Thursday 10 July 2025
مجتمع

عماد بوعزيزي: التأمين الصحي المدرسي بين إكراهات البيروقراطية وجشع الشركات البراغماتية..!!

عماد بوعزيزي: التأمين الصحي المدرسي  بين إكراهات  البيروقراطية وجشع الشركات البراغماتية..!!

مازال قطاع التعليم بالمغرب يعاني من فوضى التأمين المدرسي، وهيمنة شركة خاصة واحدة للتأمينات "شركة سينيا للتأمينات" على تأمين التعليم العمومي بالمغرب، فضلا عن هزالة تعويضات الضحايا، وبطء إجراءات التعويض. في هذا السياق، اتصلت "أنفاس بريس" بالإطار والباحث البيداغوجي؛ عماد بوعزيزي، والذي أمدنا بالورقة التالية:

عادت الأم إلى بيتها مع طفلها الصغير الذي بالكاد لم يتجاوز الثامنة ربيعا ،وعيناها تذرفان دما، إشفاقا على مستقبل وحيدها الذي أصيبت عينه اليسرى بعاهة مستديمة ،بعد أن كان من قدره، أن اخترقت حصى صغيرة إحدى حبيبتيه،صوبها تجاهه أحد الصبيان الذين كانوا يلعبون بساحة المدرسة ،يجرون ويتشاجرون ويتراشقون ما التقطت أياديهم من الارض.

الأمرّ من هذا كله والجارح للمشاعر أن الطفل المصاب بعد عرضه على الطبيب المختص،بادر مخاطبا الأم بضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة له، على أمل كبير بشفائه؛لكن قصر ذات اليد وتأخر تعويضات التأمين الصحي المدرسي ،وتماطل الجهة المانحة بصرف التعويض،كان نتيجته هذه الكارثة التي حلّت بالأسرة بأكملها.
هذه ليست حكاية للترف؛ بل حادثة مدرسية واقعية، نقلتها إليكم، كما روتها لي أم الطفل المصاب.لنلقي الضوء،ونلفت الانتباه لإحدى القضايا الخطيرة والملفات الشائكة التي تعترض سير منظومتنا التربوية،وترخي بظلال من التسيب والإهمال،الذي يلحق المتضرر جراءها؛مما قد تكون له انعكاسات وخيمة على مستقبل فلذات أكبادنا من متعلمين ومتعلمات.
من خلال ما سبق،فليتصور أب أو أم حجم المعاناة التي ستفقد الأسرة استقرارها المعنوي!
إن تعريف الحادثة المدرسية ( الحوادث المدرسية هي كل الإصابات الجسدية التي تلحق التلميذ بفعل غير إرادي من طرفه ،أو الناتجة عن فعل فجائي وبسبب خارجي،أثناء وجوده في عهدة الأطر التربوية) في هذا السياق الذي يبين مدى خطورتها ،وبهذه الظروف والتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي،من تنامي ظاهرة العنف بين الكبار،وتأثير ذلك على فئة عريضة من متعلمينا بمختلف الفئات.ليفرض أيضا أن نراجع تحديد مفهوم التأمين الصحي المدرسي،في كل الظروف التي أحاطت بالحادثة المدرسية،وتأمين المصاب عن حجم الضرر الذي لحقه ،دون المساس بحقه في عدم الاستفادة من ذلك،وتسريع وتيرة الإجراءات،بعيدا عن التوصيف الإداري البيروقراطي، الذي يكون فيه التلميذ(ة) الحلقة الأضعف أمام تعنت المدرسة أو تنصل المسؤول عن الحادثة،واختبائه وراء ترسانة قانونية مدرسية تحميه في حالة وجود إهمال من طرف المؤسسة المشرفة على عملية الحراسة.
وفي ظل هذا التخبط الذي يشي عملية التامين المدرسي وحيثيات تدبيرها ، رغم تحمل الدولة لجميع المصاريف الناجمة عن الحوادث التي يتعرض لها التلاميذ المسجلون بالمؤسسات التعليمية أثناء وجودهم تحت الحراسة الفعلية للمكلفين بالمهمة،ورغم إضافة ضمانات تكميلية لتلك المنصوص عليها في ظهير 1942م، ورغم ما استبشر به القيمون من مديرين ومقتصدين على استخلاص رسوم التسجيل المدرسي وكذا المستفيدون من خدمات الضمان المدرسي من آباء وأولياء التلاميذ خيرا،من إبرام وزارة التربية الوطنية لاتفاقية الضمان المدرسي ( أضيف إليها الضمان الجامعي أخيرا ) مع شركة سينيا للتأمين؛إلا أن ضحايا الحوادث المدرسية وأولياء أمورهم أصبحوا يمتعضون من بعض التدابير التي اتخذتها الشركة مؤخرا والتي تتعارض مع مقتضيات الفصل الأول والثاني من الظهير المنظم ،من مثل اشتراط الوصل للمستفيد،للتنصل من خدمة الاستشفاء،أو حتى من رفع كلفة التأمين عند بعض المدارس الخاصة( من 800 درهم إلى أن تصل في بعض الأحيان إلى 1500درهم )مما اعتبر ابتزازا فاضحا من قبل الشركات المشرفة على مثل هذه العملية.
وفي نظري المتواضع ،إن الدولة قد أوكلت عملية التأمين إلى شركات رأسمالية براغماتية،همها الوحيد نسبة المداخيل ( تجني مبالغ طائلة جراء تسديد أقساط الانخراط المقدر ب 12 درهما في الوسط الحضري و8 دراهم في المجال القروي ) والتقاعس عن آداء الخدمات،ويبقى التلميذ المواطن آخر ما يفكر فيه..!!
فلماذا لا تنظم شركة التأمين حملات للتحسيس وأيام دراسية للتوعية والقيام ببحوث ودراسات ميدانية للتقليل من هذه الحوادث المتزايدة..!؟
بالإضافة الى إبرام اتفاقيات مع وزارة الصحة أو مصحات خصوصية لتقدم مراكزها أو مستشفياتها إسعافات أولية،أو خدمات حسن الاستقبال والاستشفاء دون إعداد ملف التعويض بالنسبة للحالات غير المستعصية..
ولماذا لا تزود المدارس ببعض الأدوية الخاصة بالإسعاف الأولي،من أجل تقريب الخدمة من المستفيد ومن أجل تفادي تعميل مسطرة الاستشفاء والنقل والإقامة والتعويض...؟
تلكم بعض الحلول المقترحة ،للمضي بمسألة التأمين الصحي المدرسي نحو مسارها الصحيح ،والذي يؤمن لفئات عريضة ومعوزة الاستفادة من خدماتها ،طالما أنه حق من حقوقها الذي يستخلص من جيوبها.