الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

المغلشي: التفاوت القاتل.. واش أنا باقي في ما ندوز الامتحان؟

المغلشي: التفاوت القاتل.. واش أنا باقي في ما ندوز الامتحان؟ إدريس المغلشي
التحق بي صديق بعدما هاتفني لبضع دقائق، كعادته كل يوم لا يخلو من اتصال بيننا، نتفقد فيه أحوال بعضنا البعض. وبعد دردشة لا تخلو من مستملحات وترفيه. يفاتحني في مواضيع شتى وقد تكون ذات خصوصية، يحرص في كثير من الأحيان لسماع رأيي.
أعلم جيدا أنه من متابعي الصفحة، كثيرا ما ينجذب للنقاش حول مواضيع عديدة، بل يطلعني كلما التقينا على بعض كتاباته المقتضبة والجميلة لأعلق عليها وأقول فيها رأيي.
يميل في تواضع إلى الحديث عن إشكاليات كبيرة مؤرقة بمفاهيم بسيطة، يستهويه الحديث في الأدب والشعر والثقافة عموما، كثير من الأصدقاء لا يعرفون أن اهتمامه بالأدب لا حدود له. لا أدري ما سر ارتباطه بهذه الجلسات الحميمية المفاجئة كأنها نوبات صرع تجتاح الجسد النحيف وهي تنتظر مسكنا يخفف من إيقاعها القوي الذي يهز أركانه بين الفينة والأخرى.
أفسح له المجال كلما لاقيته ليمارس حصته من البوح الراقي. يطلعني في كثير من المرات على محاولات ابداع كما يحلو له تسميتها: خربشات بلا وقع ولا أثر. تكتب في ليلة سكون هادئة هروبا من ضجيج المدينة وصخبها.
إنه ابن المدرسة العمومية في الحي القديم لازال يحتفظ بذكريات مريرة. حيث خانته الظروف ولم تسعفه في تحقيق أحلامه، رغم نباهته وقدرته على التعبير عما يخالجه من أحاسيس تراه يتواضع في التعبير لإحساسه أن مساره في الوظيفة العمومية لم يحقق سوى الكفاف والعفاف والغنى عن جميع الناس.
لم يتبق من عمره المهني سوى أيام معدودات لايكاد يضبط عددها، المهم أنه يستعجل الخروج لينعم بحرية التحرك خارج إطار الضبط والتحري وإحصاء الأنفاس. كلما خاض في الموضوع لاح في عينيه بريق لامع كأنه وميض يستكشف الأفق ممزوجا بابتسامة خفيفة لاتكاد تفصح عن مقدمات أسنانه.
حرك شفتيه بكلام غير مفهوم بقي عالقا من ورائه مفردات تشرح استسلامه لهذا الواقع المر الذي لا يرحم "أيكون خير الله يصاوب ".
أخرج من جيبه ورقة استدعاء لاجتياز الكفاءة المهنية في فئة المساعدين التقنيين وهو يسألني باستغراب شديد:
" بعد مرور السنون ،واش أنا باقي في ما ندوز الامتحان ؟"
اعلم جيدا أن القصد من طريقة كلامه التي تحمل كثير من الآلام والأوجاع هي تفريغ شحنة من الغضب نحو واقع مهني به كثير من الشطط والحيف. فعلا كيف نستدعي هذه الفئة الهشة التي لا يصل راتبها للسميك المنصوص عليه في القوانين من أجل اجتياز امتحان كتابي في مهام لا حصر لها؟ ودون الخضوع لتكوينات تؤهل هذه الفئة لمثل هذه الاختبارات وفي غيابها يبقى الحال على ما هو عليه.
نسيان وإهمال وطرق للترقي بدائية تحمل من الغرابة ما يجعلك تقف مشدوها. يعيد أسئلته من أجل انتزاع رأي يعزز التذمر الذي بداخله وهو يقصد استفزازي من أجل أن أبدي رأيا يستند عليه، فأجد نفسي عاجزا عن التعبير له لعلمي أن ظروفه المعيشية لم تعد تحتمل.
فعلا مهزلة خارج الوصف، اجتياز امتحان على مرحلتين كتابي وشفوي من أجل زيادة هزيلة بالمقارنة مع أسلاك أخرى تكتفي بالكتابي فقط وزيادة تعادل راتبا كاملا لهذه الفئة إنه التفاوت القاتل لكل فرص التكافؤ. ونتكلم عن رهانات كبرى.