الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد أكدال: ضواحي المدن المغربية وغياب المقاربة السوسيو مجالية في التدبير الحضري

سعيد أكدال: ضواحي المدن المغربية وغياب المقاربة السوسيو مجالية في التدبير الحضري سعيد أكدال
إن من بين الانعكاسات المجالية للمدن المعاصرة ذلك التغير السريع لضواحيها. فكبريات المدن العالمية بالدول الغربية كما بالدول النامية أصبحت تواجه على حد سواء العديد من المعضلات الناتجة عن التمدد اللا متناهي لمداراتها الحضرية، معضلات اجتماعية واقتصادية ومجالية وتدبيرية.
وقد بادرت بعض المدن العالمية الكبرى باحتواء هذا المشكل بعد أن تبين أن الإهمال الذي تعرضت له أطراف المدن كان السبب في إحداث قلاقل اجتماعية وانتفاضات متكررة. وما وقع ولا زال يقع لخير دليل على القصور الذي يميز التدبير الحضري وما يقتضيه من إعادة النظر في التعامل مع الوضع تماشيا مع التحولات السوسيو مجالية السريعة.
والمدن المغربية هي بدورها راحت اليوم تصطدم بالمشكل ذاته. فقد أكدت أحداث يونيو 1981 و16 ماي 2003 على ضرورة الاهتمام بالأحياء الواقعة عند أطراف المدن. غير أن انتباه السلطات المحلية ظل منحصرا في المقاربة الأمنية، كما ظلت الجماعات الترابية تتعامل مع المسألة بنوع من اللامبالاة.
فمن المؤسف أن الأجهزة المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي بكبريات الحواضر المغربية لا تزال مستمرة في عدم تبني سياسة حضرية واضحة المعالم تعطي فيها الأولوية للضواحي التي تطورت مجاليا واجتماعيا.
فالتمدد الجغرافي الذي شهدته هذه الضواحي كان على حساب الأراضي الفلاحية الواقعة عند الهوامش. وهو تمدد استمر دون توقف منذ الاستقلال وفق وتيرة سريعة جدا وحجم مرتفع، نتيجة للضغط الديمغرافي وتزايد المضاربات العقارية.
وإذا كانت مدينة الدار البيضاء أكثر المدن المغربية توسعا، فإن مدن مثل مراكش وفاس وسلا والرباط وطنجة لم تسلم من درجة التمدد نفسها. فمثلا مدينة فاس التي لم تكن مساحتها تتجاوز 4000 هكتار في
سنة 1960، أصبحت تعادل 000 13 هكتار. أما بالنسبة لمدينة مراكش فإن مدارها الحضري انتقل من 700 3هكتار في سنة 1989 إلى حوالي 000 23 هكتار.
وقد تم هذا التطور في غياب تام لسياسات حضرية تتبنى مقاربة مجالية تعطى فيها الأولوية للضواحي. فما يلاحظ من خلال تدبير الشأن المحلي بمختلف الجماعات الترابية بالمغرب هو أن التعامل مع الأحياء الواقعة عند أطراف المدن يتم بالأسلوب نفسه الذي يتم اعتماده بالنسبة لباقي الأحياء.
فوثيقة الميزانية وحساب النفقات بالجماعات لا تبرز أبدا المقاربة المجالية. فمن خلال قراءة للاعتمادات المالية المرصودة لا يظهر أي اهتمام بالأطراف الهامشية للمدن. ففي المدن الكبرى ذات نظام المقاطعات يتم توزيع المنح المرصودة اعتمادا على الحجم الديمغرافي لمختلف المقاطعات المكونة لكل جماعة دون اعتبار للخصوصيات التي تميز المقاطعات الواقعة بهوامش المدن (المادة 246 من القانون التنظيمي 113.14). وهذا التعامل يقتضي إعادة النظر فيه لأنه تعامل جائر ولا يتأتى من خلاله مواجهة المعضلات التي تعاني منها الضواحي.
فمنذ الاستقلال ظلت ضواحي المدن المغربية تتطور بشكل غير مراقب وغير منظم وفي غياب لسياسات حضرية فعلية. كما أنه أمام الضغط الديمغرافي الكبير تفاحشت المضاربات العقارية وتناسلت المشاريع السكنية، وخاصة تلك المتعلقة بالسكن الاقتصادي. مما حول الضواحي إلى أحياء منامات « cités dortoires »، وشجع على تنامي السكن غير اللائق وتزايد الأحياء الناقصة التجهيز، وذلك في ظل شبه انعدام للتجهيزات العمومية المرافقة والبنيات التحتية الضرورية.
وكثيرا ما شكل هذا التطور غير المخطط له عبئا ثقيلا على مجالس المقاطعات بالمدن الكبرى وعلى ميزانيتها التي غالبا ما كان يخصص القسط الأوفر منها لتدارك الخصاص الحاصل من حيث مرافق القرب ومن حيث البنيات التحتية.
وخلاصة القول إن مواجهة قضايا تدبير الشأن المحلي على مستوى هامش المدن يقتضي مرافقة المقاربة الأمنية بسياسات ضاحوية واضحة المعالم تترجم مظاهرها من خلال وثائق الميزانيات ومن خلال مخططات التنمية المحلية وتصاميم التهيئة بعيدا عن الخطابات السياسية المتجاوزة.
ولا بأس أن نذكر في هذا المقام أن تجارب بعض المدن العالمية قد أبانت عن جدواها وبرهنت على فعالية المقاربة السوسيو مجالية بضواحي المدن وما لها من دور إيجابي في تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية المحلية.
وليس من العيب إذن الاستفادة من هذه التجارب وتبني أسلوب مماثل يعاد صياغته وتكييفه ثم يطبق على مدننا التي تتغير باستمرار. إذ لم يعد من المقبول التمادي في النظر إلى الضواحي على أنها مجالات كل مظاهر التهميش وكل الظواهر الاجتماعية السلبية. وتغيير تلك النظرة السيئة وإعادة الاعتبار للضواحي يعد مطلبا ملحا وآن الأوان لابتكار أسلوب تدبير كفيل بتجاوز الوضعية الراهنة قبل أن يشتد تفاقمها وتعقدها وتغدو من القضايا التي يعجز المسؤولون عن معالجتها.