الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

"الحرم يا رسول الله".. رائعة محمد بوزوبع الذي أخرج الأغنية الدينية من الروتينية

"الحرم يا رسول الله".. رائعة محمد بوزوبع الذي أخرج الأغنية الدينية من الروتينية الراحل محمد بوزوبع

حين بدأ الفنان المرحوم محمد بوزوبع تجربته الغنائية، بعد انقطاعه عن الدراسة، وهو في مقتبل العمر، ظل منشدا إلى تنشئته العائلية الأولى بالأحياء العتيقة. فالوالد، الذي كان يملك محلا لبيع الثوب كان أيضا فنانا أصيلا، وفي نفس الوقت كان مقدما للفرقة العيساوية، وفي بيته كانت تنتظم سهرات الطرب الشعبي الصوفي المستلهم من الأمداح النبوية والمرددات الشعبية ومن طرب الملحون وعيساوة. وفي هذا المناخ الوجداني والروحي شب بوزوبع ونما ليتكرس في بداية السبعينيات كأبرز فناني الملحون المغاربة. بعد أن أكد أيضا كفاءته كرئيس لجوق إذاعة فاس،  وكمدير لمعهد الملحون.

 

في تلك الفترة بالذات غنى «الحرم يا رسول لله»، ومعها العديد من الأغاني من نفس البعد الديني والصوفي نذكر في هذا الإطار أغنيتيه الأخريين «لا إله إلا لله كلمة عظيمة، اللهم صل على النبي بنقاسم». لكن أهم ما ميز أداء المرحوم بوزوبع سواء لأغنية «الحرم يا رسول لله» أو غيرها من الأغاني والأمداح النبوية، هو عمله على أن ينوع في الطرب الديني، ويخلصه من تلك الروتينية والجدية المفرطة التي تطبع عادة أداء الآخرين. في هذا الإطار يذكر مجايلوه وأصدقاؤه من الفنانين، كما في الحلقة التلفزيونية المميزة التي خصصت له من برنامج «في الذاكرة» سنة 2010، بأن فضلا كبيرا لبوزوبع في عصرنة الطرب الديني، وأيضا طرب الملحون. ومعه لأول مرة ظهر فنان هذا النوع وهو يغني واقفا، وبالبذلة العصرية، ومعه زالت الحدود حيث صار ممكنا تنظيم الحفلات العائلية بشكل مشترك بين الرجال والنساء.

 

أما كلمات وألحان هذه الأغنية فتعود إلى التراث الشعري المغاربي، إذ يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الثامن عشر الميلادي، حين أبدعها الشاعر الزجال محمد بن مسايب، شاعر كبير من تلمسان يروي عنه مؤرخوه بأنه عاش هناك حياة تحفل بكل التجارب والمحن والمغامرات. بدأ حياته نساجا ككل أعلام فن الملحون، ذاق مرارة الحياة الصعبة في ظل حكم الأتراك أيام سيطرة الإمبراطورية العثمانية الممتدة من إسطنبول إلى الحدود الغربية الجزائرية. جرب اللهو والطرب والعشق كما تسجل ذلك أغنيته الشهيرة «عيشة»، وقصيدته المشهورة المخصصة لمدح المتصوف الشيخ مولاي عبد القادر الجيلاني دفين بغداد «عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال علي». كما عاش ابن مسايب تجربة العبادة والتصوف، وزار الحجاز وبالمدينة المنورة كتب هذه القصيدة المنتمية أصلا إلى فن الملحون، والعاكسة لطبيعة سيرته الحياتية، العاطفية والتعبدية. وتقوم الكلمات على ثلاثة مستويات متداخلة من حيث الدلالات:

 

ـ الأول: مدح الرسول الكريم، والتغني بسيرته العطرة لما في ذلك من خير عميم، وراحة للقلب والنفس. فـ «مدح الرسول فيه كرايم و يزيد للقلوب نعايم» كما في القصيدة؛

ـ الثاني: الاعتراف بالموبقات والمعاصي التي ارتكبها الشاعر في شبابه. وفي هذا الإطار يعلن عن ندمه مما اقترفه طوال حياته.

يقول الشاعر صراحة:

"راني على أفعالي نادم ما درت باش نلقى لله/  ما تبت ما قريت اللازم إبليس غرني بهواه / إبليس غرني شيطني للشر والذنوب رماني".

- الثالث: يأتي تتويجا لما سبق، حيث يتقدم الشاعر بطلب الشفاعة من النبي (ص) طمعا في عفو لله، حيث يقول:

"الحرم جيت عندك قاصد يا صاحب الشفاعة الأمجد/  خوفي بزلتي نتمرمد يوم الوقوف عند لله/  عاري عليك يا محمد عار الغلام على مولاه".

 

وفي ختام القصيدة حرص الشاعر، كما هي عادة شيوخ الملحون، على توقيع شعره بإدراج اسمه ضمن ثنايا القصيدة، حيث يقول:

"اغفر لسامعين هذا النظام والوالدين ومن رباه/  محمد بن امسايب مدحك على الناس يفتخر باشكارك / في الخلد ديرنا جيرانك يا سعد من خدم مولاه"...

 

كلمات الأغنية

الحرم يا رسول لله الحرم يا حبيب لله

الحرم جيت عندك قاصد سيدي ويا حبيب لله

الحرم جيت عندك قاصد يا صاحب الشفاعة الأمجد

خوفي بزلتي نتمرمد يوم الوقوف عند لله

عاري عليك يا محمد عار الغلام على مولاه

عاري عليك يا بلقاسم يا صاحب اللواء والخاتم

راني على أفعالي نادم ما درت باش نلقى لله

ما تبت ما قريت اللازم إبليس غرني بهواه

إبليس غرني شيطني للشر والذنوب رماني

ضيعت في الغرور زماني والشيب للعذار كساه

ما فقت به حين كساني رأسي بغير مال شراه

ما فقت حتى لطمني شيبي واليوم خفت يظهر عيبي

روحي تعبتها في شبابي وجميع ما فعلت نراه

وما كتب علي ربي لابد كلته نلقاه

في نهار ينتهى اجلي لابد نلتقى بأعمالي

في القبر كيف يكون سؤالي راس المشوم يا ما أقواه

ربي برحمته يغفر لي فضله كثير نترجاه

صلوا على الرسول الهادي عين الوجود محمد

تاج الكرام سيد أسيادي سيدي و سيد خلق لله

مداح نمدحك بإنشادي حتى نصير نلقى لله

مداح نمدح العدناني بالقلب والعقل ولساني

مولوع به طول زماني ذكره في خاطري ما أحلاه

أحلى من العسل في لساني مدح النبي رسول لله

مدح الرسول فيه كرايم ويزيد للقلوب نعايم

أزكى الصلاة عليه وسلم واثني الرضى على من رضاه

اغفر لسامعين هذا النظام والوالدين ومن رباه

محمد بن امسايب مدحك على الناس يفتخر باشكارك

في الخلد ديرنا جيرانك يا سعد من خدم مولاه

(....)