الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: المنظومة التَّربوية و الاقتصاد

أحمد الحطاب: المنظومة التَّربوية و الاقتصاد أحمد الحطاب
عندما نقول إنه من واجب المدرسة أن تكوِّن مواطنين قادرين على الاندماج بسهولة في المجتمع، في عالم الشغل، في الحياة العملية، الخ.، هذا يعني أنها من خلال هؤلاء المواطنين، ستساهم في التنمية الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية للبلاد. وبعبارة أخرى، يجب القول أن التعليم يجب أن يُربطَ بكيفية وثيقة بالتنمية بصفة عامة وبالتنمية الاقتصادية، الاجتماعية والتكنوبوجية بصفة خاصة. 
فكلما حاولت الاسترتيجيات الحكومية في مجال التنمية أن تحسِّن مردوديةَ المنظومات التربوية، كلما كانت لهذه المنظومات مسؤولية في تكوين مواطنين قادرين على المساهمة في الإنتاج و في خلق الثروات و في تحسين المستوى الفكري والمادي (رفاهية) للمواطنين. 
و هذا يعني أن المنظومات التربوية، نظرا لضخامة الأموال التي تمتصها، من المفترض أن تُعتبر كمنشآت ترتفع منتجاتها إلى مستوى هذا الامتصاص. غير أنه، رغم الاهتمام الذي توليه سياسات التنمية لاشتغال ونجاح بعض المنظومات التربوية و بالأخص السياسات التربوية، فإن منتجاتِها ومردوديتَها تبقيان دون انتظارات المانحين و المجتمع و المستفيدين من خدماتها. و لاعتبارات عديدة، إن المنظومة التربوية المغربية لا تستثنى من هذا الوضع.
و لا داعي للقول أن التعليم والتربية يعتبران كخدماتَ استهلاك. لكنهما من الناحية الاقتصادية من المفترض أن لا يكونا مواد استهلاك غير نافعة لأن حجم المال الذي تضخه الدولة في المنظومة التربوية هو بمثابة استثمار (تكوين، رواتب، معدات تعليمية، بنيات تحتية، تسيير، صيانة، الخ.) يهدف إلى إفراز نتائج قياسية من حيث تكوين الرأس مال البشري على المستويين الكيفي والكمي. صحيح أن الاستثمار في مجال التربية يتطلب وقتا طويلا للإفصاح عن نتائجه. ومع ذلك و مند عقود و المنظومة التربوية تفرز نتائج دون ما كان يُنتظر نظريا من هذا الاستثمار.
أين توجد إذن مكامن الاختلال؟ هل هي راجعة إلى :
1.عدم تلاءم الحاجيات و التمويل؟
2.التنزيل غير الملائم للسياسات التربوية و ترجمتها إلى خطط عمل؟
3.التطبيق غير المتقن لخطط العمل على أرض الواقع؟
4.ضعف في المهنية الخاصة بالتدبير المالي؟
5.البيروقراطية و تمركز القرارات؟
6.ضعف الإحاطة بعلاقات الثالوث تعليم-تربية-إنتاج؟
7.ضعف أو عدم التجديد و الابتكار على جميع مستويات المنظومة التربوية؟ إذا كان الأمر هكذا، فكيفما كان التمويل، لا يمكن أن يكون استعماله و تعبئته ناجعين في محيط متجمد بالرتابة و البيروقراطية و التمركز و غياب المهنية.
8.هيئة تدريس تكوينها متجاوز و بعيد كل البعد عن الواقع الاقتصادي و الاجتماعي؟
9.ممارسة تربوية متصلَّبة لا تُتيح أيةَ فرصة للتَّحرر و التَّفتح الفكريين؟ الخ.
فعلا، إن الاقتصاد له تأثير كبير على التعليم من خلال الاهتمام الذي توليه له مخططات التنمية. و بالمقابل، على التعليم و التربية أن يوليا أهمية كبرى للتكوين الفكري و المهني للمتعلمين، و ذلك من خلال ما يُعدَّانه لهم من برامج تربوية جيدة. 
بالفعل، عندما يغادر المتعلمون المدرسةَ، يكون همهم الرئيسي هو العثور على شغل يتناسب مع تكوينهم. لكن المفاجأة هي أن سوق الشغل لها متطلبات و شروط غالبا ما لا توفِّرها الشواهد التي حصلوا عليها بعد نهاية دراساتهم. و هذا راجع بالتأكيد إلى عدم ملاءمة التكوين الذي توفِّره المدرسة و خصوصيات سوق الشغل، الشيء الذي يساهم في تعميق الهوة التي تفصل هذه المدرسة و المجتمع.
فالمنظومة التربوية، نظرا لجموديتها و خمولها، تجد نفسَها عاجزةً على مواكبة التطور الاقتصادي علما أن البلدان النامية تعلق عليها أملا كبيرا من أجل :
1.محاربة الأمية،
2.تنمية التفتح الفكري،
3.توعية المواطنين بمسؤولياتهم المدنية و الاجتماعية،
4.تكوين يد عاملة عالية الجودة،
5.التصدي للرهان التكنولوجي الذي له علاقة بمختلف مظاهر الحياة اليومية.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، يتَّضح أن التربية و التكوين و التنمية عوامل أساسية ضرورية لتقدم و تطور مجتمع ما. ليس هناك تنمية بدون تربية و تكوين و بالمقابل، فإن هذين الأخيرين لا يمكن أن يلعبا دورهما إلا إذا أعطتهما استراتيجيات التنمية اهتماما كبيرا.
إن المنظومة التربوية، نظرا لالتهامها قدرا كبيرا من الأموال، لا يجب أن تُعتبر خدماتُها حصريا كمادة للاستهلاك و وسيلة للتمدرس، أي معدة لاستقبال و امتصاص أكبر عدد من الأطفال الذين بلغوا سن الدخول إلى المدرسة. يجب أن تتجاوز هذه المرحلةَ ذات الطابع الكمي لتنتقل إلى مستوى أعلى يتسم بجودة التربية و التكوين. 
عكس ذلك، ستبقى المنظومة التربوية هُوَّةً ماليةً تُثقِل ميزانية الدولة و دافعي الضرائب. الاقتصاد الوطني في حاجةٍ إلى منظومة تربوية قوية و عالية المردودية في وقت يَعرفُ فيه انطلاقُ استراتيجيات تنموية طموحة (صناعة، طيران، سياحة، فلاحة، صيد بحري، صناعة تقليدية، طاقة، لوجيستيك، ترحيل الخدمات، الخ.) تحتاجُ و ستحتاج إلى يد عاملة عالية التأهيل.