الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: أخلاق وحكمة المغرب أكبر من رد فعل الأشقاء...

يونس التايب: أخلاق وحكمة المغرب أكبر من رد فعل الأشقاء... يونس التايب

بعد ثمان وأربعين ساعة على تعبير المملكة المغربية عن استعدادها لوضع إمكاناتها رهن إشارة السلطات الجزائرية، لدعم جهود إخماد الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس في عدة مناطق، يتأكد أن التفاعل الجزائري سيكون، مرة أخرى، سلبيا مع مبادرة تجسد عمق القناعة التي عبر عنها جلالة الملك، في خطاب العرش الأخير، بقوله لأشقائنا أن "ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا".

 

صراحة، كنت أمني النفس، في هذا الموضوع بالضبط، أن تتغلب الحكمة على منطق "النيف"، لأننا بصدد وضع إنساني لا يحتمل الغرور والحسابات الصغيرة، بل يستدعي التحرك العاجل لإنقاذ الأرواح. لكن، يبدو أن للدولة الجزائرية حساباتها، وهي مصرة على رفض اليد الممدودة من المغرب، في مقابل قبول أي دعم يأتي من أي جهة أخرى غير الجار الغربي.

 

بالتأكيد، ما يجري هو استمرار للمنطق الغالب، منذ يوم 31 يوليوز، حيث لم ترد أية إشارة إيجابية تبين أن رسائل المغرب تصل و يتم استيعابها. في حين شاهدنا توالي التصريحات والتدوينات البئيسة، والمقالات الصحفية الأكثر بؤسا، لجهات لا ترى مصلحتها في تحسين العلاقات مع المغرب. وهو ما يبرر مشروعية إحساسنا بالتشاؤم حيال قدرة الدولة الجزائرية على تجاوز "عقدة" المغرب، والتقاط اللحظة التاريخية وما تتيحه الأيادي البيضاء الممدودة نحوها من خير.

 

في هذا السياق، كان لافتا للانتباه، الحديث عن وجوب تقديم المغرب "الاعتذار" عن أخطائه في حق الجزائر. وقد جعلني ذلك الأمر، أتساءل عن القصد من ذلك الكلام. هل علينا نعتذر للجزائريين على أنهم يسلحون ميليشيات انفصالية، منذ سنة 1975، ليقتلوا بها أبناءنا في الصحراء المغربية؟ أم نعتذر لأن الجزائر شجعت محاولات انقلابية تخريبية ببلادنا، في بداية السبعينيات؟ أم نعتذر لأن الرئيس الجزائري "بوخروبة" قام، سنة 1975، بتجريد حوالي 45.000 أسرة مغربية من كل ممتلكاتها، ورمى بأفرادها على الحدود بين المغرب والجزائر، صبيحة يوم عيد الأضحى؟

 

بشأن ماذا يجب أن نعتذر بالضبط؟ هل نعتذر لأن إرهابيين من أصول جزائرية، تورطوا في تفجيرات فندق أطلس أسني بمراكش سنة 1994؟ أم نعتذر لأن الديبلوماسية الجزائرية "ناضلت" في منظمة الوحدة الإفريقية كي يتم القبول بكيان انفصالي، وهمي لا وجود له في جغرافيا القارة، يهدد الوحدة الترابية للمملكة تحت مسمى "الجمهورية الصحراوية"؟ أم لكون الجزائر ظلت، لأكثر من 45 سنة، تصرف ملايين الدولارات من أجل تمويل حملات تحريضية ضد المغرب، عبر عدد من وسائل الإعلام والمنظمات الدولية؟ أم، ربما، علينا أن نعتذر عن الكم الهائل من الإساءات غير المسبوقة، التي تنشرها الصحف والمواقع الإلكترونية الجزائرية، للتهجم على المملكة المغربية و على رموزها ومؤسساتها؟

 

من يا ترى عليه الاعتذار ممن؟ ومن يجب أن يستحي من نفسه، أمام التاريخ وأمام شعبي البلدين الشقيقين، بسبب ما فعله ومازال يفعله من إعاقة للتعاون والتنمية؟

 

على كل حال، رغم أن من عليه الاعتذار معروف بشكل لا غبار عليه، إلا أن بلادنا لم تطلب الاعتذار ولا تنتظره من أحد، لأن يقيننا هو أن المستقبل تصنعه العزائم المتعالية على الأخطاء وهفوات الماضي، وأن الثقة تبنيها الأخلاق الأصيلة التي تجسدها المملكة المغربية عبر دعواتها للتعاون والتقدم إلى الأمام، واستمرار المبادرات التضامنية المغربية كلما نزلت المصائب بالأشقاء الجزائريين.

 

وأظن أن الحكمة هي أن نستمر بنفس الروح، ولا ندع تصريحات الرئيس الجزائري في حواره التلفزي، وما قاله في خطابه عن الحرائق المندلعة، تعزز التشاؤم وتغلق باب الأمل. بل المطلوب هو التزام الثقة في النفس في كتاباتنا وتفاعلاتنا، دون الانجرار للرد على سجالات استفزازية جزائرية لا فائدة فيها. ومسؤوليتنا كسياسيين وكتاب رأي و مؤثرين مغاربة، كبيرة في هذا الباب. وهي تقتضي منا السمو في التعاطي مع ما يمس الشعب الجزائري الشقيق والتضامن معه في مآسيه. من جهة، لأن الوضع الإنساني الدقيق الذي أحدثته الحرائق والخسائر في الأرواح يلزمنا أخلاقيا بذلك. ومن جهة أخرى، لسنا نحن من يقبل السقوط في نفس المستنقع اللاأخلاقي الذي سقط فيه كثير من المتحدثين من الضفة الأخرى، الذين ينشرون ما تريده جهات تحمل الشر وتضغط على الدولة الجزائرية كي لا ترد بشكل إيجابي على المبادرات المغربية.

 

سيبقى موقفنا الحكيم والأخلاقي هو الأهم. وسيسجل التاريخ، ومعه كل الضمائر الحية في الجزائر، أن ملكنا هو من جسد الحكمة من خلال تقديم رؤية واضحة لتصحيح الوضع المختل في العلاقة المغربية الجزائرية، وهو من سعى إلى إعادة الأمور لما يجب أن تكون عليه، خدمة لتنمية وتطور بلدينا. لذلك، سنستمر في اعتزازنا بسمو الأخلاق والحكمة التي تميز قيادة بلادنا، ولن نتأسف أكثر من اللازم على رد فعل الأشقاء، لأنه مرهون بتجاذبات خاصة لا مسؤولية لنا عنها، لأننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية للأشقاء ولا نحرض ضدهم، بل نؤمن أن "أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره".

 

بدون شك، سنكتب ما نعتقد فيه نفعا لوطننا، أولا، وما فيه تعزيز لقيم الأخوة مع أشقائنا، طالما لم يتم التطاول على وطننا وثوابتنا ورموزنا. وسنطلب الحفظ والسلامة للشعب الجزائري، وأن يتغلب على هذه الحرائق المهولة التي تدمي القلوب. وسنظل متفائلين بالمستقبل، نترقب فتح الحدود الذي ستفرضه تحديات جيوستراتيجية قادمة، ونرحب بإخواننا الجزائريين ليروا واقع دولة مغربية تتقدم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتسعى للاندماج الاقتصادي وتحقيق التنمية والسلم لشعوب محيطها الجهوي والقاري، على عكس ما تروجه بروباغاندا الإعلام الجزائري عن "عدو" تمت صناعة الوهم بشأنه، لصرف الأنظار عن وضع داخلي يسوده التخبط بشكل لا يسر عدوا ولا صديقا...