الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: فرنسا تستقبل 2022 في طل تصاعد كورونا والتطرف السياسي

يوسف لهلالي: فرنسا تستقبل 2022 في طل تصاعد كورونا والتطرف السياسي يوسف لهلالي

تعيش فرنسا  هذه السنة على وقع  الحملة الانتخابية لرئاسيات، وهي حملة سوف تتصاعد مع  بداية سنة 2022، وذلك في ظل الانتشار الكبير لوباء كورونا والتصاعد المقلق لمتحور أوميكرون الذي تجاوزت إصاباته اليومية 200 ألف، وهو رقم لم تسهده فرنسا مند بداية الوباء، والذي لم يخلف حتى الآن، لحسن الحظ، عددا كبيرا من الضحايا وذلك لنسبة المهمة من الملقحين (حوالي 80 في المائة) بشكل كامل. لكن الاقتصاد الذي تعافى بشكل كبير في سنة 2021 مع بداية الخروج من تداعيات الوباء، أصبح اليوم مهددا بهذه العودة القوية لأثار الوباء مع الموجة الخامسة لكوفيد.

 

الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون مشغول بالحملة الانتخابية رغم عدم دخوله رسميا لحلبة السباق، لكن في كل تدخلاته يرد على منافسيه الأساسيين، سواء ممثلة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، التي تم اختيارها من طرف أعضاء حزبها لخوض هذا السباق بعد انتخابات تمهيدية وسط هذه العائلة السياسية. الرد أيضا يشمل اليمين المتطرف، سواء تجاه مارين لوبين الممثلة الكلاسيكية لهذا التيار أو الممثل الجديد لهذه الحركة الشعبوية وهو ذو الأصول المهاجرة  الجزائرية إيريك زمور، المعروف بحملته العدائية ضد المهاجرين، و"يتوعد الفرنسيين "بالاستبدال الكبير" لسكانهم في حالة عدم اختياره كرئيس للجمهورية". ويقدم نفسه باعتباره "المنقذ" لبلد فولتير من "اختفاء" سكانه وهويته". يبدو الرئيس الفرنسي أمام هذا المرشح المتطرف والعنصري إنسانيا ومدافعا عن القيم الكونية أمام الانغلاق الهوياتي الذي يدعو له زمور.

 

إيمانييل ماكرون يدخل السنة الجديدة لـ 2022 بعدة تحديات أساسيه، خوض الحملة الانتخابية للرئاسيات، الحفاظ على أداء الاقتصاد الفرنسي، وخاصة النمو الاستثنائي الذي حققه في السنة الماضية، احتواء تداعيات وباء كورنا والرئاسة الدورية للاتحاد الأوربي. وهي تحديات مختلفة ومتباينة وتدبيرها سيكون له انعكاس على نتائجه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

طبعا الرئيس الفرنسي عليه أن يدبر هذه الملفات المعقدة وذات الطابع المحلي، بالإضافة إلى السياسة الخارجية لبلده، والتي تتعرض لعدة تحديات وتقلبات أحيانا عنيفة وغير متوقعة بدخول فاعلين جدد ومنافسين أقوياء خاصة في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تدبير الأزمة بمالي، التي عبر قادتها الجدد بعد الانقلاب، عن رغبتهم في اللجوء إلى الخدمات العسكرية  لشركة فاغنر الروسية، وهو ما يعتبر تراجعا لدور فرنسا وأوروبا. باريس مازالت تحتفظ بحوالي خمسة آلاف جندي بهذا البلد، الذي مازال تحت رحمة الحركات الجهادية وعدم الاستقرار السياسي جراء الانقلابات وتصاعد التهريب. وهو بلد يسعى إلى الاستعانة بخبرة الروس في المجال ألأمني، وهو ما جعل فرنسا وأوروبا تهدده بتطبيق عقوبات إذا حدث هذا التحول. هذا الوضع بمالي يعتبر تحديا حقيقيا لفرنسا ولتواجدها بمالي ومنطقة الساحل. وجهل تدخلها العسكري بهذا البلد يصل إلى الباب المسدود، ويجهل الافاق مسدودة لحل بهذه المنطقة التي كانت تاريخيا تابعة لفرنسا.

 

بالإضافة إلى استمرار التوتر في ليبيا، وعدم القدرة على احترام اجندة الانتخابات التي رعتها باريس في اللقاء الأخير بالعاصمة الفرنسية، بحضور مختلف الأطراف الليبية، وكذلك الدولية الأساسية في هذا الصراع، وبحضور المغرب أيضا الذي لعب ومازال دورا كبيرا لمساعدة هذا البلد على استرجاع استقراره.

 

من أكبر التراجعات أيضا فقدان فرنسا لصفقة أوكوس العسكرية، والتي لا تعتبر مجرد صفقة للغواصات النووية، بل إن الأمر يتعلق بوضعية التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بعد أن قررت الولايات المتحدة الحضور والعودة القوية لهذه المنطقة، لفرض طوق عسكري مشكل من الحلفاء حول الصين، التي بدأ توسعها يهدد المصالح الأميركية وكذلك مكانة واشنطن كأكبر قوة اقتصادية بالعالم. ويبدو أن فرنسا التي تنهج سياسة المهادنة مع الصين، يجعلها هذا الموقف، بعيدة عن موقف التحالف بالمنطقة والذي تقوده واشنطن والذي ينهج  سياسة أكثر عدوانية تجاه الصين .

 

فرنسا تعرف سياستها برودا كبيرا أيضا مع بلدان المغرب العربي، خاصة مع المغرب، حليفها الأول بالمنطقة، وافتقدت العلاقة بين البلدين هذه السنة لتلك الدينامية والحرارة المعهودة، المغرب ينتظر من باريس تجاوبا إيجابيا مع قضية الأولى، والاعتراف الكامل بمغربية الصحراء على غرار خطوة  الإدارة الأمريكية، وباريس تنتظر القاطرة الأوروبية التي لا يمكن أن تسير في هذا الاتجاه دون ركوب ألمانيا في نفس الاتجاه، باعتبارها بلد له ثقل اقتصادي وسياسي، وبلد مؤثر على المجموعة الاوربية، وسبق أن اختارت برلين في نهاية ولاية ميركيل معاكسة مصالح المغرب في وحدته الترابية، قبل أن يتحول الوضع مع المستشار الجديد أولاف شولز الذي عبرت إدارته بشكل إيجابي عن مجهودات المغرب للاستقرار بالمنطقة ودعمت مبادرته للحكم الذاتي.

 

ما يفسر تردد فرنسا في مواقفها مع المغرب، لأنها لا تريد أن تفقد السوق الجزائرية، والتي تعتبر مهمة أيضا للمقاولات الفرنسية، رغم الصعوبات التي تتعرض لها اليوم بسبب المنافسة الصينية والتركية بالإضافة إلى التقلب الكبير لمزاج السياسي للمؤسسة العسكرية لهذا البلد الذي يعيش على ريع الذاكرة لحرب التحرير وكذلك ريع الغاز والبترول.

 

أما العلاقة مع تونس فهي معقدة أيضا، وذلك بفعل المتاهات التي دخل فيها النظام السياسي الجديد في رحلة طويلة للبحث عن شرعية جديدة وتجاوز شرعية الثورة على نظام بنعلي، وهو مسار مليء بالمنعرجات والحفر لنظام الحالي الذي يعاني من وضع اقتصادي جد هش، لهذا لا أحد بتونس يعرف أين ستقف سفينة الانتقال السياسي والمفاجأة التي سيأتي بها.

 

هذا دون الحديث عن مشروع فرنسا لدفاع الأوروبي الذي لن يكون من السهل تحقيقه، في ظل الأوضاع الحالية وتقوي التيارات الانعزالية والهوياتية بكل بلدان أوروبا بما فيها فرنسا. لهذا فإن التحديات التي تنتظر فرنسا هي كبيرة على المستوى الخارجي، سواء من طرف قوى منافسة لها مثل الوضع في إفريقيا أو على مستوى المحيط الهادئ والهندي، مع حلفاء أطلسيين كالويلات المتحدة الأميركية وبريطانيا بسبب الخلاف حول التعامل مع  بيكين.

 

وضع فرنسا كقوة متوسطة اليوم يجعلها أمام تحديات خارجية تتجاوز إمكانياتها العسكرية والاقتصادية، أمام رأي عام ينحو نحو الانطوائية والانغلاق على الخارج، وهي كلها تحديات ستكون معقدة أمام رئيس عليه، في نفس الوقت، قيادة الوضع ببلده والنجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي قد تؤدي بعض الشعارات والمطالب بها إلى مواجهة مع حلفاء وشركاء فرنسا، كما حدث في قضية التأشيرة مع بلدان المغرب العربي.