الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

اجماهري: ألمانيا ...البراءة لفائدة الشك؟

اجماهري: ألمانيا ...البراءة لفائدة الشك؟ عبد الحميد اجماهري
لا يجوز أن يبقى البيان الصادر عن  الخارجية الألمانية بخصوص العلاقة مع المغرب بدون أثر، كما لو أنه لم يصدر، ولا أن يكون الرأي العام المغربي "محايدا" إزاءه.. كما لا يحسن بنا أن نسارع إلى الترحيب به  مغمضي العينين.
في البيان ثلاثة أشياء تسترعي الانتباه في التعبير، وفي المضمون.
 
السياق أولا
يأتي البيان الألماني بعد سبعة أشهر، يوما عن يوم على اندلاع الأزمة المغربية-الألمانية، والتي عرفت أوجها مع استدعاء المغرب لسفيرته في ألمانيا.
كما أن البلاغ الألماني جاء ليقطع مع الاندهاش المفتعل من قرار المغرب، حيث نتذكر أن ألمانيا حاولت توهيم العالم ورأيها العام أنها "تستغرب لما قدمه المغرب من مبررات"، وأنها طلبت توضيحات من الدولة المغربية، في الوقت الذي كانت هي المطالبة بذلك.
 البيان، ثالثا، يأتي كخطوة في الاتجاه المعاكس أي تقديم مواقف رسمية حول النقط التي قدمها المغرب، كشَرْطية ديبلوماسية في أي مستقبل مشترك محتمل ...
*  في عناصر الأزمة 
كانت بلادنا قد وضعت المسلمات الدبلوماسية المنطقية التي جعلتها تتخذ هذا القرار بتعليق التبادل الدبلوماسي إذا شئنا...
وتتمثل في ثلاث نقط وردت في البيان الصادر وقتها عن الخارجية المغربية، وهي نفس النقط الذي يجيب عنها بيان الخارجية الألمانية 
ـ المغرب نبه إلى "مواقف عدائية تنتهك المصالح العليا للمملكة خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء ..."
وهنا نذكر أن ألمانيا التي كانت ترأس مجلس الأمن الدولي، عند اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على صحرائه، كانت قد استدعت هذا المجلس لجلسة طارئة حول الموضوع، الشيء الذي اعتبره المغرب تدخلا سافرا في أشغاله وموقفا عدائيا ضد بلادنا.
وفي هذا الشق من عناصر الأزمة، يأتي رد الخارجية الألمانية على الشكل التالي:
"اعتبرت الوزارة الفيدرالية الألمانية للشؤون الخارجية،  أن مخطط الحكم الذاتي يشكل  مساهمة مهمة  للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء.
 - وأعلنت ألمانيا أنها تدعم الجهود المبذولة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، "ستافان دي ميستورا"، 
 - ودعمت التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول على أساس القرار  2602 
 ـ وفي الجانب المتعلق بالدور الإقليمي للمغرب، شددت المملكة على :
 - محاولة برلين استبعاد المملكة من دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة للملف الليبي والتي عقدت في برلين،
 وفي الرد الألماني  نقرأ إقرارا بالدور المغربي في :
+ العمل من أجل استقرار المنطقة عبر تسليط الضوء على الدور المهم"من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة. ويتجلى ذلك على الخصوص، في مجهوداتها الدبلوماسية لفائدة عملية السلام الليبية "...
 ومن عناصر الأزمة أيضا التعامل غير المسؤول لألمانيا مع إرهابيين، وقد شدد بيان الخارجية المغربي على اتهام السلطات الألمانية "بالتواطؤ" مع أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية.  
 يقول البلاغ الصادر عقب تنصيب المستشار الألماني الذي سيخلف ميركل على رأس  حكومة الجهاز التنفيذي الألماني الفدرالي، أن المغرب خطا خطوة مهمة في اتجاه الحل في قضية الصحراء.
 
الخلاصات :
+ كانت ألمانيا تنتظر الرد من المغرب، في غرور قيصري لم يعد له مكان في العالم اليوم، بأستاذية متجاوزة ولا يمكن القبول بها..
+ كما أن المغرب لم يقدم أي تنازل لا بروتوكولي ولا ديبلوماسي ولا اقتصادي، بل اعتبر أن تعامله برقي وأنفة مع قوة أوروبية ودولية كبيرة، هو في حد ذاته تنازل عندما يتعلق الأمر بقضيته الوطنية.
+ سقوط كل الأطروحات التي اعتبرت أن الندية مجازفة وما يسترعي الانتباه هو الموقف من السيادة وهنا قد يكمن الشك، بالرغم من التسليم بحكم البراءة إذ أن الموقف من الصحراء مازال في رماديته القصوى، وإن تم تغليب التوجه الإيجابي. ومن الرمادية المسجلة أن ألمانيا تتكلم عن مساهمة مهمة عبر الحكم الذاتي والحال أن الحكم الذاتي لم يعد مساهمة مهمة فقط، بل صارت له قوة القرار المقضي به، عبر بوابة دولية هي القرار نفسه 2602
ـ بالرغم  من التسليم بهذا القرار كقاعدة للحل، فإن برلين لا تذهب إلى حد الإقرار به نهائيا وإعطاء المبادرة كل حجمها.
نعم، عندما نحكم على الموقف الألماني اليوم من زاوية التحرك المحموم ضد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة، والدعوة الى الانعقاد حول الموضوع، قد يتبين لنا كما لو أن الإقرار بأهمية الحكم الذاتي تقدم، غير أنه لم  يصل بعد إلى مستوى التجاوب مع المنحى الدولي في الموضوع.
نميل إلى القول إن المغرب سيرسم هذا الموقف الألماني، لكنه سينتظر خطوات أكثر جرأة، بعيدا عن الاحتماء بالشراكة الأوروبية وبموقف الحد الأدنى المشترك.. يبقى أن السيادة ربحت نقطة مهمة للغاية، وتتويجا لم يتطرق إليه الكثيرون...