الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: خُرافة الصداقة بين الدول

أحمد الحطاب: خُرافة الصداقة بين الدول أحمد الحطاب
أولا، يجب التَّذكيرُ بأن عالمَ السياسة مرتكزٌ وجودُه أساسا على النفاق وتصارع المصالح. بمعنى أن الدولَ، حينما تتعامل فيما بينها، تضع في ميزان التَّعامل مصالحَها الشخصية، أي تتصرَّفُ على شاكلة ما هو معمول به في عالم الاقتصاد: رابح-رابح .(gagnant-gagnant). .
في هذا الصَّدد، لا داعيَ للقول أن مبدأَ رابح-رابح، غالبا ما يكون غير مُنصِفٍ، أي أن مصلحة جهةٍ تتمُّ على حساب مصلحة الجهة الأخرى وخصوصا عندما يحصُل التَّعامل بين دولة أو دول قوية وأخرى ضعيفة. حينها، تصبح الدول الضعيفة لقمةً سائغةً يتم التَّحكُّمُ فيها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. بل إن الدولَ الضعيفةَ تفقد سيادتَها وبالتالي، يصبح مصيرُها في يد الغير.
وهنا، لا بدَّ من الإشارة إلى أن كلَّ ما يُتبجَّحُ به من مباديء إنسانية، على مستوى العديد من المنابر الدولية وعلى رأسها الأمم المتَّحدة، من تعاون وصداقة وتسامح وتفاهم وتآزر ومساواة وحقوق الشعوب وحل المشكلات… لا يصمد أمام أنانية الدول ومصالحها الأساسية. وخصوصا أمام الدول القوية التي تتحكَّمُ في مصير العالم. وخير مثال يمكن سِياقُه فيما يخصُّ أنانيةَ الدول، هو ما يحدث حاليا من تقلُّبات مناخية تُتوَّجُ بفيضاناتٍ مُهوِلة وكارثية و من حرائق تقضي على مساحات شاسعة من الغابات. تقلُّبات ناتِجة عن إطلاق كميات هائلة من الغازات التي تتسبَّبُ في الاحتباس الحراري. فالمؤتمرات والاتفاقيات والوعود أبانت عن عدم جدولها أمام صدارة مصالح الدول.
ولهذا، حينما نتحدَّث عن الصداقة في عالم السياسة، فيجب أن نُدركَ أنها صداقةٌ ملغومة، أي أن هذه الصداقة قد تتحوَّل، بين عشيةٍ وضُحاها، إلى عداوة بسبب عدم توازن المصالح وخصوصا المصالح العليا مثل السيادة والوحدة الترابية واستقلال اتخاذ القرار... وهذا هو ما حدث مثلا بين المغرب وإسبانيا وبين المغرب وألمانيا.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، إن مسألةَ الصداقة بين الدول تجب مقاربتُها بشيء من التَّبصُّر والتَّأنِّي لأنها قابلة للانهيار من لحظة إلى أخرى. فما تراه دولةٌ ما مصلحةً من مصالحها، قد تراه الدولة الشريكة إضراراً بمصلحتِها أو مصالحِها.
ولهذا، نرى أحيانا بعضَ المفاوضات والمُعاهدات والاتفاقيات تستغرق وقتا طويلا سعيا إلى إيجاد حل وسطٍ أو حلولٍ وسطية.
إن عالمَ السياسة عالمٌ معقَّدٌ ومُركَّبٌ. مٌعقَّد من جراء تشابكِ مُكوِّناته ومركَّب بحُكم المرتبة والمكان اللذان تضع فيهما كل دولة على حِدة مُكوِّنات هذا التَّشابك. تشابكٌ لا يدركُه إلا السياسيون المُحنَّكون، العارفون بخبايا السياسة والتواءاتها ومُنعطفاتها… تشابكٌ يتطلَّب من السياسي اللجوءَ إلى تحليلات وتركيبات وتقُاطُعات واستشرافات…
وهذا هو ما يجعل عالمَ السياسة عالماً سريع التَّقلُّبات وتغيير الوِجهات. لماذا؟ لأنه، كما قلتُ أعلاه، عالم مبني على النِّفاق وتصارع المصالح. فمن كان بالأمس صديقا يمكن أن يصبحَ غدا خَصما أو عدوّاً والعكس صحيح.
وما حدث، من جهة، بين المغرب وألمانيا، ومن جهة أخرى، بين المغرب وإسبانيا، يدخل في هذا الإطار. إن بلادنا، بحكم ما حدثَ فيها من تطوُّرٍ على المستويات الاقتصادي والصناعي والسياسي/الدِّبلوماسي وبحكم انفتاحها على القارة الأفريقية اقتصاديا وتنمويا وبحًكم تنويع شُركائها الاقتصاديين والسياسيين، أصبحت تُزعِجُ بعض دول الجوار والشمال. دولُ أصبحت ترى في المغرب خصماً يهدِّد سيادتَها وهيمنتَها (مصالحَها) على الصعيد الاقتصادي الإقليمي.
في هذا الصدد، عالمُ السياسة واضحٌ وضوح الشمس إذ يقول : "اليوم، أنتَ صديقي و إذا أردتَ أن تستمرَّ صداقتُنا، فلا تضع رجلَك فيما لا أرخِّصُ لك به".
في عالم السياسة، ما يُسمَّى بالصداقة بين الدول" ليس إلا خُرافة لأن هذه الصداقة مُعرَّضة للهشاشة نظرا لتصارع المصالح. ولا أظن أن بلدا ما مستعِدٌّ للتَّحلي عن مصالحه إلا إذا كان ضعيفا أو مغلوبا على أمرِه.
وهذا لا يعني على الإطلاق أن الصداقةَ بين الدول لا مزايا لها. لا، أبدا. فإذا كانت الصداقة بين الدول متينةً ومبنيةً على تفاهم متبادل، قد تُساهم مثلا في تقدُّم الطرفين أو في قيام السلام العالمي أو في توطيد التبادل الثقافي بينهما...