Friday 23 May 2025
خارج الحدود

حسن الخطابي: "الزلزال السياسي" السعودي تثبيت لركائز الدولة أم لركائز الحكم؟!

حسن الخطابي: "الزلزال السياسي" السعودي تثبيت لركائز الدولة أم لركائز الحكم؟!

تعيش المملكة السعودية هذه الايام على وقع زلزال سياسي غير مسبوق، بعد أن تم بأمر من الملك سلمان بن عبد العزيز توقيف مجموعة من أمراء ووزراء ومسؤولين ورجال أعمال على خلفية قضايا فساد وأخرى تتعلق باستغلال السلطة، وغسل الأموال.. وفي هذا الإطار اتصلت "أنفاس بريس" بالدكتور حسن الخطابي، أستاذ القانون والعلاقات الدولية بكلية الحقوق جامعة الحسن الأول بسطات، لمعرفة قراءته لمغزى وأبعاد هذه الرجة، فاعد الورقة التالية :

"ما تعرفه المملكة السعودية من أحداث، اصطلح على تسميتها بــ "الزلزال السياسي"، ليست سوى ارتداد لظاهرة "الربيع العربي"، التي بدأت مع سقوط نظام بنعلي التونسي في مطلع سنة 2011، وانتشرت في باقي أرجاء العالم العربي.. فهي ليست بمنأى عن هذه الظاهرة. وإذا كان تملك المملكة لموارد مالية مرتفعة قد أتاح لها إيجاد حلول مؤقتة لبعض من مشاكلها الاجتماعية، بتكلفة مالية بلغت 129 ملياردولار، والمحافظة على استقرارها في بيئة إقليمية مضطربة، مقارنة مع الدول الأكبر في المشرق العربي كالعراق وسورية ومصر، إلا أن هذا الاستقرار يبقى مؤقتا مالم تواكبه إصلاحات سياسية ودستورية جذرية .

وفي هذا الإطار شكل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لجنة لمكافحة الفساد، أسند رئاستها إلى نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجرى تكليفها بـمهمة "حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام". ومنحها صلاحيات "التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيا كانت صفتها، والحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال".

وهكذا جرى اعتقال 11 أميرا و38 وزيرا ونائب وزير، من بينهم وزير الحرس الوطني الأمير متعب، النجل الأكبر للملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، ورجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال، وأمير منطقة الرياض السابق تركي بن عبد الله، ووليد الإبراهيم صاحب مؤسسة إم بي سي التلفزيونية، ومن الوزراء وزير المالية السابق إبراهيم العساف، ووزير الاقتصاد عادل فقيه، بالإضافة إلى رجال أعمال منهم صاحب قنوات "إي آر تي" الشيخ صالح كامل وبكر بن لادن وعمر الدباغ، وقد أضفت هيئة كبار العلماء بالسعودية الشرعية الدينية على هذه الاعتقالات.

هناك من يرى بأن موجة الاعتقالات والإقالات هذه تدخل ضمن سياق بدأ مع تولية محمد بن سلمان ولاية العهد، وضمن "رؤية 2030″ التي يقدم نفسه من خلالها كإصلاحي مستنير، ورجل التحول الذي يسعى إلى تحديث المجتمع السعودي، وتنقية الحقل الاقتصادي من الفاسدين، وإعادة تشكيل النظام السياسي عبر تقليص نفوذ "هيئة كبار العلماء"، وتحييد عدد كبير من علماء الدين والشيوخ المتشددين، والانفتاح على الفنون التي كانت تعتبر من البدع المحرمة .

وهناك من يرى أن محمد بن سلمان هو صاحب هذه المبادرة، التي يسعى من ورائها إلى القضاء على المعارضين لحكمه، في المحيط العائلي والاقتصادي والديني. فبالعودة إلى لائحة المعتقلين والمقالين يظهر أنها شملت أبرز رجال الحكم داخل العائلة الحاكمة السعودية، وبأن الأمير محمد يسعى إلى إحكام قبضته على الأسرة الحاكمة والجيش والحرس الوطني لمواجهة أي معارضة محتملة لإصلاحاته داخل هذه المؤسسات.. وفي هذا السياق اعتبرت الأستاذة الجامعية السعودية، مضاوي الرشيد، ما حصل تصفية لأمراء قد ينافسون محمد بن سلمان، وأن إيقاف بعض الوزراء ليس سوى تغطية وتمويها .

وكيفما كانت التفسيرات التي أعطيت لهذه الاعتقالات والإقالات فإن الإصلاحات السياسية والدستورية تبقى ضرورية بالنسبة للمملكة السعودية، تفوق في أهميتها الإصلاحات الاقتصادية، وخاصّة المالية، فالزيادة في الأجور مثلا تفقد أثرها بسرعة بفعل عامل التضخم. في حين أن الإصلاحات السياسية والدستورية هي القمينة بوضع أسس دائمة للدولة، وتعزيز متانة مؤسّساتها، وتوفير الاستقرار السياسي الذي تحتاجه المملكة في المرحلة الحالية" .