Tuesday 1 July 2025
كتاب الرأي

حسن صابوري: موسم "الهجرة" نحو فضاءات التخييم

حسن صابوري: موسم "الهجرة" نحو فضاءات التخييم حسن صابوري
حين يبدأ الصيف في المغرب، لا يعلن عن حلوله فقط بحرارة الطقس أو امتلاء الشواطئ، بل تعلنه أيضا تلك القوافل الصغيرة من الأطفال المتجهين نحو فضاءات مغايرة، يحملون معهم أحلاما خفيفة كحقائبهم، وأملا عريضة في تجربة لا تشبه نمط حياتهم اليومي لأنهم فقط سيكتشفون المخيم الذي يعد لحظة وجود ومساحة تعلم غير مألوفة تربي فيهم شيئا لا يدرس في المدارس... سيكون مع الآخر، لا في منافسة معه، بل في مشاركة إنسانية تعيده إلى ذاته. 
 
سيتعلم في المخيم دروسا في الحياة قبل أن تكون انشطة في العطلة وهو تمرين على الحرية المنظمة، لا على الفوضى وعلى الالتزام الطوعي لا القسري وعلى اكتشاف الذات من خلال الجماعة لا على التربية النمطية... لهذا يظل التخييم تجربة تربوية نادرة تمارس فيها القيم ولا تلقن، وتختبر فيها المشاعر لا تحكى، وتكتسب فيها المهارات عبر العيش المشترك لا عبر التلقين.
 
اليوم، ومع انطلاق موسم التخييم لصيف 2025 تعود هذه المدرسة الحياتية لتفتح أبوابها في ربوع المملكة، تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل بشرامة مع الجامعة الوطنية للتخييم وبتعاون وثيق مع الجمعيات التربوية الفاعلة التي تشكل مكونا رئيسيا في تنظيم وتنسيق هذا العرض الوطني، بما له من رصيد تاريخي وتربوي واجتماعي. 
 
آلاف الأطفال من مختلف الأعمار والفئات يستعدون لعيش تجربة التخييم بتأطير من أطر جمعوية متمرسة وشغوفة داخل مراكز شاطئية وجبلية رغم كل الإكراهات المادية واللوجستيكية التي ترافق هذا الورش الذي يعد حاجة إنسانية وحق من حقوق الطفل ومساحة لبناء التوازن الداخلي في زمن تزداد فيه العزلة الرقمية، ويضيق فيه فضاء اللعب والتعبير العفوي. إنه إعادة ربط بين الإنسان والطبيعة، وبين الطفل والحياة، وبين الجماعة والفرد. 
 
ورغم المجهودات المبذولة، إلا أن أسئلة كبرى تظل تطرح نفسها بإلحاح: لماذا لا يتم تأهيل المراكز القديمة المهترئة؟ لماذا تغلق بعض الفضاءات الحيوية دون بدائل حقيقية؟ كيف نضمن عدالة مجالية حقيقية في التوزيع؟ ولماذا لا يفتح نقاش أوسع حول إصلاح شامل لمنظومة التخييم يتجاوز منطق التدبير الموسمي نحو بناء رؤية وطنية استراتيجية؟ على اعتبار أن الرهان اليوم ليس فقط على إنجاح موسم جديد بقدرما يجب أن يعمل الحميع القطاع الوصي والجمعيات  على ترسيخ قناعة مجتمعية مفادها أن الاستثمار في الطفولة هو استثمار في مستقبل الوطن، وأن كل لحظة يعيشها طفل في بيئة آمنة، مفعمة بالقيم والمشاركة، هي لبنة في بناء مجتمع متماسك ومتنور من منطلق ان المخيم وعي جماعي، بأن للطفولة حق في الحياة الكاملة وليس نصف حياة. هو تلك اللحظة التي يتعلم فيها الطفل أن يكون هو، في حضرة الآخرين، وتحت سماء مشتركة، وداخل وطن واحد... هو ما يجعل العطلة فصلا ثالثا للتربية، لا استراحة منها.
 
حسن صابوري/ عضو المكتب الوطني لجمعية الشعلة للتربية والثقافة