السبت 18 مايو 2024
فن وثقافة

التهاني في "مدارات": المكي الناصري استبق الانخراط في التوجه التجديدي ونبذ الغلو والتشدد

 
 
التهاني في "مدارات": المكي الناصري استبق الانخراط في التوجه التجديدي ونبذ الغلو والتشدد الزميل عبد الإله التهاني (يمينا) وصورتان للمرحوم العلامة محمد المكي الناصري

استعرض الزميل عبد الاله التهاني، في حلقة ليلة الاثنين 26 أبريل 2021، من برنامج "مدارات"، على أمواج الإذاعة الوطنية من الرباط، صفحات من سيرة حياة العلامة المغربي المرحوم  الأستاذ محمد المكي الناصري.. وقدم معد ومقدم البرنامج لجمهور المستمعات والمستمعين لمحات من مساره العلمي الحافل بالتجديد والاجتهاد، بالإضافة إلى تآليف المرحوم المكي الناصري الغزيرة في مجالات معرفية متعددة.

 

الحلقة الجديدة من حوار في الثقافة والمجتمع أضاءت بعض الأدوار الطليعية للعلامة الشيخ محمد المكي الناصري، في عمل الحركة الوطنية المغربية، ونضاله السياسي والاعلامي من أجل استقلال المغرب، والذوذ عن ثوابته الوطنية والدينية والحضارية.

 

ففي تقديمه أوضح الزميل عبد الإله التهاني أنه "على امتداد أجيال اعتاد المغاربة على سماع صوت رخيم مع إطلالة فجر كل يوم عبر أثير الإذاعة الوطنية للسلسلة الإذاعية الدينية مباشرة بعد افتتاح الإرسال... بأسلوب بسيط مليء بالمعاني وانتقاء دقيق للعبارات التي تشرح المعنى لتبليغ الرسالة الدينية التي خصص لها وقتا كبيرا. الصوت العذب الرخيم لم يكن سوى صوت العالم الجليل العلامة الشيخ محمد المكي الناصري".

 

وعن بداياته قال: "بدأ العلامة رحلته الطويلة مع التأليف في مرحلة مبكرة وهو مازال في عز شبابه، واستمر عطاؤه الغزير قبل وبعد استقلال المغرب. متعدد المعارف العلمية والحقول الثقافية في مجال الدراسات الإسلامية وعلم التفسير، وعلم الحديث، والثقافة العربية لغة وفكرا وتاريخا.."، على اعتبار أن المرحوم كان "شديد الاهتمام بالفكر الفلسفي، ملما بأصول الثقافة الغربية، ومهتما بمجال العلوم القانونية والإدارية والقانون الدولي... كان شخصية موسوعية تجسد خزانا من المعارف".

 

و ذَكًرَ معد ومقدم البرنامج، عبد الإله التهاني، بعضا من عناوين إصدارات ودراسات ومؤلفات الشيخ العلامة محمد المكي الناصري، منها على سبيل المثال لا الحصر "إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة" و"حرب صليبية في مراكش" و"فرنسا وسياسة البربرية في المغرب الأقصى" و"وصايا دينية من ملوك الدولة العلوية" و"الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية" و"موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية" و"نظام الفتوى في الشريعة والفقه" و"التيسير في أحاديث التفسير" و"مبادئ القانون الإداري في الإسلام" و"مبادئ القانون الدولي في الإسلام" و"دراسات تاريخية عن الجديدة وسبتة والصويرة".

 

رحلة الشيخ العلامة محمد المكي الناصري الدراسية لطلب العلم بالجامعة المصرية العصرية أكسبته كثيرا من عناصر التفتح والانفتاح والتحليل وهو طالب بشعبة الفلسفة بالقاهرة -يقول الزميل عبد الإله التهاني- فضلا عن نهله من نبع الأزهر الشريف، حيث سيشد الرحال إلى فرنسا للدراسة الجامعية بباريس في شعبة علوم التربية ومن هناك إلى سويسرا لدراسة القانون الدستوري. "هذا التنوع والتعدد جعل منه عالما متفتحا ومفكرا ومجتهدا حريصا على إقامة جسور التواصل بين مختلف الثقافات، والاهتمام على الخصوص بقنوات الاتصال بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية".

 

واعتبر عبد الإله التهاني أن العلامة الشيخ المكي الناصري "كان يستبق عصره لخوض رهان التجديد، ونبذ الغلو والتشدد والتفسير الضيق للإسلام كدين التسامح، وانخرط في التوجه التجديدي بعيدا عن منطق الغلو.."

 

وعن دعوته من طرف الإدارة لتحمل مسؤولية تقديم السلسلة الإذاعية لتفسير القرآن والأحاديث فجر كل يوم إلى أن وافته المنية عن سن يتناهز 88 سنة، استحضر قول المرحوم المكي الناصري ".. الدعوة وجدت هوى في النفس، واستجابة روحية... أحسست بثقل المسؤولية وصعوبة التكليف"...

 

الحكمة والهدف من إشراف العلامة الشيخ محمد المكي الناصري على إعداد وتقديم أول وأضخم سلسلة لتفسير القرآن والأحاديث عبر الإذاعة كانت مهمة جليلة أداها المرحوم بأمانة ووفر لها وللمتلقي كل فجر كنوزا معرفية لا تقدر بثمن من نبع تعاليم الدين الإسلامي السمحة وكتاب الله ورسالة التوجيه الإلاهي والتربية الربانية.

 

على هذا الأساس "لا يذكر اسم المرحوم إلا مقترنا بعلمه ونضاله الوطني وعمله السياسي الكبير، وسيرته الوطنية المليئة بتضحيات كثيرة تحملها وهو في عز شبابه"، يوضح مقدم برنامج "مدارات" الذي كشف على أن المرحوم الشيخ محمد المكي الناصري قد تعرض للعديد من المضايقات من المستعمر "بلغت حدة المضايقات بنفيه واضطر إلى الهجرة لشمال المغرب، ثم إلى مدن الأندلس ومنها إلى غينيا الاستوائية (غينيا الإسبانية). وبعد ذلك نقل نشاطه السياسي والصحفي إلى مدينة طنجة التي تجددت فيها المضايقات وتم نفيه خارج طنجة".

 

في هذا الصدد يقول التهاني عن المفكر والمصلح الوطني المدافع عن القضايا الاجتماعية للوطن: "كان قدر العلامة الشيخ محمد المكي الناصري أن يطوف بين المنافي سنوات أخرى إلى غاية استقلال المغرب. لقد كان قطبا كبيرا من أقطاب الحركة الوطنية ومؤسسا لخلاياها وبهذه الصفة كان عضوا في كثلة العمل الوطني... والعربي".

 

عن إقامته في مدينة تطوان أكد الإعلامي عبد الإله التهاني على أنها "اتسمت بالنشاط الثقافي والعلمي والعمل الصحفي وتمثل مرحلة زاخرة بالحيوية في عموم منطقة الشمال المغربي من خلال إقدامه على إنشاء عدة منابر صحفية وتأسيسه لعدة جرائد، وكان حريصا على الكتابة في العديد من الصحف العربية. فضلا عن إنشائه صحيفة ناطقة باللغة الإسبانية في مدينة تطوان وأخرى ناطقة باللغة الفرنسية بمدينة طنجة". عشق الرجل للصحافة والكتابة جعل منه "رائدا في مهنة الطباعة حيث أسس مطبعة حديثة قبل أن ينشأ شركة للطباعة (مركز الطباعة المغربية)".

 

في سياق متصل استحضر برنامج "مدارات" مسار الرجل على مستوى مواكبة انطلاق الدروس الحسنية كمنبر علمي فقهي رفيع المستوى يتحدث منه علماء من مختلف مناطق العالم الإسلامي، حيث شارك في إلقاء الدروس الحسنية خلال شهر رمضان الكريم في حضرة المرحوم الملك الحسن الثاني ومن مواضيع وعناوين تلك الدروس "درس الإسلام دين الحكمة، و درس الإسلام دين الحنفية السمحة، ودرس مبادئ النظام الإداري في الإسلام، ودرس الشريعة أخت الطبيعة".

 

وتقديرا لنضاله الوطني ومكانته العلمية وإسهامه الفكري والثقافي، فقد تولى المرحوم المكي الناصري عدة مهام علمية ووظيفية رفيعة منها "أستاذ بكلية الحقوق، ودار الحديث الحسنية، وسفيرا للمغرب بليبيا، ووزيرا للأوقاف، وأمينا عاما لرابطة علماء المغرب، ورئيس المجلس العلمي بمدنتي الرباط وسلا.."

 

كانت هذه متابعة جريدة "أنفاس بريس" لجزء من مشاهد ومعالم مسار حياة العلامة الشيخ محمد المكي الناصري، ومحطات مشرقة بقبساتها النورانية التي طبعت ثقافته الواسعة وعلمه الغزير والتي اعتبرها الإعلامي عبد الإله التهاني "مساهمة متواضعة للاحتفاء بالسيرة الطيبة لواحد من كبار علماء المغرب والذي كان أكثرهم أثرا وتأثيرا في مسار الإذاعة الوطنية على مستوى دروس تفسير القرآن ومعانيه ومقاصده"...