الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

حوار بيني وبين حفيدي: هذه شروط الاستجمام في بحر الله!!

حوار بيني وبين حفيدي: هذه شروط الاستجمام في بحر الله!! عبدالالاه حبيبي ينقل القارئ إلى بحر الله في سرد جميل وبليغ
سألني حفيدي عن يوم القيامة وهل لي معرفة به؛...كان معي في السيارة قاصدين مدرسته... القناة الإذاعية فيها صوت يرتل القرآن... أتذكر أن الآيات الكريمة كانت تتحدث عن القيامة وأهوالها...

أجبته أن معرفتي به لا تتجاوز ما أخبرنا به القرآن وما جاء به الأنبياء وسردته بعض السير والكتب السماوية.
صمت لحظة ثم أردف وكيف سيقف كل هؤلاء الناس الذين يعدون بالملايير أمام الله.
تلطفت، وبسطت، وحاولت أن أساعده على حل مشكلة كبيرة بالنسبة لسنه، ومن المخاطرة أن تقدم أجوبة غير مفكر فيها بدقة... يا ابني فحجم الخلق وعدد الناس ولو كان يحصى بالملايير، والكون بكل شساعته وعمقه الغامض اللامحدود، لا يعادل عظمة الخالق وقوته وعلمه وسلطانه.... يعني أن الله أكبر من هذا الكون لأنه هو الذي خلقه، فأحرى أن يجمع الناس في مكان ما وكأنهم ذرات رمل متراصة تنتظر السباحة أو الحرارة...

تبسم حفيدي حين وخزته كلمة بحر، وسارع لطرح سؤال آخر، والذين سيسبحون في بحر الله من سيكونون؟
الله أعلم بهم، لكن المعلوم لدى الناس المؤمنين أن هؤلاء هم الذين قضوا حياتهم يفعلون الخير والحق ويخلقون الجمال في الدنيا...
فاجأني برد مباشر، حتى ولو تركوا الصلاة والصيام؟؟؟؟

صراحة وجدت نفسي في إحراج كبير، لكن لنترك الحدس يشتغل، قلت له شرط السباحة في بحر الله هو أن تكون مؤمنا به أولا، لأنه لا يمكن أن تدخل حديقة لا تعرف صاحبها، هو الذي يمتلك مفتاح بابها، وهو الذي يأذن لك بزيارتها، كما نفعل حينما نذهب لزيارة حديقة الحيوانات، فكلك شغف لتكتشف  بأم عينيك وحوشا برية، وأنواع من الزواحف والطيور والأنعام، وكأنك تدخل لغابة استوائية قريبة من سكناك، لكن  عليك أن تلجها من مكان خاص، أي من باب الحديقة، حيث ستجد عليه حراس، سيطلبون منك تذكرة الدخول، لهذا عليك أن تذهب للشباك لاقتنائها، ثم ستفتح لك الأبواب وتجد نفسك في عالم آخر... يعني أن الرؤية والمتعة لهما ثمن… لهذا فالسباحة في بحر الله لها ثمن أيضا.

يبدو أن قصة الحديقة والبحر أعجبت كثيرا حفيدي، لأنه لم يتعود في مدرسته على مثل هذا التمثيل اللطيف، أو هذا التدليل المستقى من عالم اللعب والمتعة والاستجمام...وتابع يسألني...

ومن كان فقط مؤمنا ولم يكن يصلي ويفعل الخير، هل سيسمح له بالسباحة في بحر الله؟
انسجاما مع منطقي السباق، أجبته، لنعد إلى مثالنا الأول، أي لحظة الحصول على تذكرة الدخول، لكن الشخص المؤمن الذي لم يصل ولم يفعل الخير  وارتكب بعض الآثام والمحرمات، مثله مثل من يمتلك ثمن التذكرة لكن لم  يستطيع الحصول عليها، لأن المسؤولين عن الحديقة رأوا أن منظره الخارجي غير مهذب، وأن شكله يدعو للريبة والشك، لهذا تركوه يتجول أمام باب الحديقة دون دخولها، كان منظره محزن جدا، لأنه يمتلك الثمن لكن لا يتوفر على التذكرة، أي  يؤمن بالله فقط لكنه لم يكن يمتثل لأوامره،  لهذا سيظل ينتظر أن يحدث أمر ما يكون سببا لإقناع الحراس أو موظفي الشباك بتمكينه من التذكرة على غرار باقي الزوار.... في خضم هذا التوقيف، والإهمال والحرمان رغم أنه يمتلك شرط دخول الحديقة أي المال لكنه لا يتوفر على المتطلبات الأخرى. سوف يكتفي المسكين  باعتراض طريق الداخلين، من سيقرضه ثيابا مناسبة، ليقبله الحراس، كما سيلجأ لملأ وقت الانتظار بسؤال الخارجين من الزيارة مستفسرا إياهم عما شاهدوه من عجائب وما عاشوه من تجارب  غريبة وهم يكتشفون كل ما توفره الحديقة من حيوانات وطيور وزواحف وأماكن للاستراحة والأكل والاحتماء من أشعة الشمس وما إلى ذلك من متع...

كان حفيدي حزينا لمصير هذا المؤمن بالله الذي كان عمله في الدنيا ينقصه الامتثال للأوامر الإلهية... فتركت له الفرصة ليتفاعل مع الصورة السابقة، فجأة قفزت في ذهنه الفكرة المنتظرة، أو الحل المتوقع: وهل سيجد من يقرضه ثيابا، أو لباسا يناسب مقام الزيارة ويرفع عنه شبهة الريبة والتوجس؟؟؟

سريعا ربتت على كتفه ومسحت على رأسه، وقلت له، بعد مرور وقت طويل، وانتظار يوم كامل تحت أشعة الشمس الحارقة، وذهاب وإياب بين الحراس والشباك، وبين الزوار والخارجين من الزيارة، سيحضر رجل تبدو عليه علامات الاحترام والوقار، لعله من علية القوم، أو من أهل البلدة الطيبين، جاء رفقة أسرته في آخر اليوم لزيارة الحديقة، فجأة سيرى فيه صاحبنا  الحل الممكن لمأزقه، سيتقدم نحو بخطى مترددة، لكن الرجل الوقور، سيعرف من منظره أنه يعاني مشكلة ما، فيبادره بسؤال مباشر:

يبدو أنك محاصر بين رغبتك في دخول الحديقة على غرار أصحاب التذاكر، واستفسارك عن سر منعك من الحصول على تذكرة رغم توفرك على المال، والسبب هو  أنك لا تتوفر على المظهر المقبول والملامح الآمنة، لكن أنا سأتوسط لك عند أصحاب الشباك، لأني أعرفك، كنت أصادفك في الطريق دوما، وأحييك، لكن لم تكن ترد علي التحية، لأنك تحسبني متسولا أو فقط أبحث عن استدراجك للحديث  حتى أستولي على أموالك.... أو في ابسط الظروف أن أسرق من وقتك الثمين لحظات أدعوك فيها إلى أن تصلح أحوالك مع الناس وتتنازل عن كبريائك وغرورك وتنال رضا الله والناس معا...لكن رغم ذلك كنت أعرف أنك رجل طيب وتخاف الله لكن أنانيتك كنت هي عدوك الكبير...

قال حفيدي وهو يرق لحال المحاصر بين العذاب والمغفرة، وهل سيدخل أخيرا إلى بحر الله؟؟
نعم يا ابني، لقد كان ذلك الرجل هو شفيعه الذي بعثه الله كي يتوسط له، ويمنحه من حسنات المؤمنين ما به يسدد الديون، التي في حوزته، أي يحسن مظهره وأخلاقه، حتى يؤذن له بدخول بحر الله والسباحة فيه مع باقي المؤمنين الصالحين...
كانت السيارة قد توقفت قرب باب المدرسة، ومازحا قلت له سيطلبون منك جواز التلقيح، فأجابني ببديهة الأطفال، لم أصل بعد سن التلقيح، لهذا سأدخل المدرسة كما يدخل المؤمنون المتقون بحر الله...