الأربعاء 24 إبريل 2024
منوعات

بحر المجاز.. هنا صنع ويصنع دوما قدرنا المغربي

بحر المجاز.. هنا صنع ويصنع دوما قدرنا المغربي صورة مضاعفة يبدو فيها في الأفق جبل طارق
هنا بليونش (البلدة المغربية التي يسقي ماؤها منذ قرون مدينة سبتة المغربية المحتلة ولا يزال)، وهناك جبل طارق (التابع للتاج البريطاني منذ سنة 1704 ميلادية بعد هجوم بريطاني هولندي نمساوي لم يستغرق سوى 6 ساعات ضمن حرب أروبية للنفوذ على البحر المتوسط بين فرنسا وإسبانيا من جهة والدول الثلاث المذكورة من جهة أخرى).
هنا يصبح مضيق جبل طارق، الفاصل بين المغرب وإسبانيا وجبل طارق (وأيضا ما بين القارة الإفريقية والقارة الأروبية) مجرد نهر كبير. 
هنا صنع تاريخ للمغرب والمغاربة وأيضا تاريخ للإسبان والإنجليز والبرتغاليين وقوى عالمية عدة، ولا يزال. 
ليس اعتباطا أن أسمته أغلب الكتابات التاريخية المغربية منذ قرون غابرة ب "بحر المجاز"، أي "بحر العبور من ضفة مغربية إلى ضفة أندلسية" وكثيرا ما كانت مراكش عاصمة للضفتين معا على العهد المرابطي والموحدي (فاس كانت عاصمة لهما في فترات أقل زمنيا على العهد المريني).
في ذلك الجبل الناتئ هناك، بنيت أول مدينة على صخرة "جبل طارق"، لا تزال آثارها قائمة، بناها الموحدون، حيث لا يزال تمة هناك آثار قصر وآثار بقايا مسجد وسوق ودور قديمة وسور يحيط بها.
ظل جبل طارق مغربيا في المسافة الزمنية بين 711 ميلادية حتى 1250 ميلادية، حيث انتقل إلى حكم مملكة غرناطة، الذي سيأخده منهم أمراء قشتالة الإسبان سنة 1309 وحرره المغاربة من بني مرين سنة 1374 وأعادوه إلى مملكة غرناطة التي كانت متحالفة معهم حينها. قبل أن يستعديه الإسبان نهائيا سنة 1501 ميلادية، سنوات بعد سقوط غرناطة وخروج المغاربة والعرب نهائيا (سياسيا) من شبه الجزيرة الإيبيرية سنة 1492. مع الإشارة أنه قد حكمها لسنوات قليلة اليهود الأندلسيون بعد أن تم طردهم جماعيا من قبل القشتاليين إلى هناك.
جبل طارق لا يزال هو مسمار جحا بريطانيا، في القرن 21، في ممر استراتيجي عالمي من قيمة مضيق جبل طارق، خاصة بعد البريكسيت. كونه يمنح للندن أن تظل قوة كبرى ضمن نادي الكبار بالعالم (إذ هنا ينتهي مرة أخرى الإتحاد الأروبي بل أروبا كلها، لتبدأ سلطة التاج البريطاني المستقلة عن القارة العجوز). 
تطالب مدريد منذ سنوات باستعادة صخرة جبل طارق، والمفاوضات مفتوحة، وقد تعود قريبا ربما إلى المملكة الإسبانية، لكن المؤكد أن ذلك لن يكون بدون عودة "سبتة" إلى المغرب. لأن توازنات عدة تفرض ذلك، جميعها تصب في صالح المغرب والمغاربة لاستعادة مدينتهم السليبة وشقيقتها "مليلية". وفي القلب من تلك التوازنات التدافع الصامت بين القوى الوازنة في قلب أروبا نفسها، التي لن تقبل بسهولة أن تصبح مدريد سيدة القرار الوحيدة في غرب المتوسط، وبالإستتباع في كامل أروبا، من خلال تحكمها في كامل مضيق جبل طارق شماله وجنوبه.
الأيام دول. والمصالح تصنعها الجغرافية دوما. ذلك حظ المغرب وتلك فاتورته أيضا، التي قدره أن يؤديها دوما في دفاعه عن وجوده كأمة، كدولة وكبلد.