الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: المدرسة العمومية وسؤال التنمية

عبد الالاه حبيبي: المدرسة العمومية وسؤال التنمية عبد الالاه حبيبي
كل من يراهن على الاقتصاد وينسى التعليم سيجد نفسه يكرر أسوأ السيناريوهات الاجتماعية غير المتوقعة... الدول التي حققت ثورات كبرى انطلقت محركاتها من صبيب الأفكار القوية المتنورة، أي القوة الفكرية  التي تقوم بدور قاطرة ورافعة لتحريك  الواقع الجاثم نحو الأفضل و نقل الإنسان نحو الأعلى...
قد نبني سجنا كبيرا بحراسة مشددة ونضع فيه نوابغ، وبعد مدة سنكتشف أنهم حولوه إلى حدائق للتواصل الإنساني بين الحراس والمسجونين، وبين الجدران والمقيمين... والعكس قد نستهلك وقتا كبيرا وجهدا عظيما في خلق عالم إنساني في سجن يقطنه أعتى المجرمون، وقد نضع فيه الرسومات الجميلة ونوسع مدارات الاستراحة والتجوال فيه، ونجهزه بالكتب وقاعات العروض، لكن ذلك لن نغير من طباع المقيمين كثيرا باعتبار أن المنهج  التنموي يقتضي التركيز على المسجون، أي الإنسان وترقيته فكريا وروحيا قبل الاشتغال على الجدران و الأبواب والواجهات والمساحات رغم أهميتها في التقليل من حدة العنف وتواتره...
من هنا يمكن فهم جدلية التعليم والترقي الاجتماعي، أي استحالة الفصل بين تنمية الإنسان عقليا وسلوكيا وتنمية المجال والسياقات المحيطة به، فكلما تطور الإدراك لدى الإنسان ارتفعت قدرته العقلية على فهم الرهانات واستيعاب الاستراتيجيات الموضوعة للنهوض ببلده وتنمية اقتصاده، وكلما انخفض وعيه وتضاءل إدراكه للمشكلات والعوائق زاد دوره السلبي في إعاقة سير المشاريع ونبذها، بل والانخراط في كل الخطابات التي تعادي كل نهوض اجتماعي وتعرقل كل خطوة للتغيير الثقافي...
لهذا فالتعليم هو حقل زراعة مشاتل التغيير الثقافي والارتقاء الروحي، ومجال تحضير بذور تنمية كل الحقول الأخرى التي تحتاج لعقول مفكرة، و ملكات يقظة، ومهارات فكرية متطورة، وذكاء متعدد الأبعاد وقدرة على فهم الخطابات، وتخيل المشاريع، واقتراح الحلول للمشاكل المنبثقة من  حقل التجارب العملية، والتدخل الفوري للحد من استنزاف الطاقة، والتنبؤ بالأخطار والتخطيط لها، مع سرعة ردات الفعل العقلانية  حيال القضايا المستعجلة...
في المدرسة يتشكل مآل البلاد ولون مستقبلها، ولا نريد أن يتكرر اللون الداكن، المتشائم، الذي  قد نغوص فيه الآن على ضوء الإصلاحات التي مست الأنظمة والإطارات في سياق الجهوية الموسعة التي قد تكون قاطرة مهمة لتنمية الجهات لكن التعليم يستدعي مقاربة مغايرة لا ترتبط بالمتغيرات العابرة ولا بالقرارات القابلة للمراجعة بحكم أنها موضوعة رهن إشارة السياسيين الجهويين والإقليميين...
الشخصية الوطنية لها ملامح عامة مشتركة  بين افراد المجتمع الواحد، لهذا فالمدرسة العمومية هي المؤسسة الوحيدة المؤهلة بيداغوجيا وتنظيميا لصياغة هذه الشخصية، وترسيخ قيمها وأنماط سلوكها في المجالات الإنسانية والاقتصادية حتى لا يحصل التوتر والنزاع بين شخصيات متناقضة الميولات والطباع تصنعها مدارس مختلفة الأهداف والمشارب، مدارس البعثات الأجنبية ، مدارس القطاع الخاص، مدارس الدولة، مدارس الجمعيات التي تشتغل لصالح لوبيات مختلفة...
الوطنية في ضيافة مدرسة وطنية هي الضمانة الحقيقية للسهر على سلامة الوطن والاقتصاد والإنسان من كل الاختراقات والتوجيهات، والمواطن اليقظ، هو الذي يعرف أنه مسؤول عن وطنه، عن تنميته، عن حمايته من كل الأخطار المحدقة به، مساهما في فضح كل من يريد به سوءا، منخرطا في معاركه الديموقراطية من أجل تخليصه من اللصوص وقطاع الطرق وناهبو خيراته باسم خطابات تنموية ملتهبة الأرقام والشعارات، لكنها فاقدة للحس الإنساني الأصيل المستند إلى المرجعيات الثقافية التي لها علاقة بالتربة والإنسان والمصير...لهذا بات في حكم اليقين دور المدرسة الوطنية الريادي في تحقيق هذا الطموح الذي هو أصل نهضة من سبقونا في معارك التنمية والتقدم...