الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد البالي: مغالطات (3)

محمد البالي: مغالطات (3) محمد البالي
المغالطة، في قواميس اللغة العربية غير الغلَط الذي يقع عن غير قصد؛ فالغلَط عند ابن منظور: "أن تعيا بالشئ فلا تعْرِفَ وجه الصواب فيه". أما المغالطة، فمِن غالط يغالط فهو مغالِط، بمعنى فِي كَلاَمِهِ مُحَاوَلَةٌ لِلإِيقَاعِ فِي الخَطَإِ. بمعنى أنها مقصودة من طرف المتكلم أو الكاتب، مرسل الخطاب لتحقيق غاية أو مصلحة. ففي معجم المعاني الجامع: "المُغَالِط: المُرَاوِغ، البارع في الجدل". وتتخذ المغالطة صورة استدلال منطقي أو تستند إلى سلطة مقْـنِعة أو حجة يقبلها المستمع أو القارئ أو المشاهد، متلقي الخطاب. وكم تكثر المغالطات في خطابات الدين والسياسة والقانون وفي الأحاديث اليومية... حتى نعتت ب"الخبز اليومي".
ومن المغالطات التي سنكشفها، لبيان تلاعبات الخطاب السياسي المغربي، بميولاته الرسمية والحزبية؛ التابعة والممانعة: 
1- "الانحراف عن المطلوب": وهي من نوع الاستدلال النازل، يتداولها البلاغيون الحجاجيون بعبارة "تجاهل المطلوب":
إن القضية الأساس، هي: هل يخالف مشروع قانون 04/21 مبادئ الديمقراطية؟ 
على رأس هذه المبادئ في الديمقراطية التمثيلية ضمان حرية الانتخاب وحرية الاختيار.
لقد حادت مواقف الأطراف المتنارعة في البرلمان عن هذا المطلوب، واتجهت إلى النظر والبحث والجواب عن مخالفته أو ملاءمته للدستور. 
فإذا أجبنا عن سؤال ومقدمة القضية الأساس، أمكننا بعد ذلك متابعة التبعات. لنفترض ما يلي:
إذا كان المشروع مخالفا لمبادئ الديمقراطية، ولم يكن مخالفا لأحكام الدستور، تحتم انتقال النقاش إلى قضية ثانية: هل يخالف الدستور مبادئ الديمقراطية؟ 
هذا ما لا تريد تلك الأحزاب الموالية بلوغه، بصنفيها الممثل في الحكومة وغير الممثل فيها. فهي التي نوهت، ومازالت، بعظمة دستور 2011، وبتميزه الذي نقل المغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية الحقة. 
وهذا ما جعل خطاب حزب العدالة والتنمية ذا وجهين متضادين: لغويا يعتبر المشروع مخالفا "مقتضيات الديمقراطية"، وفق تعبيره، وسلوكيا يشارك في التصويت عليه. والمشاركة في التصويت، حسب تلك المقتضيات، تتطلب القبول بنتائجه. نتساءل هنا: كيف تمارس عملية ديمقراطية (التصويت) على قضية لا ديمقراطية؟ وهذا انحراف سياسي وأخلاقي، قد لا ينتبه إليه، أو قد يكون مسلكا يتحلل من فلسفة الديمقراطية، ويشير إليها حين لا تؤدي آلياتها إلى تمكين (التمكين اصطلاح متداول في المجموعات الخطابية المنتمية إلى حركات الإسلام السياسي، ويعني الوصول إلى الحكم). 
مما يعني، أنه يتعامل مع القضايا، حسب مصالحه. ومصلحته في هذه الحالة، بضعة مقاعد افتراضية، لن تؤدي إلى مكانة مريحة في أغلبية غير مستقرة. وهو ما أشرنا إليه في البداية، حين حديثنا عن السياسة بمعناها الجدي والنبيل، خلاف ما نعاينه من ممارسات سياسية تغيب عنها النزاهة الفكرية والأمانة الأخلاقية.
وإذا كان هذا نفسه، هاجس الأحزاب التي دافعت عن مشروع القانون، لجني بضعة مقاعد، قد تسقط افتراضيا من حساب العدالة والتنمية، فستكون تعبيرا عن نفس الرؤية السياسية بصيغة أخرى. وكلا الصيغتين تضحية بمبدأ مستدام لاحتساب مكسب مؤقت. ويكشف هذا نسقا سياسيا واحد بمظاهر خطابية متنوعة، مؤطرا بمقولة "اللعبة السياسية" كما ينبذها المغاربة التواقون إلى ممارسة سياسة بديلة؛ تمتح من فضاء السياسة بمعناها الفاضل والنبيل والقاصد مصالح الناس والبلاد.  
2- لقد أدى المسلك المدافع عن الربح المؤقت على حساب المبدأ المستدام، بذويه إلى السقوط في "مغالطة لغوية" لتجنب سبيل واضح ينبع من المبدأ وقد يحل الإشكال، هو المطالبة ب"تعديل" دستوري؛ ينص صراحة أنه لا يحق لأية مؤسسة دستورية، أن تتقدم بمقترح قانون (البرلمان) أو بمشروع قانون (الحكومة)  يتعارض مع مبدأ من مبادئ الديمقراطية، ويستعرض هذه المبادئ. لكن "العدالة والتنمية"، شأن مختلف أحزاب الموالاة، يتجنبون هذا الطريق، ويختارون التلاعب بالألفاظ، فيستعملون: "تنزيل" ديمقراطي، و"تأويل" هو لعبارات في الدستور حمّالة معان . أما لفظ "تعديل" فيتجنبونه لدلالته المباشرة على التغيير. فهل يكشف هذا أنهم يهابون التغيير؟ أم أنهم جزء من التقليد؟ ويبقى أن يتواصلوا مع قبائلهم الخطابية ومع الجمهور متلاعبين بعواطفهم عبر اللغة للتستر على حقيقة فكرهم السياسي المكرس عبر الممارسة.
 
(يتبع)
 
محمد البالي/ باحث في الخطاب المغربي المعاصر