الجمعة 19 إبريل 2024
رياضة

حركات: الحاجة إلى ترشيد النفقات العمومية في كرة القدم المغربية

حركات: الحاجة إلى ترشيد النفقات العمومية في كرة القدم المغربية محمد حركات

أكد محمد حركات، أستاذ الاقتصاد السياسي والحكامة، بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن النصر في الرياضة يلعب دورا سيكولوجيا كبير في تعبئة الناس لمواجهة كل التحديات والصدمات واكتساب الثقة في النفس. مضيفا أن "ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم تعادل ميزانية جميع اتحادات الكرة في إفريقيا المتأهلة لثمن كأس إفريقيا للأمم"...

 

+ اشتغلت عدة سنوات على الدبلوماسية الاقتصادية بإفريقيا، ونشرت عام 2020 كتابا بالفرنسية بعنوان "الدبلوماسية الاقتصادية الجديدة بإفريقيا: البراديغمات والنماذج"، فضلا عن اهتمامك بالحكامة الاستراتيجية وإسهاماتها في تجويد نجاعة أداء المنظمات؛ ما هو في رأيك في الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدبلوماسية الرياضية المغربية في عمقها الإفريقي والعربي والدولي؟

- مما لاشك فيه أن الرياضة تعد اليوم قوة جيوسياسية ودبلوماسية بامتياز، ذات حمولة وقوة ناعمة كبرى تتصارع كل الدول والبلدان في تطويرها واكتسابها عبر ربح رهاناتها السياسية والإشعاعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية بشكل عام، لاسيما فيما يتعلق بدورها (الرياضة) في نشر قيم الانتماء للوطن والدفاع عن رايته والاعتزاز بانتصاراته في كل المجالات، ولكن غير بعيد عن امتلاك قطاعات استراتيجية أخرى، مثل اقتصاد المعرفة والإبداع والتكنولوجيا وبناء الإنسان وتكريس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فكرا وممارسة.

والنصر في الرياضة يلعب دورا سيكولوجيا كبير في تعبئة الناس لمواجهة كل التحديات والصدمات واكتساب الثقة في النفس، والدليل على ذلك ما نلمسه اليوم من نقاش حول مقاطعات تنظيم الألعاب الأولمبية في بكين بشأن الخلافات الجيواستراتيجية والسياسية بين قوتين عالميتين، يعني الأمر الولايات المتحدة والصين، بدعوى عدم احترام الصين لحقوق الإنسان.

ولطالما استغلت الدول قوة تأثير الرياضة على المستويين الوطني والدولي كمسرح لمواجهات جيوسياسية أو أيديولوجية كبرى (المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، في جني الألقاب الأولمبية وتعظيم عدد الميداليات الذهبية المحرز عليها وإحداث جماعات الضغط والمقاطعة، إلخ...).

ومن خلال شعبيتها وتغطيتها الإعلامية وطابعها العالمي، أصبحت الرياضة أداة بلا منازع للشهرة والتفاوض واستعراض عضلات القوة وطرح الأسئلة الكبرى بين الأمم، لذلك يلاحظ أن التحدي كبير يتجاوز اللعبة.

ومن جهة أخرى، يمكن أن تكون الرياضة حافزًا للتكامل الإقليمي (المغاربي والأفريقي القاري)، لأن الرياضة تعد مناسبة سانحة لإرسال رسائل سياسية وإنسانية متعددة عندما يجتمع ويلتئم الناس معًا عامة ما يتجاوزن استياءهم القومي أو المجتمعي. والواقع، فإن مستوى التوترات الاجتماعية أو الإحباطات المجتمعية الناجمة عن الإثارة الجماعية للنصر لم يتم إبرازها بشكل كافٍ في الدبلوماسية الرياضية. ويتمتع تنظيم منافسة ذات بُعد دولي مثل كأس إفريقيا للأمم بمزايا متعددة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص الشغل، إنعاش الاستثمار العام في المعدات والمركبات الرياضية وإنشاء بنى تحتية متنوعة جديدة (مطارات، ملاعب، خطوط سكك حديدية، طرق سيارة، إلخ...) ومنح الطلبات لشركات من مختلف البلدان، وتعزيز قطاع السياحة (رحلات العمل، حجوزات الفنادق، تمويل صناعات الرياضية، وما إلى ذلك).

وقبل هذا وذاك، يسود التعايش سواء بين المواطنين أو بين أصدقائهم وأشقائهم وهذه هي الرسالة النبيلة التي تبعثها الرياضة. على سبيل المثال خلقت مشاهد الابتهاج على الحدود المغربية الجزائرية بعد فوز الجزائر في كأس إفريقيا للأمم 2019 دينامية عظيمة من التضامن بين الشعب الجزائري والشعب المغربي الشقيقين، حيث أدى الحماس الرياضي الشعبي إلى التضامن السياسي. وقد أشاد جلالة الملك بفوز المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا للأمم 2019 بتوجيهه -رسميا- رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري وللشعب الجزائري الشقيق عبر فيها عن شعوره بالفخر والاعتزاز وتعبيره الصادق عن تقديره للأداء الرياضي الرفيع المستوى وروحه التنافسية العالية.

 بالإضافة إلى ذلك، تعمل الرياضة على الترويج ونقل الرسائل الإيجابية حول روح الوحدة والأخوة بين الشعوب والأمم. لذلك فإن الشعار الذي اختارته مفوضية الاتحاد الأفريقي أثناء تنظيم كاس إفريقيا للأمم 2015 هو "نحن أفارقة اليوم نحتفل بأفريقيا". إنه شعار للوعي بالانتماء إلى قارة واحدة ومصير مشترك.

ومما لاشك فيه أن الخسارة الفادحة والهزيمة المدوية للمنتخب المغربي وما تلاها من عقوبات وغرامات وتوقيفات وإنذارات صادرة عن الكونفدرالية الإفريقية للعبة في حق اللاعبين والمسؤولين المغاربة الذين تواجدوا على مقاعد البدلاء لا تعكس التاريخ الكروي للبلاد ولا المكانة الإشعاعية التي يتطلع إليها المغرب في عمقه الإفريقي.

 

+ الملاحظ أنه رغم الميزانية الضخمة التي تخصصها الجامعة الملكية لكرة القدم من أجل تطوير هذه اللعبة، إلا أن نتائج المنتخبات في كل الأعمار لا تشرف، ما هو السبب في ذلك؟

- الواقع كما أسلفت، لربح الرهانات المتعددة للرياضة ينبغي تبني استراتيجية تشاركية متكاملة لبناء فرق وقدرات في شتى الأنواع الرياضية وليس الاقتصار على كرة القدم بوحدها. يقال لا ينبغي وضع كل البيض في سلة واحدة. وذلك من خلال بلورة استراتيجية واضحة في الأجل البعيد والمتوسط والقريب، عمادها تعبئة كل القدرات الكفاءات الوطنية والإعداد والتنظيم والإعلام، فضلا عن التقييم المستمر للمخاطر والمراقبة والمساءلة المالية المستمرة لكلفة تسيير الجامعة الملكية لكرة القدم. لقد أبرزت بعض الإحصائيات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم مكلفة على ميزانية الدولة استنادا إلى مؤشرات نجاعة الأداء والنتائج والإنجازات الملموسة، كما سنها الدستور المالي للمملكة، يعني القانون التنظيمي لقوانين المالية لعام 2015 والذي ما فتئت وزارة الاقتصاد والمالية تدعو إلى احترامه وتكريسه لدى الجهاز التنفيذي في كل فصائله وحذافيره.

ومن المفارقات الغريبة، والحالة هذه، أن ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم تعادل ميزانية جميع اتحادات الكرة في إفريقيا المتأهلة لثمن كأس إفريقيا للأمم، فهي باهظة جدا بالرجوع إلى الناتج الوطني الإجمالي المغربي المتواضع مقارنة مع دول مغاربية أو إفريقية أخرى مثل الجزائر، ومصر، ونيجيريا وجنوب إفريقيا، أو بالرجوع إلى الخصاص المهول الذي تعاني منه عدة قطاعات استراتيجية مثل البحث العلمي والصحة والتعليم والثقافة أو بالاحتكام إلى تداعيات المهولة لجائحة كورونا على الطبقات الهشة في البلاد وآثارها السلبية على التشغيل والقدرة الشرائية للمواطنين وغلاء الأسعار وإفلاس الشركات وتضرر السياحة. ومن حسن الصدف ينبغي الإشارة أن خسارة هذا القطاع الأخير خلال سنتي 2020 و2021 تقدر في 90 مليار درهم وهو الغلاف المالي الذي يفوق الميزانية التي رصدتها جامعة كرة القدم لخوض غمار كأس إفريقيا للأمم، وعادت منه بخفي حنين، الشيء الذي يستلزم اليوم في عز الأزمة مدى الحاجة إلى ترشيد النفقات العمومية في كرة القدم، وفي كافة القطاعات، ضمانا للثقة والتضامن مجتمعي الكبير.

 

+ هل تتفق مع الرأي القائل إن المشكل في الكثير من المؤسسات بما فيها جامعة الكرة هو غياب الحكامة؟

- بالطبع لأن الحكامة باعتبارها مقاربة ديمقراطية تتطلب تكريس قيم الرؤية الاستراتيجية التشاركية، فضلا عن تقييم المخاطر والرقابة الداخلية للجامعة ونجاعة الأداء والأثر والمساءلة المالية والإدارية والبرلمانية والمجتمعية، لأن المواطنين -عمليا- هم الذين يمولون ميزانية الجامعة من خلال مساهماتهم وتضحياتهم المالية في شكل أداء ضرائب مباشرة وغير مباشرة، لذلك يجوز لهم طلب المساءلة والحساب من المسؤولين بحكم هول وضخامة الميزانية المخصصة للكرة أمام غياب النجاعة والأداء وترشيد النفقات في الأوقات العصيبة الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا ومتحوراتها المؤلمة على عيش وكرامة المواطنين. إن ضمان المراقبة من خلال تدخل أجهزة فعالة ومستقلة تعد حقا من حقوق الإنسان الجوهرية.

 

+ ألا تعتقد أنه كان من الواجب على رئيس الحكومة الدعوة إلى فتح تحقيق فيما وقع، أم أن الأمر لا يحتاج فقط كل هذه الضجة مادام أن القضية مرتبطة فقط بجلدة "منفوخة بالبرد"، كما يقول "الكويرية"؟

- في اعتقادي الشخصي أن ما حصل في الكاميرون من انكسار سيكولوجي كبير عند كافة المواطنين ومحبي كرة القدم بفعل خسارة وعدم تأهل المنتخب لإكمال المشوار ضمن كأس إفريقيا للأمم، يسائلنا جميعا عندما يطرح مسألة كبيرة في الخطورة، والتي تكمن في عقدة المدرب أو الخبير الأجنبي صاحب العيون الزرق على حساب إدماج الكفاءات الوطنية التي تزخر بها البلاد في كل المجالات الرياضية والعلمية والتقنية والتربوية والثقافية والفنية في مشروع التنمية، والتي عامة ما يتم تهميشها وعدم الاستفادة من رؤيتها وتصوراتها وجديتها. إنها "عقدة الخواجة".. لقد حان الوقت للاعتماد على الكفاءات الوطنية والإيمان بقدراتها وخيالها الواسع في تبوء المغرب المكانة الكبرى إلي يستحقها تحت الشمس وبين الأمم العظيمة.

إن مشروع بناء منتخب وطني ينبغي أن يتموضع داخل رؤية وطنية تستحضر، من بين ما تستحضر، الإيمان بالقدرات المحلية وبلورة رؤية مجتمعية للتنمية في كل المجالات ليس فقط في الكرة، بل في كافة القطاعات الاستراتيجية وهذا رهين بإيلاء المسؤولية لقيادات إدارية متفرغة للشأن الرياضي تعتمد فصل السلط والخبرة اللازمة والإبداع والخلق والخيال، قوامها الغيرة الوطنية وترشيد النفقات ونجاعة الأداء وتقييم المخاطر والمساءلة المالية.

إن الأمر يستلزم القيام بمراقبة مستقلة شاملة لأكثر من عقدين من الزمن في تدبير الميزانيات الكروية، حيث ينبغي إبراز كافة التعويضات والعلاوات والتنقلات والنفقات المتنوعة التي تحملتها الجامعة الملكية لكرة القدم وإخبار الرأي العام بذلك. وينبغي أن يشارك في عمليات التحقيق كل المؤسسات المعنية بالحكامة الإدارية والمالية من مفتشيات وبرلمان وحكومة ومجلس أعلى للحسابات وأجهزة مكافحة الرشوة وخبراء، ينتج عنه إعداد تقرير شامل من لدن كل هيئة على حدة وحسب تخصصها يتناول كل التجاوزات والمخالفات التي قد يعرفها تسيير الجامعة الملكية لكرة القدم والعمل على إصلاحها، عبر فتح نقاش عمومي صريح يستهدف التعرف على حالة الأمكنة بها من أجل تجديد الدم في كافة عروقها ومفاصلها وفق مقاربة جديدة للتدبير الاستراتيجي يعيد المجد والإنصاف لكل الغيورين على اللعبة، مع ترتيب المتابعات اللازمة في حق المخالفين، بقصد استرجاع الأموال التي تم تبذيرها وإنفاقها خارج مبادئ المشروعية ونجاعة الأداء و الترشيد والتدبير السليم للموارد المخصصة للكرة مع مراعاة الخصاص الاجتماعي المهول في قطاعات أخرى، استنادا إلى التجارب الدولية والمبادئ والمناهج العلمية المعمول بها في مجال تجويد المراقبة الداخلية، مادام أن بناء الإنسان المغربي يعد أغلى من ربح كل كؤوس الكون...