Thursday 22 May 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: قطر والجزائر بين دعم الفصائل وتهميش الشرعية: وساطة أم تورط؟

بنسعيد الركيبي: قطر والجزائر بين دعم الفصائل وتهميش الشرعية: وساطة أم تورط؟ بنسعيد الركيبي
في عالم تسوده الأزمات الممتدة، تظهر بعض الدول كلاعبين رئيسيين في ملفات حساسة ليس بغرض الوساطة الحيادية بل عبر رعاية أطراف غير رسمية والتدخل المالي والإعلامي والسياسي لصالحها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الدور القطري في دعم حركة حماس في غزة والدور الجزائري في دعم جبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية.
 
تقدم قطر نفسها كوسيط في النزاع بين إسرائيل وحماس، لكنها في الواقع تتجاوز الشرعية الفلسطينية الممثلة في السلطة الوطنية، من خلال دعمها المباشر لحماس سياسيا وماليا وتفاوضها باسم غزة دون تنسيق مع القيادة الفلسطينية المعترف بها دوليا. والأخطر من ذلك، هو أن هذا الدعم لا يقتصر على التمويل، بل يشمل تسخير الآلة الإعلامية القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة لتوفير منابر دائمة لحركة حماس، واستضافة رموزها وترويج خطابها، ما يمنح قطر تأثيرا يتجاوز الوساطة إلى التأثير على الرأي العام العربي والدولي. وهذا السلوك يتنافى مع أبسط شروط الوساطة النزيهة. لأن الوسيط الذي يهمش الطرف الشرعي ويتجاوز القانون الدولي الذي يعترف بالسلطة الفلسطينية، كممثل وحيد للشعب الفلسطيني لا يمكن اعتباره وسيطا جديا ولا جديرا بالاحترام في أعين المجتمع الدولي.
 
في موازاة ذلك تدعم الجزائر جبهة البوليساريو دعما سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا كاملا، وتحتضنها فوق اراضيها. وتعترف بما يسمى بالجمهورية الصحراوية في تجاهل واضح للمرجعيات الدولية التي تدعو إلى حل تفاوضي واقعي ومتوافق عليه.  والأخطر في الموقف الجزائري، هو أنه يرافق هذا الدعم بتصعيد إعلامي ودبلوماسي حاد ضد المغرب، شمل قطع العلاقات وإغلاق الحدود وشن حملات ممنهجة في المحافل الدولية، وهو ما يجعل من الجزائر طرفا منخرطا في النزاع لا وسيطا نزيها ولا حتى مفاوضا موثوقا. وعليه فإن رفض الجزائر الجلوس على طاولة الحوار، بدعوى أنها ليست طرفا يتناقض مع واقع دعمها الشامل والمتعدد الأبعاد للبوليساريو ويفرغ الخطاب الجزائري من المصداقية.
 
وبالرغم من اختلاف السياقات الجغرافية والايديولوجية، إلا أن هناك تقاطعات جوهرية في الدورين القطري والجزائري يجسدها توظيف الدعم المالي والإعلامي، لصالح كيان غير معترف به، في  تجاوز فاضح للمرجعيات القانونية الدولية في إدارة النزاع وتقويض فرص الحل التفاوضي الحقيقي عبر تهميش الأطراف الشرعية. ليتحول البلدان من فاعل داعم إلى طرف مباشر في النزاع سياسيا وإعلاميا.
 
وفي بعد لا يقل خطورة تمارس كل من قطر والجزائر ازدواجية صارخة في الخطاب والسلوك الداخلي، فقطر التي تملأ شاشاتها بشعارات مقاومة التطبيع وتجييش الشعوب العربية ضد حكوماتها، لم تشهد يوما نزولا شعبيا واحدا في شوارعها تضامنا مع غزة. بل اكتفى شعبها بمتابعة الأحداث عبر قناة الجزيرة. أما الجزائر التي تفتخر بموقفها الثابت من القضية الفلسطينية، فإنها تمنع التظاهر الشعبي وتضيق على حرية التعبير ، ولا تسمح لشعبها بأن يجسد موقفه المعلن بالتظاهر أو الإحتجاج حتى في القضايا المصيرية.
 
وحين ينتقد مسؤولو البلدين موجات "التطبيع الحكومي" في بعض البلدان العربية، فإنهم لا يتورعون عن ممارسة أشكالا من التطبيع السياسي او الأمني الضمني. في الوقت الذي تكبل فيه حرية التعبير ويحتكر فيه الموقف الشعبي وكأن الممانعة حكر على الحكومات دون الشعوب.
 
إن مصداقية المواقف لا تبنى بالشعارات ولا بالدعم الانتقائي، وإنما تبنى على قاعدة الانسجام بين الخطاب مع السلوك. واحترام الشعوب والشرعيات والالتزام بالمرجعيات الدولية والسعي الحقيقي إلى الحلول لا إلى إدارة الأزمات خدمة لمصالح تخدمها.