الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

باعلي الصغير: نقطة ضعف "المغرب الأخضر" أنه لم يعتمد المقاربة المجالية للمنظومات الإنتاجية

باعلي الصغير: نقطة ضعف "المغرب الأخضر" أنه لم يعتمد المقاربة المجالية للمنظومات الإنتاجية المهندس با علي الصغير
مع القلق المتزايد الذي ينتاب الجميع على إثر شح التساقطات المطرية، وتهديد الجفاف الذي بات يخيم على المغرب هذه السنة، بدأ يطرح السؤال العريض اليوم حول ماذا جناه المغرب من "المخطط الأخضر"، الذي تبناه عزيز اخنوش رئيس الحكومة منذ أن كان وزيرا الفلاحة لعدة سنوات. 
"أنفاس بريس"، تنشر الجزء الأول من الحوار مع بعلي الصغير، مهندس دولة ومختص في المجال الزراعي الاقتصاد الفلاحي القروي ورئيس جمعية الماء والطاقة للجميع، حول حصيلة "مخطط المغرب الأخضر": 

 
ماهو تقييمك لبرنامج المغرب الأخضر؟
يمكن القول كملاحظة أولى إن عزيز أخنوش منذ 2008 وهو وزير للفلاحة إلى حدود 2021، وقد قضى معه صديقي وزير الفلاحة الحالي مدة طويلة ككاتب عام، وبالتالي فهذا الأخير له إلمام ومعرفة بسياسة القطاع، وهذا ما  يعني أن الاستقرار ضروري لبلورة االاستراتيجيات الوطنية، ومنها استراتيجية  الفلاحة، خاصة على مستوى التنزيل. إذن، نحن أمام تصور أخذ وقته الكافي للاستمرارية وإظهار الإمكانات. وبخصوص مخطط المغرب الأخضر كاستراتيجية فهي كاتت مهمة للبلاد وأعطت نتائج إيجابية بالنسبة للقطاع، ولكنها كجميع  الاستراتيجيات لها نواقص. وللأسف لم يتم تداركها خلال العشر سنوات الأخيرة رغم علم الوزارة بها. وقد اعتمد مخطط المغرب الأخضر على مقاربة السلاسل ودعامتين أساسيتين، الدعامة الأولى مرتبطة بالفلاحة ذات القيمة المضافة العالية، والثانية هي الفلاحة التضامنية. أما الأولى فتتطلب استثمارات كبيرة وهي موجهة للضيعات المتوسطة والكبيرة، كما يلعب فيها الجانب التقني والتكنولوجي دورا كبيرا في تدبير المنظومات الإنتاجية على اعتبار أن جزءا كبيرا من هذه الدعامة الفلاحية موجه للتصدير بحكم إتتاجها لمنتوجات ذات جودة عالية وتستجيب لدفاتر التحملات للدول الأوروبية التي تحرص على هذه الجودة وغيرها من الشروط التقنية.  

وهذا الجانب الأول الإيجابي للاستراتيجية، الذي أعطى قفزة نوعية على مستوى الإنتاجية التي ارتفعت بشكل كبير وخاصة بالنسبة للخضروات والفواكه وإنتاج الحليب واللحوم والسكر، وهي منتوجات تمكن المغرب  بفضلها من تحقيق الإكتفاء الذاتى. وبالنسبة للحبوب  سجل من 67 الى 70% وبالنسبة للسكر وصل إلى 45  و50%، وفيما يتعلق  بالخضروات والفواكه  واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض 100% والحليب  ومشتقاته 99%. ويكفي أن نقارن الوضعية  مع تلك التي بالدول المجاورة كالجزائر مثلا  والتي يفتقد فيها حتى الحليب!!.

وهذه النتائج راجعة بطبيعة الحال في جزء كبير منها إلى الفلاحة المتطورة التي تتطلب استثمارات كبيرة، لأن جزءا كبيرا منها موجه للتصدير، وفي هذا الإطار يمكن القول إن حجم  صادرات المغرب بين المنتوجات الفلاحية والمنتوجات البحرية، سواء منها الخام أم المحولة في سنة 2010، بلغ إلى حدود 18 مليار درهم. اما في سنتي 2020 و2021، فإن حجم الصادرات لامس مستوى 40 مليار درهم. أما واردات  المغرب من حيث الحبوب والقطاني فتتراوح بين 10 و12 مليار درهم، لنخلص إلى أن الفلاحة ذات الدعامة الأولى (الأحواض والزراعات المسقية) حققت نتائج إيجابية من حيث التصدير، كما ساهمت بشكل كبير في الاكتفاء الذاتي، إلى جانب الفلاحة التضامنية والمعاشية.
 
أين تكمن الاختلالات إذن  في هذا البرنامج؟
"إذا أمكن تسجيل قفزة نوعية من الجانب التكنولوجي والتقنيات المعتمدة في استراتيجية المغرب الأخضر، فهنالك جانب آخر من السلبيات او الاختلالات. ويمكن تحديدها في نقطتين: النقطة الأولى أن الاستراتيجية تعتمد على مفهوم السلاسل وعلى 
دعامتين: الفلاحة ذات القيمة العالية والفلاحة التضامنية كما أشرت إلى ذلك سابقا. فما الذي تم تجاهله في هذه التستراتيجية؟ أعتقد أنه تم تجاهل البعد المجالي ومدى ارتباطه بعناصر أخرى أساسية، والتي إذا لم تؤخد بعين الإعتبار سيؤثر ذلك بشكل كبير على مستقبل البلاد على المستوى المائي. وكنا دائما في "جمعية الماء والطاقة للجميع" نقول إن المنظومات الإنتاجية في الميدان الفلاحي يجب أن تكون متأقلمة مع المجال، بمعنى أن تحترم هذه المنظومات الإمكانيات الطبيعية للمجال من حيث  توفر الماء والأراضي الخصبة ومن حماية التربة من الانجراف وحماية المياه الجوفية من التلوث. إذن هذه المنظومات يجب أن تاخذ بعين الإعتبار المؤهلات والإكراهات الخاصة بالمجال. وهذه هي نقطة الضعف الملاحظة على استراتيجية مخطط المغرب الأخضر، لأنها لم تعتمد المقاربة المجالية للمنظومات الإنتاجية. ففي سنة 1990 عندما وضع المغرب مخطط التقويم الهيكلي، أصبحت الفلاحة تتمتع بحرية الإنتاج، ومن قبل كانت تفرض الدولة على الفلاح في الأحواض المسقية من أجل التزود بماء السقي هكتارا للفصة وهكتارا للشمندر وآخر للحبوب...إلخ، وكان المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي هو الذي يفرض المنظومة الإنتاجية لكل منطقة للاستفادة من الماء، ولكن منذ 1990 بعد التقويم الهيكلي أصبحت المبادرة الحرة في الإنتاج واردة. وبالتالي فمع احترام هذا المبدأ يجب احترام كذلك مؤهلات المجال، كيف ذلك؟عندما  تم وضع خرائط محددة لمؤهلات المجال مثلا الشاوية معروفة بانها خزان الحبوب بالنسبة للمغرب ومعنى ذلك هناك منتجين وفلاحين كبار  في مستوى عال في  زراعة الحبوب بهذا المجال الجغرافي، ويجب ان يجروا معهم الفلاحين الصغار والمتوسطين سواء من ناحية التكنولوجيا أو التنظيم. وبالتالي فالمنطقة مجاليا  مختصة في إنتاج  الحبوب، وبالتالي من يستثمر في هذا  النوع من الإنتاج الفلاحي يستفيد من الدعم الذي يتماشى مع زراعة الحبوب، وبنفس المنطقة من أختار زراعة أخرى فهو حر في ذلك،  ولكن لن يستفيد من الدعم وفقا لقاعدة التخصص المجالي التي أوضحت. ونفس الشيء يمكن إسقاطه على مناطق أخرى تتميز بزراعات  خاصة  تنسجم مع المردودية والإنتاجية حسب المؤهلات الطبيعية  للمجال  وموارده المائية وخصوبة الأرض والمناخ، فلا يمكن أن نحول مجالا خاصا بالنباتات الرعوية كالمنطقة الشرقية إلى منطقة زراعية. لهذا أؤكد على أن  من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت  هي عدم دمج البعد المجالي،لانه لو تم هذا الدمج  بالإضافة إلى بعد السلاسل سيكون ذلك سواء بالنسبة الدعامة الأولى أو الثانية  بمثابة  الشروط  المطلوبة  للحصول على الدعم المادي الذي  تمنحه الدولة للعديد من الزراعات والمنتجات الحيوانية والنباتية  والذي يتوافق مع السياسة العمومية في مجال الفلاحة، كما أن التنمية الفلاحية يجب أن تكون لها آثارا على التنمية القروية وآثارا على توزيع الثروة. وهكذا يتبين أنه إذا كانت لمخطط المغرب الأخضر إيجابيات كثيرة لا يمكن إنكارها، فإنه يجب مع ذلك التشديد على ضمان توازن بين حماية الموارد المائية، وبين الحاجة إلى العملة ومبادلات  خارجية مربحة.