الاثنين 20 مايو 2024
خارج الحدود

سلطات بلد أسيوي: اللي مشى للسعودية يتشد بتهمة "الحج"

 
 
سلطات بلد أسيوي: اللي مشى للسعودية يتشد بتهمة "الحج"

كانت عائشة تبلغ من العمر 16 عاما فقط عندما تمكنت من إكمال مناسك الحج برفقة والدها، وهو أمر يخالف تماماً القواعد الصارمة التي فرضتها السلطات الصينية على المسلمين الإيغور، وقد دفعت ثمناً باهظا لذلك.

تقول عائشة، وهي أحد مسلمي الإيغور من مقاطعة شينجيانغ فى الصين، والتي تمكنت من أداء فريضة الحج العام الماضى: "أول مرة رأيت فيها الكعبة كانت لحظة رائعة، توقف فيها نفسي لوهلة".

وتضيف: "بعد أداء صلواتي كلها في اتجاه هذه القبلة طيلة حياتي، كانت مطالعة الكعبة المشرفة من قرب مخالِفة تماما لرؤية صورها على شاشات التلفزيون، انهمرت دموعي في تلك اللحظة.. كانت تلك اللحظة تستحق الكثير".

وبالفعل، قامت عائشة بشيء مختلف تماما لتحظى بلحظة معانقة نظرها للكعبة. فبدلا من الانتظار حتى تصل إلى سن الـ60 عاماً؛ لتتمكن من الحصول على إذن من السلطات الصينية بالذهاب إلى الحج، ذهبت إلى السعودية، حيث كان والدها يعمل بالفعل هناك من خلال تأشيرة عمل، بحسب موقع "ميدل إيست" آي البريطاني.

ولكنها دفعت ثمن هذه المخاطرة لاحقاً. في أثناء عودتهم إلى الصين لقضاء عطلة هناك، تروي عائشة أن "السلطات الصينية ذهبت إلى منزلنا في أورومتشي وسألت عن مكاني، وصادروا جواز سفر والدي، وألغوا تصريحه بالعودة إلى السعودية مرة أخرى".

من ترتيبات القدر، لم تكن عائشة في تلك الأثناء بقريتها في الصين حيث تعيش عائلتها، وإلا كانت تعرضت للسجن، بحكم القانون الصيني الذي يمنع الحج على المسلمين لمن هم دون سن الستين، ولكنها كذلك لم تتمكن من العودة لمنزل عائلتها.. فقد أصبحت مطارَدة ومطلوبة لدى السلطات بتهمة "الحج".

وتابعت قائلةً: "أخبرني والدي بما حدث، وطلب مني العودة إلى السعودية... فعُدت إلى السعودية ثم ذهبت بعد ذلك إلى تركيا". وأضافت: "لم أرَ أسرتي منذ ذلك الحين".

لا حج دون الـ60

لا تُعتبر عائشة هي الوحيدة التي تعيش هذا الوضع وهذه المأساة، فقد أدت القيود التي فرضتها حكومة بكين -ومن ضمنها اشتراط كون عمر الحاج لا يقل عن 60 عاما- إلى سعي الكثير من مسلمي الإيغور إلى طرق بديلة للوصول إلى مكة المكرمة وأداء فريضة الحج.

وفي العام الماضي، تقطعت السُبل بأكثر من 100 شخص من مسلمي الإيغور بإسطنبول، بعد محاولتهم الذهاب إلى الحج باستخدام جوازات سفر مزيفة، على اعتبارهم مواطنين من جمهورية قرغيزستان.

ويُعتقد أن الكثير منهم قد اختفى هارباً بتركيا، في حين تم ترحيل الآخرين إلى الصين.

طريق الحج لا يمر عبر بكين

ويعيش أكثر من 10 ملايين من مسلمي الإيغور في المقاطعة ذات الحكم الذاتي والأغلبية المسلمة في الصين، والمعروفة رسمياً باسم شينجيانغ ومحلياً باسم تركستان الشرقية.

وعلى الرغم من كونهم يشكلون الأغلبية في المقاطعة، فإنهم قد واجهوا قيوداً شديدة حدَّت من قدرتهم على السفر وممارسة شعائرهم الدينية.

ومثل كل بلد، تُمنح الصين حصة على عدد المسلمين المسموح لهم بالذهاب إلى الحج، وهي تقدر بنحو 12 ألف تأشيرة.

ولكن العقبة الرئيسية التي تواجه العديد من مسلمي الإيغور، هي قدرتهم على الحصول على جواز سفر من الأساس ليتقدموا لطلب التأشيرة.

ففى العام الماضي، طلبت السلطات الصينية من كل مواطن بمقاطعة شينجيانغ تسليم جواز سفره. وقال ناشطون إن جوازات السفر تمت مصادرتها ولم تُعَد مرة أخرى إلى مواطني الإيغور.

ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش، أمرت السلطات الصينية بمصادرة جوازات سفر من مسلمي التبتيين وهوي وإيغور؛ بحجة التخوف من "تلقي ودراسة التعاليم الدينية في الخارج... ما قد يكون غطاء ودافعاً محتملاً للنشاط السياسي التخريبي".

ويقول عمر كانات، نائب رئيس المؤتمر الشعبي العالمي لمسلمي الإيغور، إنه في محاولة لتجاوز تلك العقبة فإن الكثيرين يذهبون إلى الحج من خلال "طرق طويلة وصعبة للغاية.. بعضهم استقل القطار إلى موسكو ومن هناك ذهب إلى إسطنبول، ومن تركيا حصلوا على تأشيرة الحج من السفارة السعودية هناك؛ ليتمكنوا بذلك من الذهاب إلى مكة".

وتابع بينما سلكت مجموعة منهم طريقاً آخر، حيث "سافروا عن طريق البر من كاشغر إلى تاتش كورغان، ثم عبروا الحدود إلى باكستان، ومن هناك ذهب الآلاف من الإيغور إلى الحج".

غير أن هذه الطرق أصبحت مقيدة ولم تعد ممكنة، خاصةً بعد أن بدأت السلطات الصينية في حبس مسلمي الإيغور وهوي الذين ذهبوا إلى الحج عبر تلك الطرق البديلة التي لا تمر عبر بكين.

حاج "مشتبه فيه"

توزع الصين ما يقرب من 12 ألف تأشيرة مخصصة لمسلميها للحج، بين 30 مقاطعة ذات أغلبية مسلمة من خلال الطلبات التي تُقدَّم إلى قسم الشؤون الدينية من الحجاج المحتملين.

وقال الناطقون باسم مسلمي الإيغور إن غالبية التصاريح تذهب إلى المسؤولين الحكوميين وحراس الأمن المرافقين لوفد الحج المنطلق من الصين.

بمجرد تقديم الحاج طلبه السفر، يخضع للمزيد من الإجراءات والفحص الأمني من قِبل السلطات الصينية قبل السماح له بالذهاب إلى الحج.

وصرح نيجات تورغون، رئيس مؤسسة تعليم الإيغور في السويد، بأن هذه الإجراءات تتضمن التحقق من السجل الجنائي للحاج، ومدى "خضوعه للسلطات الصينية".

وتابع: "هذا العام، بدأت الصين تطبيق دورة خاصة لحجاج الإيغور الذاهبين إلى الحج، وهو ما يعني أن عليهم الخضوع لغسل دماغ أيديولوجي. تقلق الصين من أن يقابل هؤلاء الإيغور أحد المناهضين للصين".

كما أضاف: "مستوى التدقيق والفحص دفع الكثيرين للتخلي عن فكرة الذهاب إلى الحج. هل تتخيل ذلك؟!

بعد هذه الإجراءات، تعيد السلطات جواز سفر الحجاج إليهم.

وقال بعض ناشطي الإيغور الآخرين إن عملاء المخابرات يرافقون الحجاج؛ لمراقبة سلوكهم ومنعهم من الحديث إلى شخص خارج مجموعتهم.

حاج واحد فقط من كل عائلة!

وبالنظر إلى أن معظم الحجاج تخطت أعمارهم الـ60 عاماً؛ بسبب قيود السن المفروضة من الحكومة، فإن هذه الرحلة الروحانية تصبح اختباراً للتحمل الجسدي.

ويصبح الحج -الذي تستمر مناسكه 5 أيام- أكثر صعوبة بالنسبة لكبار السن من الحجاج، خاصة مع منع السلطات الصينية مرافقة أقارب الحجاج لهم؛ إذ تسمح السلطات لمسلم واحد فقط من كل أسرة بالذهاب إلى الحج في العام.

وقالت عائشة: "رأيت حجاجاً من كبار السن يجاهدون لإتمام مناسك الحج؛ بسبب أعمارهم. لم يكن مسموحاً لهم بالتحدث مع الإيغور الآخرين، وكانوا دائماً بصحبة الحراس الصينيين الذين يتظاهرون بأنهم مسلمون".

تُقدِّر البيانات غير الرسمية التي حصل عليها النشطاء عدد الإيغور المسلمين الذين حصلوا على فرصة الذهاب إلى الحج هذا العام، بنحو 1400 شخص فقط.

أما عائشة، فتبقى في المنفى، وتعيش بإسطنبول حالياً. وختمت حديثها قائلةً: "حين قمت بالحج كانت عائلتي فخورة بي. إنهم يتفهَّمون أن هذا ثمن قليل دفعته لقاء حقي في السفر إلى الحج".