الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

هنا في أمغالا..المعركة التي أذل فيها المغرب عسكر الجزائر !

هنا في أمغالا..المعركة التي أذل فيها المغرب عسكر الجزائر ! صورة مركبة لعبد الرحيم أريري في موقع معركة أمغالا ونواة مركز أمغالا المشيد على طريق السمارة العيون
أمغالا، بلدة تقع على بعد 76 كلم جنوب السمارة وقرب الحدود مع موريتانيا. وترمز أمغالا إلى إحدى أهم المعارك الخالدة في سجل القوات المسلحة الملكية، لكونها تكشف عقيدة الغدر المترسخة لدى عصابة الجزائر. 
فبمجرد تنظيم المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975، التي بفضلها استرجع المغرب صحراءه، وجلاء آخر جندي إسباني من الصحراء يوم 3 دجنبر 1975، حتى تحركت الآلة العسكرية الجزائرية وقادت غارة عسكرية ضد المغرب في بلدة أمغالا التي شهدت معارك ضارية بين المغرب والجزائر طوال ثلاثة أيام (27-29 يناير 1976)، بغرض تمكين ميليشيات البوليساريو من السيطرة على كامل  الشريط الممتد من السمارة إلى العيون. 
المغرب لم يتردد لحظة، وأرسل وحدة عسكرية يقودها الكولونيل بنعثمان، الذي أطر كومندو يقوده القبطان لحبيب حبوها (والد عامل إقليم بركان الحالي محمد حبوها)، لصد عدوان الجزائر الغادر.، وهو ما توفقت فيه القوات المسلحة الملكية، حيث ألحقت هزيمة نكراء بالجيش الجزائري الذي تورط بضباطه وعتاده في هذه المعركة الخالدة في سجل جيش المغرب.
وفي هذه المعركة  أسر المغرب حوالي 100 جندي وضابط جزائري.
وحسب ما حكاه لي أحمد السنوسي، السفير المغربي بالأمم المتحدة سابقا، في حوار مطول نشر بأسبوعية "الوطن الآن"، وبموقع "أنفاس بريس"، يوم 3 دجنبر 2020، فإن الملك المرحوم الحسن الثاني،  لما تناهى إلى علمه خبر الهجوم الجزائري على أمغالا غضب كثيرا وانزعج بقوة. وبعد توالي الأخبار حول انتصارات الجيش الملكي وتحكمه في الميدان، توصل الحسن الثاني بمكالمة هاتفية من كل من الملك خالد عاهل السعودية ومن الرئيس أنور السادات رئيس مصر، يشفعان عنده ليفك الأسر عن الجزائريين ويعجل بطي الملف مخافة الفضيحة بالجزائر. وأوفد الملك خالد ولي العهد فهد، في حين أرسل أنور السادات نائبه حسني مبارك. 
وإذ ركز السفير السنوسي على هذين القائدين، فلأنه كان مكلفا من طرف المرحوم الحسن الثاني باستقبال مبعوثيهما بمطار فاس صحبة الجنيرال مولاي حفيظ. 
وبالفعل استقبل الحسن الثاني كلا من فهد وحسني مبارك، وأخبرهما الملك بحيثيات الاعتداء وكيف تنكرت الجزائر لتعهداتها وتصريحاتها في القمة العربية حينما قال الرئيس الجزائري بومدين في المؤتمر إنه لن يتدخل في قضية الصحراء. بعد ذلك توجها إلى الجزائر لملاقاة بومدين، وعادا في نفس اليوم إلى فاس ليخبرا الملك الحسن الثاني بأن الرئيس الجزائري يتعهد بألا يتدخل إطلاقا في الصحراء، وبأنه يطلب الإفراج عن الجنود الجزائريين الذين أسرتهم وحدات القوات المسلحة الملكية.
ونظرا لبعد نظر الحسن الثاني ووساطة رئيسي دولتين كبيرتين وهما السعودية ومصر، استجاب الملك لطلبهما، وتم إيقاف الحرب، وأفرج المغرب في ما بعد عن الأسرى الجزائريين. 
لكن الغدر الكبير الذي قامت به الجزائر بعد هزيمتها في معركة أمغالا الأولى، هو تنكرها لما التزمت به أمام شهود مصر والسعودية، فتم التخطيط لهجوم غادر من طرف الجيش الجزائري من جديد على بلدة أمغالا بعد مرور شهر تقريبا ( فبراير 1976)، في الوقت الذي لم تكن الوحدات العسكرية المغربية بأمغالا في حالة تأهب واستنفار كبير، بحكم أن الجزائر طلبت وساطة دول أجنبية وتعهدت أمامها بألا تتدخل من جديد، فقتلت جزءا وأسرت جزءا آخر من المغاربة ظلوا في معتقلات تندوف بالجزائر طوال 25 سنة. وهذا يبين أن العلاقة مع الجزائر تهيمن عليها روح الكراهية والحقد والغدر من طرف عصابة عسكرها تجاه المغرب. خاصة وأن هناك طبعا غريبا لدى أفراد العصابة الجزائرية، وهو الطبع الذي يتحكم في مواقفهم وسياساتهم، قد نسميه الكبرياء المتعجرف أو عدم القبول بالهزيمة والفشل، بدليل أنهم لم ينسوا هزيمة أخرى ألحقتها بهم القوات المسلحة الملكية عام 1963 المعروفة بحرب الرمال. إذ في هذه الحرب كان بإمكان المغرب إذلال الجزائر بمنطقة حاسي بيضا، واتصل الجنيرال إدريس بنعمر بالحسن الثاني ليقول له: «la route est libre vers alger» (أي الطريق سالكة نحو الجزائر العاصمة)، ومع ذلك لم يختر المرحوم الحسن الثاني هذا الاختيار، لأن فلسفته كانت ترتكز على الحكمة والتبصر.
وإذا كانت حرب الرمال ( 1963)، قد أظهرت للمغرب الدروس الواجب استخلاصها من عثرات النشأة، فإن حرب "أمغالا" قادت المغرب إلى استخلاص الدروس من عثرات الثقة المبالغ فيها نحو العدو الجزائري، خاصة وأن "أمغالا" تبعد عن الحدود الجزائرية بحوالي 380 كيلومترا (A vol d'oisea).
فمعظم الضباط الكبار بالقوات المسلحة الملكية حاربوا في الفيتنام والهند الصينية وحاربوا في أوربا وفي الأراضي الغابوية وفي السهول، ولم يتصارعوا في الصحراء الشاسعة المنبسطة، مما جعل الجيش المغربي أمام تكتيك جديد لم يسبق أن تمرن عليه من قبل، فضلا عن سياسة الألغام التي باشرتها الجزائر والبوليساريو المدعومتين آنذاك من طرف ليبيا، الأمر الذي أيقظ الشرارة الأولى لإيجاد تكتيك مضاد لتأمين الحدود المغربية من جهة الجزائر، ومن جهة موريتانيا في ما بعد، فكان أن أثمر هذا المخاض عن التفكير الجنيني لبناء الجدار الأمني لتأمين التجمعات الحضرية والمنشآت الاقتصادية، وهو المخاض الذي قاد المرحوم الحسن الثاني في إحدى المناسبات عام 1980 إلى القول إن المغرب أصبح سيد الميدان عسكريا بالصحراء، وهي السنة التي كانت المنطلق الرئيسي لتعزيز المكاسب التي أدت إلى تحكم عسكري مغربي بالمطلق في الصحراء، توج بأن أعلنت ليبيا عام 1984 عن تخليها عن دعم البوليساريو والجزائر في حرب الصحراء بعدما بدأ يتبين لها أن كل الأموال التي كانت تغدقها لإنهاك المغرب عسكريا لم تؤت بأي نتيجة، وقاد الجزائر في ما بعد إلى المطالبة بوقف إطلاق النار عام 1991بعدما أغلقت القوات المسلحة الملكية بإحكام كل المنافذ التي يمكن أن تتسرب منها الوحدات المعادية للمغرب، أكانت جزائرية أو تابعة للبوليساريو. كما كان من حسنات حرب "أمغالا" تفطّن المغرب لوجوب تحسين أدائه الجوي لمراقبة شساعة الصحراء عبر اقتناء طائرات عسكرية جديدة، ليس لسحق الجزائر في حالة ما إذا هجمت مرة ثانية على المغرب فحسب، بل لاقتناء طائرات الاستطلاع والنقل لتأمين تنقل الجنود بسرعة والقيام بالمسح الجوي لتأمين مرور القوات البرية أو مطاردة جنود الجزائر والبوليساريو كذلك.
موازاة مع ذلك، تم إحداث مطارات عسكرية في العيون وإنزكان (ثم مطار بالداخلة بعد استرجاعها عام 1979)، إذ كان لهذه المطارات أدوار هامة على المستوى اللوجستيكي والحربي، خاصة بعدما اتخذ قرار بجعل أكادير مقرا للقيادة الجنوبية لإدارة العمليات العسكرية بالصحراء، علما بأن الطيران العسكري هو الذي ساعد الكولونيل بنعثمان قائد وحدة السمارة على سحق الجزائريين في "أمغالا". ومن حسنات هذه الحرب أيضا أن فرق الهندسة العسكرية المغربية اكتسبت خبرة عالية في الأحزمة، وما يتطلبه الأمر من رادارات وأجهزة إلكترونية وأجهزة خاصة بالدفاع والقدرة على إدارة عشرات الآلاف من الجنود في تنسيق متناغم.