الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

وداعا أيها الحكيم.. السفير السنوسي

وداعا أيها الحكيم.. السفير السنوسي عبد الرحيم أريري
لم يكن الدبلوماسي الراحل أحمد السنوسي ( 92 عاما) الذي غادرنا بعد سنوات من المعاناة مع المرض، في منزله صباح الاثنين 11 أكتوبر 2021، شخصا عاديا يمكن اختزال خبر نعيه في تعزية ومواساة ببضعة سطور. بل يستحق رفع القبعة لمحارب في الدبلوماسية المغربية عاصر عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان يمسك بقبضة من حديد قبل تقاعده بملف الصحراء المغربية، لمّا كان ممثلا للمغرب لدى الأمم المتحدة. السنوسي لم يكن دبلومسيا فقط، بل كان «حكيما» و«فنانا» في التواصل، يحسن الإصغاء، يرتب حديثه بالمسطرة، ويتكلم بالشوكة والسكين، لذا كنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» نطرق بيت «الحكيم» السنوسي، فيفتح لنا الباب على مصراعيه، يصغي حين نطرح السؤال، ويجيب بإسهاب وسلاسة تشبع فضولنا.
بعد «غياب» أحمد السنوسي، أحسسنا داخل أسرة «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» بيتم فادح إلى رجل ذهب وأغلق معه «بيت الحكمة»، و«مستشارا» كنا في هيأة التحرير نستأنس بآرائه، كما الشهادة أسفله التي سبق أن خصنا بها في حوار مطول..
وداعا أيها «الحكيم» السنوسي.. إلى جنّة الخلد:
 
بعد وقوع معركة أمغالا عام 1976 وإلحاق هزيمة نكراء بالجيش الجزائري من طرف القوات المسلحة الملكية، تم أسر أزيد من 100 جندي جزائري.
وكنت آنذاك من المرافقين الخاصين لصاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني، ولما تناهى إلى علمه خبر الهجوم الجزائري على أمغالا غضب كثيرا وانزعج بقوة. وبعد توالي الأخبار حول انتصارات الجيش الملكي وتحكمه في الميدان، توصل الحسن الثاني بمكالمة هاتفية من كل من الملك خالد عاهل السعودية ومن الرئيس أنور السادات رئيس مصر، يشفعان عنده ليفك الأسر عن الجزائريين ويعجل بطي الملف مخافة الفضيحة بالجزائر. وأوفد الملك خالد ولي العهد فهد، في حين أرسل أنور السادات نائبه حسني مبارك. وإذ ركزت على هذين القائدين، فلأني كنت مكلفا من طرف المرحوم الحسن الثاني باستقبال مبعوثيهما بمطار فاس صحبة الجنيرال مولاي حفيظ.
وبالفعل استقبل صاحب الجلالة كلا من فهد وحسني مبارك وأخبرهما الحسن الثاني بحيثيات الاعتداء وكيف تنكرت الجزائر لتعهداتها وتصريحاتها في القمة العربية حينما قال بومدين في المؤتمر إنه لن يتدخل في قضية الصحراء. بعد ذلك توجها إلى الجزائر لملاقاة الرئيس بومدين، وعادا في نفس اليوم إلى فاس ليخبرا الملك الحسن الثاني بأن الرئيس الجزائري يتعهد بألا يتدخل إطلاقا في الصحراء، وبأنه يطلب الإفراج عن الجنود الجزائريين الذين أسرتهم وحدات الجيش الملكي.
ونظرا لبعد نظر الحسن الثاني ووساطة رئيسي دولتين كبيرتين وهما السعودية ومصر، استجاب الملك لطلبهما وتم إيقاف الحرب وأفرج المغرب في ما بعد عن الأسرى. لكن الغدر الكبير الذي قامت به الجزائر بعد هزيمتها في أمغالا الأولى هو تنكرها لما التزمت به أمام شهود مصر والسعودية، فتم التخطيط لهجوم غادر من طرف الجيش الجزائري من جديد على أمغالا بعد مرور شهر تقريبا، في الوقت الذي لم تكن الوحدات العسكرية المغربية بأمغالا في حالة تأهب واستنفار كبير، بحكم أن الجزائر طلبت وساطة دول أجنبية وتعهدت أمامها بألا تتدخل من جديد، فقتلت جزءا وأسرت جزءا آخر من المغاربة ظلوا في معتقلات الجزائر طوال 25 سنة، وهو ما يبين أن العلاقة مع الجزائر تهيمن عليها روح الكراهية والحقد من طرف مسؤوليها تجاه المغرب. خاصة وأن هناك طبعا غريبا لدى الحكام الجزائريين، وهو الطبع الذي يتحكم في مواقفهم وسياساتهم، قد أسميه الكبرياء المتعجرف أو عدم القبول بالهزيمة والفشل، بدليل أنهم لم ينسوا هزيمة أخرى ألحقتها بهم القوات المسلحة الملكية عام 1963 المعروفة بحرب الرمال. إذ في هذه الحرب كان بإمكان المغرب إذلال الجزائر بمنطقة حاسي بيضا، واتصل الجنيرال إدريس بنعمر بالحسن الثاني ليقول له: «la route est libre vers alger» (أي الطريق سالكة نحو الجزائر العاصمة)، ومع ذلك لم يختر المرحوم الحسن الثاني هذا الاختيار، لأن فلسفته كانت ترتكز على الحكمة والتبصر.