الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مراد جدي: عن حضور اليهود المغاربة بمنطقة الريف ودورهم في استقلال المغرب

مراد جدي: عن حضور اليهود المغاربة بمنطقة الريف ودورهم في استقلال المغرب مراد جدي

نص دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على الاعتراف بمكانة الرافد العبري/ اليهودي إلى جانب بقية مكونات وروافد الهوية المغربية: العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والإفريقية والأندلسية، والمتوسطية في صقل هذه الهوية، كما أكد على صيانة تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية المغربية. وقد أولت الدراسات التاريخية والاجتماعية في العقود الأخيرة اهتماما متزايدا لتاريخ المكون اليهودي وتراثه عبر مختلف حقب تاريخ المغرب وفي مختلف مجالاته الحضارية، مما أنتج فروعا عديدة للدراسات العبرية واليهودية في حقول التاريخ والأنثروبولوجيا ومقارنة الأديان والفلسفة واللغات وغيرها.

 

وفي هذا الصدد تأتي هذه المقالة لتنير جوانب من تاريخ حضور اليهود المغاربة بمنطقة الريف وتكشف عن محطات من إسهامهم في الكفاح من أجل الاستقلال وتحرير المغرب. وقد جاءت هذه الدراسة لتغطي فراغا ملحوظا حول الأبحاث والدراسات حول يهود منطقة الريف بشمال المغرب على غرار باقي الجهات، كما أنها تسلط الضوء للمرة الأولى، ربما حسب اطلاعنا، على دور المكون اليهودي في الكفاح من أجل الاستقلال وتحرير المغرب من خلال شهادات شفوية نادرة.

 

تعتمد هذه المقالة على مقاربة تاريخية جديدة تقوم على الجمع بين التاريخ المدون والتاريخ الشفوي، بحيث تساير مستجدات البحث التاريخي المرتكز إلى توسيع مفهوم الوثيقة، ومن جهة أخرى تبرز جوانب من التاريخ الاجتماعي والثقافي للمكون اليهودي بمنطقة الريف المغربية، مما يسهم في الكشف عن مناحي خفية من تاريخ التعايش والتسامح بين هذا المكون والأغلبية المسلمة بالمغرب الأقصى.

 

وقد جاءت المقالة في محورين، خصص الأول منها لتناول حضور اليهود المغاربة بمنطقة الريف عبر التاريخ، فيما تطرق الثاني لمسألة دور اليهود المغاربة بالريف في الكفاح من أجل الاستقلال وتحرير المغرب.

 

1- حضور اليهود المغاربة بمنطقة الريف عبر التاريخ

تؤكد المصادر التاريخية والدراسات الإثنوغرافية وكذا الرواية الشفوية استمرار وجود كتلة بشرية يهودية وسط قبائل منطقة الريف إلى غاية منتصف القرن العشرين، لكن لا تسعفنا هذه المصادر في تحديد تاريخ بداية وجود اليهود في مجال الدراسة وأعدادهم وأثرهم، وأما ما هو شبه مؤكد فهو أن غالبية اليهود بالمنطقة من أصل محلي اعتنقوا اليهودية على يد العبرانيين المهاجرين من فلسطين، ثم تعززت هذه الكتلة باليهود المطرودين من الأندلس.

 

ويعتبر حاييم الزعفراني "اليهود أول شعب غير بربري (أمازيغي) جاء إلى المغرب واستمر في العيش إلى اليوم"، ويرى أنجلو غريلي "أن السواد الأعظم من عبرانيي جهة الشمال المغربي ينتمون إلى العنصر اليهودي البربري، ويمكن اعتبارهم خلفا للبربر الذين اعتنقوا اليهودية على يد اليهود المهاجرين من فلسطين بعد تخريب الرومان لهيكل القدس". بينما يرى بعض الباحثين أن وصول أولى المجموعات اليهودية إلى إفريقيا الشمالية كان في حدود العام 320 ق.م عندما قام اليونانيون بنفي مائة ألف يهودي، ثم نقلوهم خارج أرض فلسطين، فحطوا رحالهم في قرطاجة، كذلك تحركوا إلى الغرب مخلفين وراءهم آثارا في فولوبيليس (وليلي). ووصلت أيضا مجموعة ثانية منهم إلى المغرب بعد العام 150 ق.م، وذلك هربا من الاضطهاد الذي لحق بهم في كورينيكيا، أي ليبيا الحديثة، واستقر هؤلاء في الريف المغربي وجبال الأطلس. وكذلك يوجد مجموعة أخرى تركت فلسطين بعد ثورة اليهود سنة 135م، وفيما بعد توافد المزيد من اليهود من إسبانيا ومن مناطق أخرى من أوربا بسبب المراسيم الإمبراطورية التعسفية.

 

أما خلال الفترة الإسلامية فقد وجدت بمنطقة الريف كتل يهودية مهمة، إذ ذكر البكري أن الباب الجنوبي لمدينة نكور يسمى "باب اليهود"، ولهذا لا يستبعد أن يكون لهم داخل المدينة حي خاص. وقد تعايشت هذه الكتلة في ظل جو التسامح السائد بين المكونات الاجتماعية للمدينة، وساهمت في حركة التبادل التجاري التي ازدهرت بالمنطقة. وخلال ق 10هـ/ 16م أشار الوزان إلى وجود "زقاق طويل يسكنه اليهود" في بادس، بينما ذكر كربخال مرمول أنه وجد قديما بالمدينة "أكثر من مائة منزل لليهود"، ويرى بول باسكون (Paul Pascon) أن هذه المجموعة من اليهود ترجع إلى هجرة يهود الأندلس إلى المنطقة هربا من الاضطهاد الاسباني.

 

ويمكن تصنيف اليهود الذين عاشوا بالمنطقة إلى أربع مجموعات:

ـ الزناتيون المعتنقون للديانة اليهودية، ومنهم قبائل جراوة، التي امتدت على طول ساحل بطوية من كبدانة إلى قلعية.

ـ اليهود الذين طردوا من الأندلس مع المسلمين، ونزلوا بمرافئ مليلة وغساسة وهورك وبادس وتمسمان.

ـ اليهود الذين ساندوا الثائر بوحمارة من فاس ودبدو، ومن أبرزهم داوود بن حيدة الذي مكنه بوحمارة من مركزه، ويهود مليلة الذين كان منهم كثير من خواصه ومستشاريه.

 ـ يهود مرحلة الحماية، الذين وفدوا على المنطقة من تازة ودبدو والدار البيضاء وإسبانيا والجزائر، وتمركزت نسبة كبيرة منهم بمليلية.

 

2- دور اليهود المغاربة بالريف في الكفاح من أجل الاستقلال وتحرير المغرب

نستقصي معطيات هذا المحور من شهادة شفوية فردية لأحد المنتسبين للمقاومة وجيش التحرير، ويتعلق الأمر بالسيد عبد الرحمن السعليتي اتروكاستي بن القايد علال القاطن بميضار، حامل لصفة مقاوم بموجب بطاقة رقم 517137 مزداد سنة 1938. وقد تم تسجيل هذه الشهادة يوم 12 مارس 2021 بحضور أخيه السيد خالد السعليتي المزداد سنة 1961 والقاطن بالحي الإداري ميضار، وهو فاعل سياسي وجمعوي بالمنطقة ومهتم بالبحث في تاريخ المقاومة وجيش التحرير وتجميع شهادات ووثائق أفراد هذه العائلة، والتي أسهمت بمجهود كبير في حركة المقاومة وجيش التحرير والأحداث السياسية للاستقلال. ونشير في هذا الصدد إلى أننا كنا نراجع مع صاحب الشهادة وبحضور أخيه السيد خالد المعلومات الواردة فيها خلال لقاءات متعددة للتأكد من ثبات الرواية، وهو ما أكد لنا بأن الراوي يتمتع بذاكرة قوية تتعلق باستحضار دقائق تفاصيل الأحداث وأسماء الأعلام والأماكن والحوارات بين الأفراد.

 

يأتي هذا المحور على شكل مقالة سردية، بذلت فيها مجهودا لإعادة بناء الحبكة وفق نهج موضوعاتي بدل الطريقة الارتجاعية في سرد الأحداث، ومما وجبت الإشارة إليه أن الشهادة الأصلية جاءت مفككة الأحداث ومتداخلة المعلومات، لذلك قمت بإعادة بنائها وفق قالب سردي موضوعاتي. ومن جهة أخرى لم تتح الفرصة لمراجعة هذه المعطيات في شهادات أخرى أو مصادر ومراجع محلية أو أجنبية، لكن العديد من المعطيات الواردة في هذه الشهادة وتاريخ العائلة في المقاومة والكفاح تشهد له كتابات عديدة حول المقاومة وجيش التحرير وأرشيف العائلة من الصور والوثائق التي اطلعنا على بعضها، ونرجو أن تأتي المناسبة لنشر هذا الأرشيف.

 

جذور هذه الفئة من اليهود المغاربة والتعريف بهم:

يتعلق الأمر بمجموعة من اليهود المغاربة التي كانت مستقرة بمنطقة ميضار في قبيلة أيث توزين، ويعود استقرارها بهذه المنطقة إلى قرون عديدة كما تؤكد العديد من الروايات الشفوية والأعلام الطوبونيمية. وقد ازداد معظم أفراد هذه المجموعة بأَذْشارْ تَوَسَّرْتْ، وذلك قبل نزوحهم إلى الناظور ثم مليلية خلال فترة الحماية الاسبانية.

وقد عاشوا في وئام وسلام مع الأغلبية المسلمة خلال حياتهم بالمنطقة، إذ تقدم لهم العشور من قبل المسلمين، وحظوا بتضامن من الأهالي خلال مجاعة الأربعينات. وتزوج بعض علماء المنطقة أمثال عبد السلام أُمَقْرين من بعض بناتهم اللواتي اخترن اعتناق الإسلام، كما تمسك هؤلاء اليهود بعادات وتقاليد المنطقة في مختلف جوانب حياتهم واحتفالاتهم، وظلت روابطهم قوية بموطن الازدياد إلى فترات قريبة. وقد اشتغلوا بالتجارة والحرف التقليدية والفلاحة خلال حضورهم بالمنطقة، ولما انتقلوا إلى مليلية كونوا ثروات ضخمة، وظلت علاقتهم متينة بأهالي المنطقة وكبرى العائلات فيها أمثال عائلة السعليتي، وهو ما أهلهم للعب أدوار مهمة في حركة المقاومة وجيش التحرير خلال خمسينات القرن العشرين.

 

تتكون المجموعة موضع هذه الشهادة من عدد محدد من الأفراد، وردت أسمائهم كالتالي:

إسحاق: هو رئيس الطائفة اليهودية بمليلية والريف خلال الفترة موضوع الشهادة، لا يعرف موضع ازدياده، لكنه من أبناء عمومة المجموعة الواردة أسماؤها. وقد كان تاجرا ثريا وشخصية نافذة لدى اليهود المغاربة وسلطات الحماية الاسبانية، وهو كما وصفه جلالة الملك الراحل المغفور له محمد الخامس بأنه رجل وطني، وكان له اليد الطولى في دعم المقاومة وجيش التحرير.

امْرِيدَخْ: ازداد في دار سليمان امبوبقوق بميضار، ولما توفيت والدته نقلها إلى مليلية لتدفن في المقبرة اليهودية هناك، وقد عمل صائغا. وخلف العديد من الأبناء، وهم يوسف، ونونة وقد كانت تأتي إلى جماعة ميضار من فلسطين لأخذ عقد الازدياد إلى حدود السبعينات من القرن العشرين، وشالوم وكلهم ازدادوا بميضار.

ليهوذا: كان يقطن بادشار، وقد خلف موشيتو الذي تزوج امرأة تدعى مَزَّالْطو وكانت لهذه الأسرة علاقة وثيقة بالقايد علال، إذ أن موشيتو هو من أبناء عمومة إسحاق. وكان يستقبلهم القايد علال بعين الشفاء أو كما تدعى محليا "ثَسْثَاثَثْ"، والذي كانت منتجعا سياحيا منذ الاستقلال إلى ثمانينات القرن العشرين قبل أن تتدهور وضعيتها، كما كان يحضر القايد علال أفراحهم ومناسباتهم.

ليشَعْ: كان حرفيا في صناعة مركوب الدواب، وظل بعد انتقاله إلى مليلية على علاقة وثيقة بالمنطقة وقدم مساعدات مهمة للمقاومة.

مسعود: ازداد بدار سليمان ن بوباقوق، وتولى رئاسة الغرفة التجارية بمليلية وكان على تواصل مع عائلة السعليتي، حيث كان يقطن بأحد أحياء مليلية القديمة.

 

علاقة القايد علال السعليتي بهذه المجموعة من اليهود المغاربة:

جاء ارتباط القايد علال بهذه المجموعة انطلاقا من معطيين أساسيين: أولهما أنهم كانوا جيران أسرته بادشار تَوَسَّرْتْ، إذ ازداد معظم بميضار، وكانت لهم علاقة وثيقة بهذه الأسرة النافذة وذات الباع في المقاومة مع الشريف محمد أمزيان ومع محمد بن عبد الكريم الخطابي وصولا إلى حقبة جيش التحرير. وثانيهما يتأسس على روابط مهنية، إذ كان القايد علال تاجرا بارزا بين اسبانيا ومختلف مناطق المغرب الشمالي خاصة تطوان وطنجة، وكون في مليلية صداقات عديدة مع التجار الإسبان واليهود. وقد استغل القايد علال مختلف ارتباطاته الاجتماعية والمهنية في توفير شروط ووسائل المقاومة منذ انضمامه لحزب الإصلاح الوطني سنة 1942، ثم تعززت فعالية مساهمته في المقاومة بعد التحاق عدد من نشطاء الداخل بمنطقة الناظور، وكان أولهم بنعبد الله الوكوتي، قبل أن يلتحق به عباس لمساعدي وعبد الله الصنهاجي.

 

كما عرف عن القايد علال إلمام باللغة الإسبانية بشكل جيد إلى جانب معرفته المتوسطة باللغة العبرية، ولذلك كان موضع ثقة يهود المنطقة واحترامهم، وكان على صلة اجتماعية وثيقة بهم بحيث كانت الاستضافات المتبادلة مسألة عادية بين الطرفين.

 

وسطاء في خدمة المقاومة وجيش التحرير:

أسهم العديد من الأشخاص في خدمة أهداف المقاومة وجيش التحرير خلال خمسينات القرن العشرين، وبالضبط سنة 1955، منهم مجندون وضباط في القوات الإسبانية المعروفة بـ "الريغولاريس"، ونازحون مغاربة إلى مليلية، وأصدقاء المغرب من الإسبان، ومن هذه الفئة ورد في الشهادة:

موح اميمون القلعي: ضابط بالجيش الإسباني، عمل مترجما لدى الإسبان منذ سنة 1916 وحضر واقعة مقتل بولخريف التوزاني على يد المقاومين الريفيين. وترقى في مراتب الجندية الإسبانية إلى درجة ضابط، وتزوج من اسبانية اعتنقت الإسلام، كما تصاهر معه القايد علال إذ أن الزوجة الثانية للقايد هي أخت موح اميمون، وقد كان واسطة الاتصال بين يهود مليلية والقايد علال وباقي نخبة المقاومة وجيش التحرير.

المكناسي: بائع اسفنج بأحد أحياء مليلية، كان دكانه مخزنا للسلاح الذي يبيعه الجنود الإسبان للمقاومين، وأغلب هذا السلاح يعود إلى ما تمت مصادرته من سلاح المقاومة الريفية خلال فترة الشريف محمد أمزيان ومحمد بن عبد الكريم الخطابي. وكان موح اميمون يؤمن خروج هذا السلاح من مليلية إلى الناظور بمساعدة البوليس الأهلي وخاصة القبطانين إدريس ومرقوش.

الصيدلي الإسباني أروميرو Aromero  وكان صديقا للقايد علال، ويزود المقاومة بالأدوية والمال.

الطبيب دون خيسوس أوخيدا Don jésus Ojeda وكان له أفضال في دعم المقاومة.

 

دوافع اليهود المغاربة بمليلية والريف وإسهاماتهم في المقاومة وجيش التحرير:

تمثلت دوافع هذه المجموعة في تعلقها بالعرش العلوي المجيد وارتباطها المتين بوطنها الأم، وقد شهد جلالة الملك الراحل المغفور له محمد الخامس لرئيس الطائفة اليهودية بمليلية إسحاق بالوطنية الصادقة، إذ قدمه القايد علال أثناء زيارة الملك الراحل للناظور بتاريخ 15 / 07 / 1956 وعرفه بإسهاماته في المقاومة ودعم جيش التحرير، فأثنى عليه الملك الراحل، وقال إنه: مغربي، ولذلك فعل ذلك.

 

وهو ما كان يؤكده إسحاق بأن دافعه للمشاركة يتجلى في التعلق بالعرش العلوي والرغبة في عودة الملك من منفاه، وكان يشارك بعد حصول المغرب على استقلاله في الاحتفالات والمناسبات الوطنية. وقد سعى القايد علال إلى استصدار بطائق المقاومة لهم، لكنهم رفضوا ذلك متعللين بأن مشاركتهم كانت خدمة للعرش والوطن، ولا يرمون من ورائها إلى أي مغنم أو مكسب.

 

بدأت هذه المساعدات منذ سنة 1954 واستمرت إلى حصول المغرب على الاستقلال، وشملت مساعدات مالية وعينية من سلاح ومؤن ومعدات وغيرها. وكان إسحاق يرافق تلك الحمولات حتى تمر من مليلية إلى الناظور، ويؤمن وصولها إلى أيدي المقاومين بالناظور باستخدام وسائل النقل العمومي خاصة الطاكسيات. ثم يواصل القايد علال مهمة نقل تلك الحمولات من الناظور عبر مراحل مختلفة وباستخدام طرق فرعية حتى تصل إلى داره بميضار عبر الدواب، حيث تمكث يومين، ثم يتم نقلها من طرف القايد علال وابنه صاحب الشهادة الحاج عبد الرحمن وعباس لمساعدي وابن أخ القايد علال محمد المعروف بقيشوح والقايد امحمد أبلعيز، حيث يسلكون ممر بوغنجا الترابي في الليل تخفيا عن الأعين. وتكونت الحمولة موضوع الشهادة من سبع دواب، حيث قطعوا حوالي عشرين كيلومتر، ثم اختبأوا بأحد المساجد قرب تلامغايت للابتعاد عن مراقبة الثكنة العسكرية الاسبانية بالمنطقة. وكان يتم التواصل مع أحد المقاومين هناك، ويدعى محمد ن موح أشلحي، وهو الذي يتكلف بإيواء المقاومين والسلاح في منزله، وبعدها يواصلون المسير مع الفجر إلى منطقة تدعى "أَيارْ إِمَجَّنْ"، ويحمل السلاح على ظهور المقاومين (مثلا تولى القايد علال حمولة من ستين بندقية إلى درجة شلت معها يداه لثقل الحمولة)، ويتم إيصاله إلى دار موح ن اعمار أشهبون حيث يتم تخزينه، ومنها يحمل عبر سيارة خاصة إلى المقاومين باجزناية، ثم يستمر نقله عبر الأيدي، حيث توزع الأسلحة والمؤن ومختلف المعدات على نقاط المقاومة، وكان صاحب هذه الشهادة من المشاركين في هذه العمليات، ثم يعودون إلى ميضار عبر طاكسي محمد اعاشور.

وبهذا نكون قد أنهينا معظم المعلومات الواردة في هذه الشهادة، حيث تم الجمع بين سرد الأحداث وتأويلها انطلاقا من قراءة اجتماعية وثقافية للحدث في إطاره التاريخي العام.

 

خاتمة

يتبين لنا مما سبق إيراده أن الحضور اليهودي بمنطقة الريف وإسهامات اليهود المغاربة في المقاومة وتحرير المغرب لم يكن أمرا طارئا أو مؤقتا بحقبة معينة، بل كان منغرسا في جذور التربة المغربية حيث ساد التسامح والتعايش لقرون طويلة بين المكون اليهودي والأغلبية المسلمة رغم حصول بعض الحوادث العارضة في مراحل محددة، حيث كان يمر المغرب بأزمات سياسية أو اجتماعية، لكنها حوادث محدودة في الزمان والمكان، أما الأمر المعتاد فسمته الوئام والسلام. ومن جهة أخرى فإن معالم الخصوصية المغربية حاضرة بقوة في حياة اليهود المغاربة بمنطقة الريف وأدوارهم المختلفة، كما برزت بشكل جلي في أواصرهم وعلاقاتهم بأبناء المنطقة وأسرها، وذلك حتى بعد هجرتهم إلى مليلية والبلدان الأوربية.

 

وتأتي هذه المقالة المختصرة لتكشف بعض النقاط المعتمة في تاريخ اليهود المغاربة بمنطقة الريف خلال الأمد الطويل لحضورهم بها، مركزين بالخصوص على حقبة المقاومة والكفاح من أجل الاستقلال. ونرجو أن يفتح هذا العمل بوابة للتفكير في إنجاز بحوث موسعة حول الموضوع، وعلى الأخص استقصاء الأرشيف الإسباني الذي قد يحمل العديد من المعطيات الغائبة عنا من هذا التاريخ...

 

مراد جدي، باحث في التراث الثقافي والتنمية (علم الاجتماع) كلية الآداب والعلوم الإنسانية - وجدة