Saturday 12 July 2025
مجتمع

محمد أكياس: لا إصلاح لقطاع التربية والتعليم دون الاهتمام بالأستاذ

محمد أكياس: لا إصلاح لقطاع التربية والتعليم دون الاهتمام بالأستاذ

عندما نتحدث عن الإصلاح، فإننا نتحدث بالضرورة عن فشل سابق، ونهاية مرحلة لم ترق إلى مستوى التطلعات. ولا يمكننا التحدث عن الإصلاح إلا بعد تقييم ما سبق، وذلك باستحضار مدخلات المرحلة الفائتة ومخرجاتها. لذا، عند التحدث عن إصلاح المنظومة التعليمية، يجب العودة إلى المخطط الاستعجالي الذي دام سنوات عديدة، عرف خلالها القطاع محاولات إصلاحية بالجملة، باءت معظمها بالفشل، وانعكس ذلك انعكاسا سلبيا على مختلف مستويات هذا القطاع الحيوي، بدءا بالتلميذ الذي يعتبر، كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل، مرورا بهيئة التدريس، ووصولا إلى مختلف الهيئات الإدارية.

وإذا كان التنظير يستحضر مكونات العملية التعليمية التعلمية ويثمن أدوارها، فإنه على مستوى التشريع يغصب حق مُنزّل الإصلاح ومنفذه. ولا أدل على ذلك من المادة 108 في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، المتعلقة بترقية هيئة التدريس بناء على الشهادة الجامعية، والتي نصت على أن تتم هذه العملية وفق مرحلة انتقالية محدودة في الزمن، إذ انتهى العمل بها في سنة 2008. وقد تناسى المشرع عند وضعه لهذا الحد الزمني أنه سيجعل من هذه الآلية مدعاة للترقية المادية لا للترقية المعرفية والفكرية والمهنية التي ستنعكس، بدون شك، إيجابا على جودة التعليم المغربي. فلو أبقاها مفتوحة ووضع لها معايير مضبوطة، لحفزت رجال ونساء التعليم على تكوين ذواتهم والرفع من مستواهم المعرفي.

إن المشرع عند وضعه لهذه المادة اعتمد على التصور المادي، الذي ينظر إلى الرأسمال البشري بوصفه أرقاما تشكل عبئا على ميزانية الدولة. وهو تصور محدود في الزمن، قصير المدى، ولا يتلاءم مع خصوصية القطاع الذي إذا ارتقى، ارتقت معه كله القطاعات الأخرى. فلننظر إلى تجارب الدول الأخرى التي جعلت التعليم قاطرة للإصلاح، فبمجرد اهتمامها بالمعلم، وتحسينها لظروف عمله ومستواه الاقتصادي والاجتماعي، ارتفعت جودة التعليم.

وإذا ما قارنا بين قطاع التعليم والقطاعات الأخرى، خاصة على مستوى المردودية، نجد أنها تتضمن تحفيزات مادية، ليس الهدف منها الترقية المالية، بل غايتها الأسمى تتمثل في تعويد الموظف في هذه القطاعات على المردودية المرتفعة، وهي الآلية التي أقرتها وزارة العدل ووزارة الصحة من خلال الترقية بناء على الشهادات العليا، حيث يضحي التفاني في العمل والتكوين الذاتي سلوكا لا غاية، الشيء الذي تكرس، نقيضه، آليات الترقية المعمول بها حاليا في وزارة التربية الوطنية (الامتحان المهني والترقية بالأقدمية).

هذا من بين الأسباب التي جعلت رجال ونساء التعليم يخرجون إلى الشارع وحناجرهم تصدح بمطالب عديدة، تتمحور جميعها حول تحسين الوضعية المادية والمعنوية (ضحايا النظامين، حاملو الشهادات العليا، الزنزانة 9....) أليس من الأجدر أن يركز هؤلاء الأساتذة هذه الطاقة المهدرة في الاحتجاج على التدريس والاهتمام بالمتعلم، لكن أنّى لهم ذلك، وضعيةٌ متردية تجعلهم لا يفكرون إلا في تحسينها.

إلى متى سيستمر تبخيس الرأسمال البشري؟ كيف ننتظر الارتقاء بالمنظومة دون الارتقاء بمنفذ الإصلاح الحقيقي؟ هل الترقية المستحقة عبء أم حاجة؟ أسئلة مشرعة تتناسها الجهات المسؤولة وتغفل قيمتها.