Saturday 14 June 2025
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: "مرحبا 2025 " ٠٠٠"مونديال  2030 " العبور  إلى الوطن والعالم

عبد الرفيع حمضي: "مرحبا 2025 " ٠٠٠"مونديال  2030 " العبور  إلى الوطن والعالم عبد الرفيع حمضي
انطلقت يوم 5 يونيه عملية  “مرحبا 2025 " لاستقبال الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في موسم صيفي يعرف ذروته بين شهري يونيو وشتنبر. ورغم الطابع السنوي المنتظم للعملية منذ 2001، فإن دورة هذه السنة تنظم  في سياق وطني ودولي خاص، يجعل من “مرحبا 2025” أكثر من مجرد إجراء لوجيستيكي ، بل لحظة دالة على قدرات المغرب في تدبير الحركية العابرة للحدود، وعلى التحديات التي تواجهها السياسات العمومية تجاه مغاربة العالم.
 
سياق رياضي ضاغط… ومختبر لقدرات الدولة
يتزامن انطلاق “مرحبا” هذا العام إذن ،مع استعدادات المغرب لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025، وبعده كأس العالم 2030. وهما حدثان رياضيان ضخمان، لا من حيث عدد المشاركين فقط، بل من حيث ما يرافقهما من ضغط على البنيات التحتية، وحاجة مضاعفة إلى التنظيم والنجاعة في التدبير. وعليه، فإن تجربة “مرحبا”، بما راكمته من خبرة ربع قرن ، تقدم للمسؤولين اليوم نموذجًا حقيقيًا يمكن الاستفادة منه في تنظيم تدفق الزوار والسياح والمشاركين خلال هذين الحدثين الرياضيين.

 
فما يقارب ثلاثة ملايين مغربي يعبرون خلال فترة الصيف من مختلف الموانئ والمطارات، ضمن منظومة معقدة تؤطرها مؤسسة محمد الخامس للتضامن وتشارك فيها أجهزة الدولة من وزارات وأمن ودرك ،  وموانئ وابناك وشركات الطيران والنقل ….. كل ذلك يجعل من عملية "مرحبا” تجربة وطنية ناضجة، وكنزًا إداريًا حيًا في كيفية إدارة الحركية الكبرى، 
 
فراغ مؤسساتي مثير للقلق
غير أن نجاح عملية “مرحبا” لا ينبغي أن يُخفي هشاشة الإطار المؤسساتي الذي يُفترض أن يحتضن ويقود سياسات الدولة في شؤون الجالية. فمنذ التخلي عن وزارة الجالية كقطاع قائم الذات، لم يظهر بديل مؤسساتي واضح يُعبّر عن انشغالات هذه الفئة، خاصة وأن مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بصفته فضاءً للتفكير والاستشارة والتشاور، لم يعرف إلى حد الآن ملاءمة قانونه مع دستور 2011، وأصبح منذ سنوات ، بنية إدارية لا غير. وهذا، طبعًا، ان كان لا يقلل من أهمية الأنشطة التي يقوم بها من حين لآخر، إلا أنها تبقى أنشطة بنية  جهاز إداري ، لا عمل  مؤسسة دستورية تشاورية، ويبقى الأمل معقودًا على تفعيل ما ورد في التوجيهات الملكية السامية في هذا الخصوص.
أما مشروع إحداث “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، التي من شأنها أن تشكل الذراع العمومي في مجال تدبير قضايا مغاربة العالم، فلا يزال تنزيله معلقًا بدوره. وهذا ما يعمق إحساس الجالية بالفراغ واللامبالاة من طرف السلطة التنفيذية، لما لها من اختصاص في التنظيم، وإعادة التنظيم، ومبادرة التشريع.

 
عمر عزيمان ….. عين الأميرة على الجالية 
وسط هذا الفراغ، تواصل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أداء دورها، على قدر المهام الموكولة اليها  وحجم امكانياتها ، في ربط الجالية المغربية بوطنها الأم، والمحافظة على هويتها الثقافية والدينية، وتيسير اندماجها، مع الحفاظ على انتمائها الوطني خاصة وان  رئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم لهذه المؤسسة تضفي  عليها بعدًا رمزيًا وصلة وصل معنوية وروحية ، كما ان إسناد تدبيرها كرئيس منتدب لرجل من حجم  الاستاذ عمر عزيمان مستشار صاحب الجلالة، -والذي يُعد عين الأميرة، ليس على بنية المؤسسة، بل على الجالية المغربية بكل تنوعها الجيلي والجغرافي والنوعي، وذلك بوعي عميق بقضاياها داخل الوطن وخارجه.  -جعل منها ،مؤسسة ، تحافظ على خطاب متوازن وسلوك هادئ لكنه فعّال، ومكّنها كذلك من ضمان الاستمرارية ونيل ثقة فئات واسعة من الجالية، في وقت غاب فيه القطاع الحكومي، باعتباره المسؤول السياسي عن بلورة وتفعيل السياسة العمومية في هذا المجال.

 
وإن ما يزيد من حدة هذا الفراغ المؤسساتي هو حجم الجالية المغربية المقيمة بالخارج، التي تُقدّر بأكثر من خمسة ملايين مغربي موزعين على مختلف القارات، ورغم بعدها الجغرافي، تظل حاضرة بقوة في تنمية الوطن، باعتبارها رأسمالًا بشريًا ومهنيًا لا غنى عنه في ورش التنمية.
 
وفي نهاية المطاف فعملية “مرحبا”  بقدر ما تذكّرنا بنجاح المغرب في تنظيم تدفقات بشرية ضخمة بكفاءة عالية، فإنها  تُذكّرنا كذلك بتعثر الفاعل العمومي، منذ عقود، في بناء سياسة عمومية مندمجة ودامجة للجالية.
فالمغرب لا يمكن أن يدخل مرحلة مونديال 2030 بذهنية تُميز بين من هو “هنا” ومن هو “هناك”، لأن الوطن، ببساطة، لا يُقاس بالمسافة، بل بالانتماء الفعلي والمشاركة الفعالة. وهذا ما يجب أن نعيد التفكير فيه، اليوم، لا غدًا.