الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

عبد الإله الجوهري: با إدريس.. ها نحن قادمون نحو مخبئك السماوي السري

عبد الإله الجوهري: با إدريس.. ها نحن قادمون نحو مخبئك السماوي السري عبد الإله الجوهري (يسارا) والراحل إدريس الخوري

 لا أعتقد أن بادريس الخوري مات، أي ودع الحياة، بكل هذه السهولة، أنا متأكد أنها مجرد إشاعة من الإشاعات البلهاء التي تنشرها المواقع والجرائد الصفراء طلبا للربح، بدفع الآلاف من عشاق كتابات هذا الكاتب الاستثنائي لكي ينغمسوا في فعل البحث عن مصداقية الخبر، الخبر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون صحيحا، لأنني أعرفه، كما يعرفه الجميع، رجل متشبث بكنه الحياة وسر الوجود، اديب ساخر، دائما وأبدا، من شيء اسمه الموت، رافض أن يعترف بمعاني الزوال والفناء، بل فنيق ينهض كل مرة متحديا مصاعب الحياة، وزلات السقوط والكسور في الحمامات، والممرات المعتمة، ومداخل الحانات الحقيرة التي يرتادها لاصطياد نماذج بشرية، ومواقف سوريالية مفارقة للواقع تصلح للكتابة واستثمارها في نصوص خالدة.

 

أعتقد، وهذا أمر أكيد، أن با دريس الخوري تعب من ملاقاتنا ومجالستنا، فقرر أن يتوارى عنا بضعة أيام أو شهور أو أعوام، ويصفو لنفسه، بحثا عن راحة نفسية بعيدا عن ضجيج النادي، وبعض الناس "الحقراء"، الذين لم يكن يتحمل وزر كلامهم وضجيجهم وادعاءاتهم الكاذبة.

 

أكيد، ما في ذلك شك، أن با إدريس جالس الآن في مكان غير بعيد، يراقبنا ونحن نتبادل التعازي في ما بيننا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفجة، يضحك ملء شدقيه على إيماننا الغارق في السذاجة حد البلاهة، مدخنا سيجارته المحببة "كازا سبور"، شاربا كأسا "نقيا" من قنينة "بولبادر"، منتظرا أن نتوقف عن بلاهتنا المشتركة، بترديد عبارات الحزن والمواساة التي لا تسع كلها مجتمعة، ولو أقصوصة واحدة من قصصه العجيبة، التي كتبها في أماكن شتى وأزمنة متفرقة، وهو يعب عبا من فيض المعرفة الربانية، التي جعلته دائما متميزا تميزا خلاقا عنا جميعا، بامتلاكه بديهة سريعة تحرج اكثرنا كلاما وتنكيتا، وتخرس ألسنة انصاف الصحفيين والكتبة وشعراء الموائد المستديرة التي تنصب في خيام الظل والضلالة التي لا تعرف آلهة الشعر لها أصلا أو فصلا غير "فريع الكر" بعد بضعة كؤوس "مدرحة".

 

"من انت أيها المدعي؟"، هكذا يواجه كل من لم ينسجم مع مزاجه الدائم الخسران، أو يقاطعه في الكلام لحظة الجلسة المنغمة المنفلتة من عقال الزمن، أو يقحم نفسه في حوار أكبر من معرفته الفجة، الشيء الذي يدفعه لكي يزيل قناع المحبة، ويلبس قناع المواجهة الحقة البعيدة عن أي مجاملة، ويبادره بالجملة "الحكيمة" الشهيرة: "نوض سير تقود"...

 

اختبئ حيث ما شئت يا خوري الزمن الجميل، نعدك أننا سنجدك هناك حيث تختبئ عنا، ونعدك أننا سنعاود مجالستك والاستمتاع برفقتك الماتعة، رغم جهالتك في وجهنا، وشتمك لنا. لن يضيرنا أن تطردنا من جلساتك بأقبح وأفحش الكلام، لأننا نحبك ونحب قفشاتك الجميلة الممتعة، ونهيم عشقا في درر حكمك المتفردة.

 

انتظرنا يا با إدريس، ها نحن قادمون نحو مخبئك السماوي السري، مهما طال الزمن واعتقدت واهما أنك سترتاح من وجوهنا المكفهرة "المقودة" إلى الأبد، لأننا نحترم فيك حب الحياة، والإنصات لنبض الخلود...

 

با إدريس، لا يسعنا إلا أن نخرج، نحن كحل الراس، بخلاصة من خلاصاتك العجيبة: "يعيا بنادم يشوف يشوف، وفي الأخير يشرب الشراب، لعله ينسى رحيل أعز الأحباب"...

 

عبد الإله الجوهري/ مخرج وناقد سينمائي