة الإدارة ولغة السياسة والاقتصاد والثقافة، لأن ما تصرفه الحكومة والدولة على العربية والفرنسية يفوق بكثير ما تصرفه على الامازيغية، فلا معنى للمقارنة أصلا بين اللغتين الرسميتين في الدستور، فالعربية موجودة في كل مكان وتحظى برعاية خاصة توجد في المدرسة كلغة اجبارية على جميع أبناء المغاربة وفي الاعلام وفي جميع الإدارات، بالرغم من أنها لا يتحدث بها أحد في البيت والشارع وفي الفضاءات العامة الأخرى. فالمغاربة يتحدثون بالأمازيغية والدارجة، ولكن الدولة تصرف على اللغة الفصحى الملايير في كل يوم وكل سنة منذ الاستقلال. 

فالكلام عن مأسسة الأمازيغية يبقى شعار سياسي مبهر، أمام واقع عنيد تعيش فيه الأمازيغية لغة وثقافة في هامش الهامش. الحكومة تنقصها إرادة فعلية حقيقة لمأسسة الأمازيغية، وليست في حاجة لماركوتنيغ سياسي يستنسخ ثقافة المقاولة بإطلاق أرقام وصناديق مليئة بالنقود، كما نراه في المراكز التجارية الكبرى لإغراء الزبائن  وجلب انتباههم.