السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الحسن زهور: دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي (5)  

الحسن زهور: دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي (5)   الحسن زهور

يعتبرالأدب الحكائي الأمازيغي من أغنى الآداب الحكائية العالمية، وهو أدب مرتبط بكل مناحي الحياة لدى الإنسان المغربي ويحمل نظرته ورؤاه إلى الحياة والى الوجود.

وفي هذا الإطار تنشر "أنفاس بريس" في هذا الشهر المبارك سلسلة من الدراسات من إعداد الكاتب والأديب الحسن زهور، بهدف تقريب المغاربة من أدبهم الأمازيغي، الذي يعبرعن خصوصيتهم الثقافية والحضارية:

الدراسة 5 : رمزية الذئب في الحكايات الأمازيغية:

في الحكايات والأساطير الأوروبية والشرقية يرمز الثعلب إلى الدهاء والمكر والخديعة، وينظر اليه كتجسيد لقوى طبيعية بدائية تكون أحيانا خيرة وأحيانا شريرة فوضوية، ومن تم ترسخت شخصية هذا الحيوان في بهذا التصور في الأشكال التعبيرية لهذه الثقافات( الأمثال، الحكايات، الأساطير.. ابن المقفع وكتابه ' كليلة ودمنة'، الشعر: لافاتين " الغراب والثعلب" ، أحمد شوقي "الثعلب والديك"، ثعلب الصحراء: رومر، رواية الثعلب لأغاثا كريستي، ومجموعة زفزاف القصصية 'الثعلب الذي يظهر ويختفي'... ).

في الحكايات الامازيغية تحل شخصيتا القنفذ والذئب محل الثعلب، شخصيتان تتقاسمان الدهاء والمكر (شخصية الثعلب قليلة جديدا في الحكايات الامازيغية ويمكن ان تكون ذئبية الأصل)، فمرجعيتها الثقافية أوجدت ثنائية للتمييز بين الدهاء الايجابي الذي يبني ويؤسس لمجتمع الحق والعدل وبين الدهاء السلبي أي المكر الذي يهدم ويعيد الإنسانية إلى التوحش المبني على القوة.

فكيف ميزت بينهما؟

المكر الايجابي أي الدهاء وتوظيف العقل والوسائل السلمية في حل الأمور أسند إلى شخصية القنفذ. وشملت هذه الخاصية الأشكال الثقافية الأخرى ففي الأمثال مثلا نقول عن الداهية الايجابي: " زوند بومحند". أي مثل القنفذ.

أما المكر السلبي والدهاء المرافق للقوة والفوضى فأسندت الى الذئب، ليلخصها المثل في " ولايني ذيب!" دلالة على الدهاء السلبي المعتمد على القوة. لكن في الحكايات الأمازيغية يتغلب أحيانا جانب الخير في الذئب حين يخرج من طبيعته المتوحشة المرتكزة على القوة والفوضى أي من الطبيعة إلى الثقافة.

هذه الخاصية المضطربة للذئب، والتي تجمع بين المكر السلبي والقوة والتوحش وبين الجنوح إلى العقل ومسايرة الواقع في الحكايات الأمازيغية، تتحدث عنها اسطورة أمازيغية تفسر أصل الذئب.

تقول هذه الأسطورة ( دونها الباحث محمد أسوس في كتابه ' دراسات في الفكر الميثي الامازيغي " 2007, من اصدار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ).

كان الذئب والكلب أخوين ولدا من بطن واحدة، لكن طبيعة التوحش فيه تغلب احيانا طبيعة الألفة عكس الكلب الذي تغلبت لديه طبيعة الألفة. وكانا يرعيان الغنم، ومرة سقطت شاة من الجرف فأرسل الكلب الذئب لمساعدتها، فبدأ بإسعافها بلعق الدم من جرحها. وبتذوقه للدم استيقظت فيه طبيعته المتوحشة فلم يتوقف من صم الدم من جرح الشاة إلى أن قضى عليها، فعلم الكلب بفعلته الشنيعة فطرده إلى الغابة حيث التوحش، وفي كل ليلة يقف على ربوة القرية ينادي الكلب طالبا السماح له بالرجوع.

وفي حكاية أخرى منتشرة في إحاحان وإدا وتانان ( رواية الأستاذ محمد اكناض) تفسر أصل توحش الذئب مفادها أن الذئاب في غابر الأزمان غدرت بجد الكلاب واسمه " هاوون"، فطردتها الكلاب من مجتمعها، وكلما اشتاق الذئب إلى طبيعة الألفة يقف فوق ربوة أمام القرية وينادى الكلاب عواء:

- ئس ئلا لهناااا؟؟ هل عم السلم بيننا؟

فتجيبه الكلاب نباحا:

- مانزا هاوووون؟؟؟. اين هاوووون؟؟؟

إذا فالحكايات والأساطير الأمازيغية المتعلقة بالذئب تظهره سلبيا بذكائه السلبي الذي يغلب عليه التوحش و قليلا ما يوظف ذكاءه الايجابي للرجوع إلى الطبيعة المدنية أي الرضوخ للقوانين. فمن خصائص الذئب في الحكايات:

- الذئب رمز لطبيعة التوحش والفوضى التي تدمر التمدن البشري، ويعبر عنها المثل الامازيغي" تمازيرت ئخلا ووشن" اي البلدة/ البلاد التي خربها الذئب. كما نجد في بعض العادات الأمازيغية مظاهر يقوم بها الناس لإبعاد شره الدال على التوحش. أورد المختار السوسي احتفالا يقوم به شباب منطقته اليغ: " وفي ليلة عاشوراء يخرج الرعاع زمرا زمرا الى بعيد قريتهم فينادون-فيما زعموا - على الذئب ان يبعد عن غنمهم فيرمون هناك أحجار في محلات ثم يرجعون" المعسول1، ص 30. ولماذا يرمون الأحجار في محلات؟ هل لوضع حدود بين التوحش والمدنية؟ أم لها علاقة بالرمزية الدينية لـ" أكركور"؟

- الذئب رمز الفوضى الكونية، حيث ربط المخيال الامازيغي الذئب ببعض المظاهر الطبيعية التي تتداخل فيها المتناقضات اي الفوضى، كامتزاج سقوط المطر من غيمة بأشعة الشمس " تامغرا ن ووشن" اي عرس الذيب، في العادة سقوط المطر يرتبط بغياب الشمس وراء السحب ( يراجع فصل "تامغرا ن ووشن أو الفوضى الكونية" في الكتاب السابق).

- هذه الطبيعة الفوضوية في الذئب تشير إليها كذلك بعض الأمثال الأمازيغية التي تربط الفوضى بالذيب" زوند احليگ ن ووشن" اي مثل بطن الذيب، وهذا المثل وظفته الروائية المغربية ملعيد العدناني كعنوان لروايتها الجديدة " ئديس ن ووشن" اي بطن الذئب، من إصدار رابطة تيرا 2020.

في الحكايات التي تجمعة بالقنفذ، غالبا ما يتجسد فيها الذئب كقوة تميل إلى التوحش و الجشع الذي يعمي بصيرته فيسقط أحيانا في البلادة لكن القنفذ يعيد إليه توازنه كما يعيد إلى الأشياء توازنها وفق نظامها وقانونها الطبيعية والمجتمعي.

في الحكايات التي تتخذ الذئب بطلا و يغيب فيها القنفذ غالبا ما تظهر الذئب كرمز للفوضى كحكاية " la curée du chakal " التي دونها إميل لاوست في كتابه" contes berbères du Maroc "، وكرمز للدهاء السلبي اي المكر كما في حكاية " الذئب والحمار" في كتاب أرسين غو arsènne Roux بعنوان" Recits, contes légendes bèrbere" 1942.

وكرمز للشجع الذي يؤدي بصاحبه إلى الهلاك كحكاية" الذئب والصياد" في كتاب إميل لاوست...

كخلاصة: شخصية الذئب في الحكايات الأمازيغية تحمل خصائص متناقضة: الذكاء والمكر، والفوضى، والجشع وغالبا ما تؤدي به إلى الهلاك، لكن في الحكايات التي تجمعه بالقنفذ غالبا ما يرجعه الأخير إلى طبيعة الألفة والالتزام بالنظام، حيث يعود النظام المجتمعي الاجتماعي إلى طبيعته المتوازنة وهي إقامة التوازن بين طرفي ثنائية: الخير والشر، التوحش والتمدن، الطبيعة والثقافة....

وطبيعة التوازن بين الطرفين يقيمها النظام القائم على القانون والأخلاق...