الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

ميناء الداخلة الأطلسي وصيانة حدود المغرب.. نحو تكتل إفريقي أطلسي للتعاون التجاري

ميناء الداخلة الأطلسي وصيانة حدود المغرب.. نحو تكتل إفريقي أطلسي للتعاون التجاري لوحة خاصة بورش بناء ميناء الداخلة الأطلسي مع صورتي ماكيط الميناء ومعبر الكركرات

تواصل الدولة المغربية تعبئتها السياسية واستنفارها القانوني للدفاع المشروع عن حق المغاربة التاريخي في صيانة حدوده الوطنية ودرء الأخطار المحدقة به، ولا يبدو أن إيقاع هذا الزخم اليَقِظ سينقص أو ستخف فاعليته طالما تستمر الجزائر في الحشد والتأليب ضد القضية الوطنية بكل ما أوتيت من جهد ومكر وافتراء.

 

وأكيد أن الاحتراز المغربي من كيد السلطة في الجوار لا يجعله، دوماً، في موقف المدافع المتربص، بل يوازي ذلك انخراط شامل في أوراش التنمية والتأهيل لجميع مناحي الحياة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي توجهات استراتيجية تحرص على توفير ظروف أفضل للعيش وتسخير جميع الإمكانيات لازدهار جهات الصحراء المغربية على غرار مختلف جهات المغرب.

 

ومعلوم أن مساحة الصحراء المغربية تتعدى 250 ألف كلومتر مربع، مُتضمنة تشكيلة من السهول والهضاب تنتظم في منحى تضاريسي مستدام يعززه سهل ساحلي يمتد على طول مئات الكيلومترات، هو شريط بحري واعد يزخر بمؤهلات جديرة بالاستثمار والاستغلال، الأمر الذي تفطنت له السلطات المركزية والجهوية في سعيها الدؤوب لتحقيق نهضة أفقية تلامس جميع الميادين.

 

في هذا السياق، يعتبر ميناء الداخلة على الساحل الأطلسي منارةً لتدشين مسارات جديدة نحو الجنوب والشمال، لما يمثله من ثقل جغرافي محوري وملتقى بحري وممر تجاري ستستفيد منه الأقاليم الصحراوية للمملكة ومن خلالها البلدان الإفريقية وباقي الشركاء، وقد شدد الملك في خطابه بمناسبة الذكري 45 للمسيرة الخضراء على أهمية هذا المشروع الرائد بقوله" ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي... فإضافة إلى ميناء طنجة -المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في تعزيز هذا التوجه".

 

ومما لا شك فيه أن ميناء الداخلة الأطلسي، زيادة على وظيفته المرتقبة في دعم التنمية بجهة الداخلة واد الذهب وباقي الجهات الأخرى، فإنه، كما قال جلالة الملك، يُرجى أن يشكل جسراً وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، ولعل هذا الترابط هو المحطة التواصلية التي ينبغي ترسيخها أكثر في علاقات المغرب مع شركائه في القارة الإفريقية، خصوصاً عبر البلدان الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي.

 

فالمغرب، وبعد انضمامه إلى تجمع دول الساحل والصحراء في فبراير 2001، صار يعتبر القطب الشمالي للتجمع ودولة عضو لها شريط ممتد على المحيط الأطلسي إضافة إلى الدول الأعضاء الأخرى المطلة على المحيط الأطلسي، كما سعى أيضاً إلى بناء شراكة مؤسسية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو) عبر إبدائه الرغبة في الانضمام إليها سنة 2017، إلا أن توجُّسات بعض دول المجموعة من التأثير المغربي المحتمل على اقتصاداتها وإمكانية منافسته لها وبالتالي تصدره المشهد الاقتصادي باسم المجموعة، جعلها تحتاط في تقبُّل الرغبة المغربية وتتردد في قبول خطوته.

 

وسواء لا يزال الطلب المغربي مودعاً لدى المجموعة أو تم سحبه أو إهمالُه كما تفيد بعض التقارير، فإن حركية التفاعل المغربي مع محيطه الإفريقي لم تتوقف ولن تحُدَّه نوازع العدَم ومعاول الهدم لدى بعض الأطراف التي يلفتُ انتباهَها حضورٌ مغربي في عديد البقاع الإفريقية والدولية، وهو ما لا تستسيغه فتعمل وتستثمر وتوظف لمحاصرة كل ما هو مغربي.

 

بناء على ما سبق، وتنويعاً لقنوات الاتصال والتواصل مع الشركاء الإقليميين في القارة الإفريقية، ميناء الداخلة الأطلسي من شأنه أن يؤسس لمسار ترابطي وتبادلي مع عدد من البلدان الإفريقية الأطلسية التواقة إلى الانفتاح والتنمية والرواج التجاري عبر منافذها البحرية.

 

فالدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وغير البعيدة عن الحدود البحرية للمغرب مثل، موريتانيا، السينغال، غينيا، غينيا بيساو وغامبيا وسيراليون وليبيريا وساحل العاج وغانا والتوغو وبنين ونيجيريا، ممكن أن تُشكل وِجْهات استقبال وعبور وانطلاق للمبادلات التجارية مع المغرب وعبر هذه الدول نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية، وهي أصلاً دول أعضاء بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، باستثناء النيجر ومالي وبوركينافاسو، ويمكن أن تنضم إليها الكاميرون وغينيا الاستوائية والغابون والكونغو وأنغولا وناميبيا.

 

فميناء الداخلة "الصحراوي" المغربي مؤهلٌ لأن ينبثق عن آفاقه وأدواره وأنشطته كيانٌ غرب إفريقي أطلسي تحت مسمى "التكتل الافريقي الأطلسي للتعاون التجاري" تكون غايته الأولى تنمية المبادلات التجارية بين هذه الدول وتنشيط أسواقها الاقتصادية وتوسيع المنافع وتعميم المكتسبات نحو العمق الإفريقي بما يحقق الرهان الأكبر الذي تصبو إليه شعوب القارة المتمثل في الإقلاع الاقتصادي والتنمية الشاملة وتحقيق التطلعات.

 

وكمرحلة تمهيدية، لما لا أن يتحد المغرب، بداية، مع دول تجمعه معه علاقات قوية وأواصر تاريخية وتفاهمات متينة ولا تشوب مواقفَها تجاه وحدتنا الترابية أي شائبة ولا يسجل التاريخ عليها أي اهتزاز أو تذبذب أو مناورة بخصوص مغربية الصحراء، لتأسيس هذا التكتل الاقتصادي ذي البعد التجاري الصرف، بعيداً عن أن يكون بديلاً مطروحا لاتحادات أو تجمعات إقليمية منخرط فيها المغرب، وإن كانت عليها الكثير من المؤاخذات، وذلك لضمان انطلاقة موثوقة لهذا التكتل الافريقي الأطلسي للتعاون التجاري وإكسابه حزام المسؤولية والالتزام بإنجاز وإعمال الغايات المشتركة، على أن تنضم إليه تباعاً الدول الراغبة في ذلك والطامحة إلى الاستفادة وتقاسم المزايا المنتظرة.

 

إن المعبر الحدودي البري " الكركرات" الذي يربط المملكة المغربية بالجارة الشقيقة موريتانيا، بالتأكيد، هو لبنة أساسية في التعاون الثنائي وفي التعاون جنوب جنوب، وسيظل جسرا برياً للحركة التجارية الجهوية، وسيمثل، مع الميناء الجديد، منصتين واعدتين سيخلقان في الصحراء المغربية نهضة تجارية واقتصادية ستعكس الطموح الرامي إلى إنجاز نموذج تنموي مُنتج بالأقاليم الجنوبية...