الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

بوشطارت: النظام الجزائري يتوجس من حركات التحرر ويخاف من امتداداتها

بوشطارت: النظام الجزائري يتوجس من حركات التحرر ويخاف من امتداداتها عبد الله بوشطارت، إعلامي وباحث في تاريخ الأمازيغ والطوارق
كيف يتعامل النظام الجزائري مع حركة القبايل؟
لابد في البداية أن نوضح بعض المغالطات التي يرددها النظام الجزائري حاليا في حملته الإعلامية في حق حركة الماك MAK والنشطاء الأمازيغ بشكل عام في منطقة القبايل، بكون هذه القضية ومطالبها مفتعلة وطارئة وتحركها أيادي خارجية، فهذا تضليل وبهتان، لأن المشكلة السياسية لأمازيغ القبايل انفجرت منذ عقود كثيرة، وبالضبط منذ سنة 1948 إبان ما يسمى آنذاك بالأزمة البربرية التي قسمت ظهر "الحركة الوطنية" وجبهة التحرير بالجزائر، حيث وقعت خلافات سياسية كبيرة بين النخب السياسية آنذاك على إثر الاختلاف الأيديولوجي بين النخب الأمازيغية التي تكونت في الغالب بالخارج، وبين النخب السياسية التي تبنت أفكار القومية العربية والاشتراكية العربية. وظهر هذا الصراع إلى العلن بعد أن تقدم "مصالي الحاج" بمذكرة إلى الأمم المتحدة اعتبر فيها أن "هوية الجزائر تتأسس على العروبة والإسلام"، بالرغم من كون الأمازيغ يشكلون قوة سياسية داخل "حزب الشعب". هذا الإقصاء للأمازيغية خلف استياء كبيرا لدى أوساط النخب الأمازيغية، الذي اصطدم بالتيار المشحون بالقومية العربية، مما جعل هذا الأخير يشن حملة عنف وترهيب ضد الأمازيغ، وتم طرد القيادات الأمازيغية التي أبدت رفضها لإقصاء الأمازيغية من هوية الجزائر من حزب الشعب وتهديدها بالتصفية الجسدية، مما جعل الكثير منها يهرب إلى الخارج. هذه الأزمة وهذا الانقسام عرف في الأدبيات السياسية الجزائرية بالأزمة البربرية 1948-1949.
أما بعيد الاستقلال، فقد وقع انشقاق سياسي تحول إلى مواجهات مسلحة بين أنصار الزعيم الأمازيغي "الحسين آيت حماد" الذي استقال من المجلس التأسيسي وأسس "حزب جبهة القوى الإشتراكية" والدولة الجديدة بالجزائر التي هيمن عليها "التيار القومي العربي" الشمولي بقيادة " أحمد بن بلة". وتم اعتقال "الحسين آيت حماد" على إثر تلك المواجهات المسلحة بناحية "تيزي وزو"، وحكم عليه بالإعدام سنة 1964، لكنه بقي في السجن إلى أن هرب سنة 1966 إلى سويسرا بعد انقلاب "بومدين" على "بن بلة"، وبقي هناك في المنفى إلى أن توفي سنة  2015. بمعنى أن الصراع السياسي بين الدولة الجزائرية والأمازيغ تجدد مباشرة بعد الاستقلال، لأنه أصلا هو صراع قائم وقديم داخل ما يسمى بالحركة الوطنية. وتطور هذا الصراع في سنوات ما بعد الاستقلال، خاصة في سنة 1980 حيث اندلعت انتفاضة "الربيع الأمازيغي" بجامعة "تيزي وزو" وقمعها النظام العسكري بوحشية، واستمر الصراع بين الأمازيغ والنظام طيلة عقدين من الزمن شهدت فيها منطقة القبايل انتفاضات كثيرة وأحداث بارزة اتسمت بدموية ووحشية النظام العسكري، لاسيما اغتيال الشهيد "معتوب لونيس" سنة 1998. وعادت الانتفاضة الأمازيغية بقوة سنة 2001 إثر اندلاع أحداث "تافسوت تابركانت" الربيع الأسود بعد اغتيال الدرك الجزائري للشهيد الشاب "ماسينيسا گرماح" في أبريل 2001 وانطلقت شرارة الانتفاضة الأمازيغية التي سحقها النظام العسكري بوحشية قل نظيرها، سقط فيها حوالي 126 شهيدا برصاص الدرك والجيش، أغلبهم شباب. إذن، في هذا السياق التاريخي الطويل تم تأسيس حركة الماك المطالبة باستقلال "القبايل الكبرى" عن دولة الجزائر التي لاتزال تفرض حصارا شبه عسكري على المنطقة وقامت باغتيال العديد من الرموز والقيادات السياسية الأمازيغية، ومازال البعض يعيش في المنفى واللجوء السياسي.
فالنظام الجزائري يشن سياسة القمع والتشريد على الأمازيغ منذ عقود، فهم لم يسمح لهم حتى بتنظيم التظاهرات الثقافية وما بالك بالتنظيم والتعبير السياسي. فمنذ 1963 ظل الأمازيغ ممنوعين من التعبير عن حقوقهم السياسية والثقافية واللغوية. بالرغم من مساهمة الأمازيغ في معركة التحرير والاستقلال، لكن سيطرة ثلة من القيادات ذات التوجهات القومية والاشتراكية العربية ادخل الجزائر إلى نفق الدماء والاضطهاد السياسي على غرار كل الأنظمة العسكرية الشمولية. فالنظام الجزائري يدعي مساندة حركات التحرر في الخارج، لكنه يشن سياسة الاضطهاد في الداخل، ويقوم بقتل واغتيال نشطاء رميا بالرصاص في الشوارع بمجرد يعلنون عن مطالب ثقافية ولغوية..
 
لكن، كيف يتعامل النظام الجزائري مع حركة تحرير أزواد؟
نفس الشيء ينهجه النظام الجزائري مع حركات تحرر أمازيغ التوارگ في الصحراء، خاصة في شمال مالي والنيجر، فهو يتوجس من هذه الحركات ويخاف من امتداداتها، ويعمل بتنسيق مع الأنظمة السياسية في الساحل على خنق حركات التوارگ، لأنه يشترك معهم الحدود الجغرافية، كما يضم تراب الجزائر الذي ورثه عن الاستعمار مجموعات كثيرة من التوارگ الهگار وتاسيلي في الجنوب، والذين لهم علاقات وروابط القرابة العائلية والثقافية مع توارگ إيفوغاس بشمال مالي بمنطقة أدرار، المعروفة بأدغاغ، وكذلك توارگ الأيير شمال النيجر. فمنذ اندلاع أول ثورة سياسية ومسلحة لتوارگ مالي في مدينة كيدال سنة 1963 ضد نظام "موديبو كيتا"، فقد عملت الجزائر على تشديد الخناق على الثوار الذين فروا من بطش عسكر "موديبو كيتا" القومي الاشتراكي الذي كانت له علاقات صداقة وتحالف سياسي مع رئيس الجزائر "أحمد بن بلة"، هذا الأخير قام بتسليم العديد من المعارضين السياسيين الذين دخلوا تراب الجزائر هروبا من القمع والتصفيات التي يشنها نظام مالي في حق التوارگ ما بعد 1963. كالزعيم السياسي أمنوكال كونفدرالية "كْلْ أداغ" الذي كان من رموز ثورة كيدال شمال مالي، تم اعتقاله في نونبر 1963 بالجزائر وسلمه "أحمد بن بلة" لدولة مالي، وتم تعذيبه وإذلاله أمام المواطنين في مدينة گاو. 
كما كان النظام الجزائري حريصا على الوساطة السياسية بين حركات التحرر التوارگ وبين الأنظمة السياسية في مالي والنيجر لإيجاد حلول سياسية بينهما، خاصة ما بعد ثورات 1990، لأن النظام الجزائري كان متوجسا من تداعيات ظهور دولة جديدة للتوارگ في شمال مالي، والتي سينضم إليها توارگ جنوب الجزائر، لاسيما وأن المنطقة تزخر بثروات طبيعية ومعدنية وطاقية. فالجزائر تسعى دائما سياسيا وعسكريا إلى خلخلة الأوضاع الداخلية في أزواد وداخل حركات تحرير التوارگ كي لا تقوم بتحقيق مشروعها السياسي، لأن النظام الجزائري سيفقد جزءا كبيرا من أراضيه في الجنوب. وليس ببعيد أن يكون نظام العسكر في الجزائر مسؤولا في الاضطرابات الميدانية والأمنية التي تعرفها مناطق الصحراء والساحل، خاصة في شمال مالي، من انتشار الإرهاب والتطرف، لصرف انتباه المنتظم الدولي عن حقيقة المشروع السياسي للتوارگ الذي يزعج كثيرا عسكر الجزائر أكثر مما يزعج نظام مالي المنهك بالانقلابات العسكرية، هذا دون ان ننسى أن التدخل الفرنسي في المنطقة والقوات الدولية الأخرى التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الصحراء الكبرى والساحل. 
إن ما يهمنا هنا هو إبراز أوجه التناقض الصارخ والمكر السياسي والخداع الذي يمتاز به النظام العسكري الشمولي الجزائري في تعامله مع الحركات السياسية داخليا، وفي محيطه الإقليمي، فهو يتبجح بدعم وتضامن ومساندة لحركة انفصالية في جنوب المغرب ويقمع بشدة حركة استقلال القبايل في تيزي وزو ويصنفها ضمن الحركات الإرهابية، كما يقف معارضا أمام "حركة تحرير أزواد" شمال مالي، لأن لها امتداد إلى الشمال، أي بلاد التوارگ في تامنراست وأدارار. لذلك فالنظام الجزائري لا تهمه مصلحة هذه الحركات السياسية ولا القضايا التحررية، وإنما هو مهووس بالنوازع التوسعية التي ورثها عن "فرنسا الأم" التي أسست الكيان الجزائري الحالي، كما أن عسكر النظام الجزائري الذي يهيمن على الدولة والشعب يفتقد لأي أسس المشروعية والشرعية السياسية والتاريخية. وبالتالي فهو يحاول تصريف هذا الفراغ السياسي والتاريخي في بنية الدولة التي تشكلت على أنقاض الاستعمار بمعاداة المغرب الذي يتمتع بالعراقة والاستمرارية السياسية للدول والمؤسسات لقرون عديدة.