الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عز الدين خمريش: لهذه الأسباب تورطت إسبانيا في استقبال زعيم البوليساريو

عز الدين خمريش: لهذه الأسباب تورطت إسبانيا في استقبال زعيم البوليساريو عز الدين خمريش
قبل توضيح الغاية التي نرجوها من كتابتنا لهذا المقال حول موضوع تورط الإسبان في استقبال زعيم البوليساريو بوثائق مزورة وبشكل سري للغاية علينا التأكيد مع الفقيه ميشال مياي أنه في ميدان العلوم الإنسانية " ليست هناك ضمانات ضد الأخطاء ، فقد نقع في الخطأ إلا أن خطأنا غير مجاني لأننا لا نستطيع بلورة معلومات جديدة إلا انطلاقا من نقدنا للمعلومات التي قبلناها في فترة معينة " والخطأ الذي وقعت فيه إسبانيا بغض النظر عن الصفقة السياسية أو الاقتصادية التي أبرمتها مع عصابة الجينيرالات بالجزائر هي جهلها المتأخر بقوة وحنكة المخابرات المغربية التي سربت الخبر عن طريق مجلة "جون أفريك" و  أوقعت الإسبان وعسكر الجزائر في فضيحة سياسية و حقوقية أمام العالم لأن العلم بالأشياء بشكل متأخر يعتبر بلادة متقدمة    فإسبانيا حرة ما في ذلك شك، تستقبل من تشاء وتوصد أبوابها في وجه من تشاء، لكن ألا يبدو السبب الذي بررت به قبولها لقائد جبهة البوليساريو مهزوزا وغير مقنع بالمرة؟ فمنذ متى صار «العمل الإنساني» هو البوصلة التي توجه الدولة الإسبانية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجيرانها الجنوبيين وخاصة المغرب الذي أصبح يتعامل معها ندا لند وبدأ يستقوي عليها بأكبر قوة في العالم و ينظم على حدودها البحرية مناوشات وتربصات عسكرية  دون سابق إنذار أو حتى إخبارها بذلك ، يبدو صعبا أن يصدق أحد هذه الرواية المضحكة، لكن ما الذي جعل الإسبان إذن يقدمون على مجازفة سياسية مثل تلك؟ وهل ستكون مقدمة لانزياح مقبل، وتحول تدريجي في سياستهم التقليدية في المنطقة؟ أم أن الأمر سيبقى مجرد حادث عابر ومعزول سرعان ما ستختفي آثاره وندوبه بأسرع مما ظهرت به؟ أم أن الإسبان كانوا على يقين تام من عدم اكتشاف هذا الأمر ؟
الثابت أن المسؤولين الإسبان كانوا يدركون، حين قرروا استضافة إبراهيم غالي، ولو بشكل سري للعلاج في بلادهم، دقة وحساسية المسألة، والمفترض أيضا أنهم وضعوا في حسبانهم، تبعا لذلك، تداعيات وانعكاسات محتملة لذلك القرار على مصالحهم وعلى علاقاتهم بجيرانهم في الجنوب. غير أن الاختبار الحقيقي الذي قد يواجهونه في القادم من  الأيام سيكون في الطريقة التي سيتصرفون بها في ما إذا خرج زعيم البوليساريو معافى من المستشفى الذي يقيم فيه، فهل سيلتزمون حينها بوعدهم للجزائريين بعدم تتبعه قضائيا، ويخلون سبيله سامحين له بالعودة من حيث أتى في ظل هذا التسابق و الضغط الإعلامي والسياسي والحقوقي عليها ؟ أم إنهم سيحاولون تعطيله ولو لوقت محدود، والتظاهر بفتح تبعات قضائية ضده؟ قد يستغرق الأمر وقتا حتى يكشف عن التفاصيل الكاملة والحقيقية وراء  القصة، التي بدأت بسبق صحافي لمجلة «جون افريك» الخميس الماضي، إذ خرجت بخبر تقول فيه إن الأمين العام للبوليساريو، قد أدخل بشكل عاجل لأحد المستشفيات في إسبانيا تحت اسم مستعار للعلاج من مرض السرطان، بتدخل مباشر من الرئاسة الجزائرية، بعد رفض الألمان والفرنسيين قبوله، ما دفع متحدثا باسم الخارجية الإسبانية بعدها بساعات قليلة، لأن يصرح بأن «غالي نقل لإسبانيا لأسباب إنسانية بحتة» ويضيف بأنه «لن يتم تقديم مزيد من التفاصيل بسبب الطبيعة الإنسانية لتلك الخطوة». لكن الثقة التي تحدثت بها وزيرة الخارجية ماريا أرانتشا غونثاليث لايا، الجمعة الماضي حين قالت، إن ذلك الاستقبال «لن يخل بالعلاقات الممتازة التي تربط إسبانيا بالمغرب» وأن الأخير «يظل شريكا مميزا» لبلادها، أعطت الانطباع بأن مدريد كانت واثقة تماما ومطمئنة لما فعلته، وأن ما جعلها تبدو كذلك هو أنها قد تكون قدمت للرباط تعهدا، بأن لا يكون للزيارة أي بعد أو أثر سياسي، وأنها لن تعني تحولا في الموقف الإسباني من النزاع، وتلقت منها تبعا لذلك ضوءاً أخضر، قبل أن تأخذ قرارها النهائي، وهو ما نسفه وإلى حد كبير استدعاء الخارجية المغربية بعدها بيوم للسفير الإسباني المعتمد لديها بالرباط لإبلاغه «سخط « المغرب «وعدم فهمه» للقرار الإسباني وطلبه توضيحات حوله. فما الذي حصل إذن؟ ولماذا قامت إسبانيا بهذا السلوك المشين الذي خدش صورتها الحقوقية والديمقراطية والقضائية امام الجميع؟ هل أرادت مدريد أن تجس النبض وتمهد من وراء استقبال غالي لتغير مقبل في مواقفها من النزاع؟ أم أنها كانت تجرب نوعا محدودا من الضغط غير المباشر على المغرب حتى يعدل موقفه من قضايا ومسائل باتت تشغل الإسبان خاصة بعد المواقف الصارمة من المغرب ، كالوضع في الجيبين المحتلين سبتة ومليلية، اللذين يعانيان تقريبا من نوع من الحصار من الجانب المغربي؟
هناك أكثر من معطى داخلي وإقليمي و دولي لا يسمح للإسبان في هذا الوقت بالتخلي عن سياستهم باللعب على تناقضات وخلافات الجارتين المغاربيتين المغرب والجزائر 
قد يخطئ من يضع توجهات مدريد وأساليب تعاملها، في هذا الموضوع بالذات، تحت هاجس البحث عن التقرب لسبب من الأسباب من الجزائر، على حساب غريمها المغرب. فهناك أكثر من معطى داخلي وإقليمي لا يسمح للإسبان في هذا الوقت على الأقل، بأن يتخلوا عن سياستهم المعروفة في اللعب على تناقضات الجارين الجنوبيين، واستغلالها بما يخدم أهدافهم فحسب. كما أن فرضية الصدام المفاجئ وغير المحسوب مع الجارة الجنوبية تبدو مستبعدة أيضا، حتى في ظل وجود أصوات داخل إسبانيا تدعو إلى مواقف أكثر حزما وتشددا في التعامل مع ما قد يراه بعض الإسبان تعاظم مخاطر التحدي المغربي للوجود الإسباني في الشمال الافريقي. ومن المؤكد أن الرسالة التي أراد المسؤولون الإيبيريون تبليغها لا للجارتين فقط، بل لباقي القوى الإقليمية والدولية، من وراء إقدامهم على استضافة قائد الجبهة، التي قامت في الأصل كحركة تحرر من الاستعمار الإسباني للصحراء، هي أن بلدهم لا يزال ورغم كل شيء، محور القضية، وهو من يتحكم وبدرجة كبيرة في خيوط القضية الصحراوية، وأن لا سبيل لأن توجد أي تسوية للنزاع بمعزل عن مدريد، أو من وراء ظهرها. وهنا يكمن جانب من التقاطع بين الموقفين الإسباني والجزائري، بشكل ربما يوحي للبعض بوجود ميل إسباني نحو الجزائر في الملف الصحراوي، لكنه ليس في الواقع سوى ميل وانحياز صريح للمصالح الإسبانية أكثر من أي شيء آخر. لكن ما الذي تريده مدريد هنا بالضبط؟ إن ما ترغب فيه بالتأكيد هو أن لا تفرط بسهولة في ذلك الملف الذي يبقى بالنسبة لها، ورغم كل التقلبات والتغيرات بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا. ومما لا شك فيه أن أفضل سيناريو تتمناه، هو أن يبقى الحال على ما هو عليه، أي أن لا يتوصل مجلس الأمن الدولي لإقرار حل نهائي للمشكل. وهي تعرف حتما أنها تمسك بجانب كبير ومهم من خيوط الحل، فأي موقف قد تأخذه في هذا الاتجاه أو ذاك، قد يؤثر بشكل ملحوظ لا على الموقف الأوروبي من النزاع، بل حتى على التوجهات الدولية. ولأجل ذلك فهي تبذل قصارى جهدها للعمل على تأخير الحسم في أي اتجاه، مكتفية أحيانا بإرسال إشارات طمأنة للجزائر، ومن ورائها البوليساريو، وأحيانا أخرى بإرسال إشارات معاكسة لها تماما للجانب المقابل أي للمغرب. لكنها تدرك حتما إنه طال الزمن أم قصر، فلابد من أن يوجد يوما ما حل نهائي للمشكل. وهذا ما تتحسب له جيدا، وتريد أن تكون شريكة في صنعه. وما صدم الإسبان وأزعجهم في الوقت نفسه، أن التحركات المغربية في ذلك الملف بدت في الشهور الأخيرة حاسمة ومؤثرة جدا في مجرى الصراع حقق المغرب من خلاله عددا من المكاسب والانتصارات السياسية والدبلوماسية ، بشكل دفعهم قبل فترة للتعبير صراحة عن رفضهم للخطوة الأمريكية التي أقدمت عليها الإدارة السابقة بالاعتراف بمغربية الصحراء، وللتأكيد على أنه ليس بإمكان أي دولة أن تقرر بمفردها في الملف، في إشارة واضحة إلى أنه لن يتقرر شيء بمعزل عن مدريد، أو من وراء ظهرها. وربما لا ينتبه الكثيرون هنا إلى أن التسوية التي يفضلها الإسبان ويرونها مناسبة لهم، هي تلك التي تكون شاملة، بمعنى أنها لا تقتصر على تحديد مستقبل الأراضي الصحراوية فحسب. فهم يرغبون بعقد صفقة إقليمية واسعة تكرس بقاءهم بشكل دائم ونهائي في مناطق من شمال المغرب، كما أنهم يسعون وبشكل ما إلى البحث عن اتفاقات، أو الحصول على امتيازات في المناطق الصحراوية.. أما هل سيقربهم استقبال غالي من كل ذلك أم لا؟ فقد تحدد الطريقة التي سيتعامل بها المغاربة معهم خلال وبعد الأزمة الحالية جانبا كبيرا من الجواب ومن خلال ما سيقدم عليه القضاء الإسباني من إجراءات في هذه القضية خاصة وأنه معروف بعدم تسامحه و رحمته حتى مع  أكبر رمز من رموز الدولة وهو ملك إسبانيا الذي فر هاربا من متابعة هذا القضاء له وفضل العيش بإحدى دول الخليج فما بالك بٱبن بطوش ( زعيم البوليساريو) الذي  فقد بكارته السياسية والأخلاقية بٱرتكابه جرائم ضد الإنسانية التي يصيبها البوار او التقادم مصداقا لقول الشاعر : 
      ستخبرك الأيام ماكنت جاهلا          ويأتيك بالأخبار من لم تزود
عزالدين خمريش 
أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، باحث ومختص في شؤون وقضايا الصحراء