الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني: هذه حقيقة اختطاف طائرة الخطوط الملكية وعلى متنها زعماء الثورة الجزائرية ( الحلقة 4 )

مذكرات امحمد التوزاني: هذه حقيقة اختطاف طائرة الخطوط الملكية وعلى متنها زعماء الثورة الجزائرية ( الحلقة 4 ) الملك الراحل محمد الخامس يتوسط أحمد بن بلة (يمينا) وامحمد التوزاني رفقة المناضل الاتحادي امبارك المتوكل (يسارا)
المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا، من بينه خالد ( بتسكين اللام ) وحسن..صديق الروائي والقاص والصحفي الفسلطيني غسان كنفاني ورفيق درب المناضل الاتحادي المرحوم الفقيه البصري.
 ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..
التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاضل الناصري وأحمد الخراص.
التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تاهلة ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.
ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..
"أنفاس بريس"  تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...

السي امحمد بعد نقلك لتازة ومقابلتك مع أحمد بنقليلو ماذا حصل ؟
 
طبعا استمر التعذيب على غرار ما وقع بأكنول وما سيحدث بعدها بفاس، فالجلاد لا يتقن سوى مهنة الجلد، و إن انتهى التعذيب ينتهي دوره، فهناك الآلاف من موظفي وأعوان الدولة على طول خريطة المغرب الحبيب يقتاتون ويراكمون الثروات من خلال تقوية الدولة البوليسية وإخافة رأس الدولة من المعارضة الاتحادية. لقد استمر التعذيب بقسوة وبنفس الأساليب التي تمت بأكنول.
 
و كم قضيت بكوميسارية تازة؟
 
قضيت بها بضعة أيام كما بأكنول، ولم أكن أتوقع أن أنقل لمكان آخر،  ولعلمك فإنني وإلى حدود اليوم لما أزور مسقط رأسي بتازة تنهال علي تلك الذكريات السيئة، لقد كانت تلك الفترة بدائرة الأمن بتازة أول مرة أعرف فيها ما يسمى ب    " البوليس السياسي" تحت إشراف حدو، و لن أنسى أبدا تلك الكوميسارية المشؤومة التي لازالت موجودة الى اليوم.
منذ زمن التعذيب الذي عانيت منه أصبحت تبدو لي تازة و كأنها أطلال، و لولى كونها مسقط رأسي و لي بها بعض الذكريات الجميلة خلال فترة الطفولة لكرهتها إلى الأبد.
إنها مدينتي الأصل التي اشتد بها عودي و كنت أحبها و أريد أن تصبح عروس المدن المغربية وكان حلمي أن أخدمها .
لقد كنت أقول لجلادي أريد أن أعرف بأي ذنب أعذب ؟  ما الذي قمت به كي يكون مصيري جهنم بالدنيا قبل الآخرة ؟ 
قولوا لي لماذا أنا هنا ؟ كيف تطرحون علي سؤال أين هو السلاح مع أنني أكرهه، و أكره أي مهنة بها حمل سلاح، فأنا لا أملك سلاحا و لم أرى سلاحا، ولم يسبق لي أن حملته، و لم أفكر بحمله أو امتلاكه أبدا.
 
ونحن بصدد إعداد الحلقة الثالثة من مذكراتك ذرفت دموعا، فكيف تصف لنا شعورك في تلك اللحظة ؟
 
لقد تذكرت التظاهرات التي سبق أن نظمناها بتازة على إثر اختطاف الطائرة التي تحمل القادة الخمسة للثورة الجزائرية من طرف فرنسا وهم أحمد بن بلة وحسين أيت أحمد ومحمد بوضياف ومحمد خضير ومصطفى الأشرف وكان معهم عشرة من الصحفيين حين كانوا متوجهين الى تونس. لقد أحسسنا و كأننا كمغاربة خنا الثورة الجزائرية بينما نحن داعميها و المساهمين فيها،  وأعتقد أن توقيع المغرب لإتفاقية " إكس ليبان "، هو نوع من التجاوز لتفاهمات أخلاقية كانت بين قادة جيش التحرير المغربي و قادة جبهة التحرير الجزائرية. كانت "الخيانة" الأولى من تونس، لتصل العدوى بعد ذلك الى المغرب.
 
اسمح لي أن أغتنم فرصة طرحك لحادث قرصنة طائرة الخطوط الجوية الملكية من طرف دولة فرنسا وهي تحمل قادة الثورة الجزائرية، ما حقيقة ما يشاع بخصوص تورط المغرب في تسهيل مأمورية اختطاف القادة الجزائريين ؟
 
لقد كان الملك محمد الخامس يختلف في سياساته عن ولي العهد الحسن الثاني الى حد كبير، و كان الأخير هو من أسقط حكومة عبد الله ابراهيم، وفي حكاية اختطاف الطائرة تبين فيما بعد أن المخابرات الفرنسية بالرباط كانت تشتغل على الموضوع، و الحسن الثاني هو من ألح على والده محمد الخامس بأن لا يركب نفس الطائرة مع القادة الجزائريين، مؤكدا لوالده أنه باعتباره ملكا يجب أن تبقى مكانته أرفع ولأسباب بروتوكولية يجب عليه أن يستقل طائرة خاصة، وذاك ما كان، و النتيجة هي وصول المخابرات الفرنسية لتحقيق هدفها.
 
لنعد إلى ذكريات الاعتقال بالدائرة الأمنية بتازة،هل يمكن أن توضح لي الفرق بين ظروف الاعتقال بقيادة أكنول وكوميسارية تازة؟
 
الفرق المسجل بهذا الخصوص هو أن الجلادون بأكنول كانوا هم " الحجاج " بينما بتازة كان البوليس السري، و كنا نعرفهم لأنهم يقطنون بمدينتا، وأغلبهم ٱت من شرق المغرب، لقد سبق وتعاملنا معهم باعتبارهم موظفين، ولم تكن لنا معهم أية عداوة، بل كنا نجالسهم و نؤدي قهوتهم، وندعوهم لحضور أفراحنا، وكنا نحبهم ونحترمهم، لكن ذلك لم يثمر أي شيء لما كنا تحت سلطتهم بالمعتقل، كم هو غريب هذا النوع من البشر؟  كم هم عديمي الضمير والإنسانية وناكرين للجميل، لقد تعاملنا معهم كإخوة مغاربة وهم تعاملوا معنا كوحوش مفترسة، و بادلوا حبنا السابق بحقد دفين..لقد أصبحنا بعد ممارساتهم بدائرة الشرطة بتازة نكرههم ونحتقرهم.
 
يقال أن جلاديكم بتازة كانوا يهزؤون منكم،  كيف ذلك ؟
 
كانوا يهينوننا و يعروننا ووصلت بهم حقارتهم إلى السخرية من خصلات شعر عاناتنا، وخصوصا أنا.
 
أشرت في بداية الحلقة إلى نقلكم بعدها إلى فاس، ألم يكن التحقيق بأكنول و تازة كاف ؟
 
إنها إرادة الجلاد، وهكذا رأى أن تكون مراحل التحقيق، فحين لم نعترف بأكنول نقلنا لتازة وحين لم نعترف مرة أخرى نقلنا لفاس.
 
بأكنول كان التحقيق من طرف " الحجاج " و بتازة من طرف البوليس السري وبفاس كان من طرف " الحجاج " وكان البوليس السري يتابع و يراقب الوضع، في حين كان رجال الشرطة بلباسهم الرسمي عمليا أعوان خدمة لدى " الحجاج"، لقد كانوا يذهبون بنا الى المراحيض تحت الحراسة، وكان والي الأمن آنذاك هو القدميري.. كان هو الآمر الناهي، وكان شخصا مزهوا بنفسه، ومختالا يتبختر في مشيته حسب ما يخيل إلينا ونحن معصوبي الأعين، لقد كان يتصرف وكأنه  " رب فاس " ..إنه الجلاد الأكبر بجهة فاس.