الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بنطلحة الدكالي: وتلك حكاية من يسمر الحصان ميتا...

محمد بنطلحة الدكالي: وتلك حكاية من يسمر الحصان ميتا... محمد بنطلحة الدكالي

يرى بعض المحللين في المقامر شخصا تتملكه رغبة لاشعورية في أن يخسر بدل أن يكسب، ويسيطر عليه دافع في أن يخسر ويستمر في الخسارة كنوع من العقاب ينفذه بنفسه.. في كتابه "سيكولوجية المقامر"، يرى الدكتور أكرم زيدان أن سلوك المقامرة مشكلة، لأنه لكي تقامر يكفي مائدة واحدة، أما لكي تفهم لماذا يستمر المقامر فقد لا تكفي ألف مائدة! والمقامرون أنواع، فهنالك من يقامر بماله وهناك من يقامر بحياته؛ وهناك من يقامر بشعبه...

 

ذلك هو حال النظام الجزائري الذي تملكه هوس مرضي؛ وهو الدخول في عداء مستمر تجاه المملكة المغربية، حتى بات هذا العداء يشكل عقيدة الدبلوماسية الجزائرية، والجنرالات النظام الجزائري؛ في وقت يعاني فيه الاقتصاد الجزائري تدهورا فظيعا، حيث استقبلت الجزائر مثلا العام الجديد بعجز تاريخي في موازنتها العامة فاقت 20 مليار دولار وسط علامات استفهام حول السبل والبدائل التي ستواجه بها الحكومة الجزائرية هذه الوضعية غير المسبوقة!؟ في ظل اقتصاد ريعي يعتمد على الجباية النفطية، حيث تمثل عائدات المحروقات 93% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي!! وفي ظل امتعاض شعبي واسع النطاق، بجسده الحراك الاجتماعي الذي يطالب بحكم مدني وعدالة اجتماعية، وعدم إقصاء ذوي الكفاءات وتهميش النخب مع ضعف القدرة الشرائية وندرة المواد الغذائية، وتبذير أموال الشعب الجزائري الشقيق في ملايير الدولارات على قضية خاسرة لا تهمهم!!

 

لكن النظام الجزائري المقامر، وكما في رواية "المقامر" لدوستويفسكي فقد صوابه؛ وألقت به مشاعر وأحاسيس من شدة الحماسة لم يكن يستطيع مقاومتها؛ أنه لم يكن يقامر بكل المال الذي كان يملكه فقط، بل يقامر بحياته أيضا.. والنظام الجزائري المقامر نجده الآن يقامر بمستقبل شعبه وثروته من أجل قضية خاسرة!! هذا هو حال حكام الجزائر، يقامرون بالمستقبل بذاتهم من أجل محاربة طواحين هواء، بينما الآلاف من الأشقاء الجزائريين يصطفون في طوابير طويلة من أجل لتر من الحليب أو الزيت أو كيلو من البطاطا؛ وفي بعض الولايات يصطفون من أجل الماء!! مع العلم أنه كان من المنطقي أن تكون الجزائر الشقيقة في مصاف دول أصبح يعطى بها المثل في النمو والتقدم!!

 

لقد راهنوا وقامروا على تأزيم العلاقة بين المغرب وإسبانيا، لكن صوت العقل والحكمة الذي يجيده الرئيس الأسبق للحكومة الإسبانية، والذي أكد أن العلاقة مع المغرب أساسية لإسبانيا، ولأمن إسبانيا؛ ومقترح الحكم الذاتي هو الحل لتسوية نزاع الصحراء؛ كما أن وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسي مانويل كارسيا، أكد أن الظرفية الجيوسياسية تغيرت وعلى حكومة بيدرو شانسيز استخلاص الدروس من هذه التغييرات..

 

وراهنوا على موريتانيا، لكن زيارة وزير خارجيتها اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الرباط أظهرت أن العلاقات المغربية الموريتانية تاريخية واستراتيجية وقوية ومتينة؛ وهذا ما يبرهن عليه التطور الإيجابي الذي شهدته هذه العلاقات منذ وصول الرئيس محمد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم..

 

وراهنوا على استنزاف المغرب بحرب دونكيشوتية طويلة، لكن المغرب القوي بمبادئه وثوابته نجده يحتل مكانة مهمة على الصعيد الإقليمي، بل بات يعتبر المستثمر الثاني في القارة الأفريقية وهو يشق طريقه بثبات..

 

وراهنوا على حرب وهمية ونشر أخبار زائفة بغرض التشويش وإثارة البلبلة والتأثير في الرأي العام؛ لكن تناسوا أننا نعيش في عصر عولمة المعلومة وأن حبل الكذب قصير، وأن الجيش المغربي مستعد لأن يلقنهم دروسا سبق وأن تلقنوها..

 

 

وراهنوا على ابن بطوش الذي كان جنديا في الجيش الإسباني برتبة كابران؛ ولعل علاقته بالجنرال سالازار غير خافية على أحد؛ ابن بطوش الذي زور مكان ميلاده من رحامنة إلى إسبانيا قامر به حكام الجزائر؛ وتوهموا أنه الفارس المغوار؛ وهذا ما يذكرنا برواية دون كيشوت، وهي قصة أحمق ظن نفسه في مهمة مقدسة، حيث انتهى به الهوس الشديد لخيالاته إلى فقدان صوابه وخلط بين أوهامه والواقع، حيث امتطى صهوة جواد أعجف وهزيل، وبدأ يصارع طواحين الهواء، وانتهى به المطاف إلى السخرية والزوال والجنون؛ لأنه، وببساطة، تلك حكاية وتلك عبرة من يسمر الحصان ميتا...

 

د. محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض مراكش